بسم الله الرحمن الرحيم

ابني الحبيب.. أبنائي في الله والإسلام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.

أكتب إليكم هذه الكلمة هدية لكم من أمِّ في الله والإسلام؛ لعلمي أنكم في حاجة إلى كلمة طيبة تريح نفوسكم، وتخفف عنكم المحنة، فهي ريحانة القلوب، وشفاء لما في الصدور، فالكلمة الطيبة صدقة، فالحمد لله الذي أعزنا بعزة الإسلام، ووعدنا بنصره المبين.

 

أبنائي في الله: لقد ربط الإسلام بيننا برباط الأخوة في الله، فأصبحنا كالجسد الواحد "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، لقد أصبحنا إخوانًا في الله يهمنا أمر المسلمين جميعًا، نشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ونتألم لآلامهم، وندعو لمريضهم بالشفاء ونلبي دعوتهم، فيها المحبة وائتلاف القلوب، ومصافحة الأيدي تتساقط من بينها الذنوب، ولغة العيون تشرق بأنوار المحبة في الله فتتفجر ينابيع الأشجان في النفس حنانًا وقربًا؛ فتتعانق الأرواح، وتسبح في ملكوت الله، حاملة عطر المحبة في الله؛ فتتولد حرارة اللقاء؛ لأنه فيض رحمة من الرحمن لعباده المحبين في الله؛ فيجعلهم الله يوم القيامة على منابر من نور، يسأل عنهم أهل المحشر: أهُم النبيون المقربون؟ فيُرد عليهم: لا، بل هم المحبون في الله، على رءوسهم تيجان اللؤلؤ والياقوت، وقد جمعكم الله في هذا المكان لتنالوا هذا الشرف العظيم، وسام شرف على صدوركم.

 

اللهم اجعلنا من المتحابين في جلالك، المجتمعين على كتابك، المتبعين هدْي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا في الإسلام قلبًا واحدًا، ويدًا واحدةً، وصفًا واحدًا للجهاد في سبيلك، الراضين المحتسبين لقضائك، فكل قضاء قضيته لحكمة لا نعلمها، فأمر المؤمن كله خير، إذا أصابه خير شكر فهو خير له، وإذا أصابه شر صبر فهو خير له وحمد الله، والمؤمن الصادق يحمد الله على المصيبة أنها لم تكن في الدين، ولم تكن أكبر من ذلك، وإن أعطاه الله الصبر عليها واحتسب فله الأجر العظيم.

 

كل هذا لصلابة الدين وتمكينه من قلب المؤمن؛ ليكون حب الله ورسوله هو شعاره في هذه الحياة، الله ناصري، الله معي، الله مطلع عليَّ، كتاب الله دستوري وفي قلبي، والرسول قدوتي ومرشدي، فلا أبكي على أي جنب يكون في الله مصرعي؛ ما دمت لله ذاكرًا وشاكرًا.

 

أبنائي في الله: هذه لمحات عطرة من فيض الإيمان لتنزل على قلوبكم بردًا وسلامًا واطمئنانًا، وسكينةً ورحمةً ورضا بقضاء الله حتى يتوفانا الله غير خزايا ولا مفتونين، وصحابة رسول الله عاهدوه أن يمشوا في طريقهم مهما كانت الصعاب والمشاق والحرمان والأذى والمحاربة، فكل أنواع الحقد والغطرسة والمطاردة تحملوا بنفوس راضية محتسبة مجاهدة، وأرواحهم في نعيم دائم بالرضا والاطمئنان وائتناس بالله عز وجل؛ لأن نور المحبة في قلوبهم زادتهم إجلالاً وخوفًا ورهبةً، باعوا أنفسهم لله ورسوله، ومشوا على الطريق بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، تعلو وجوههم إشراقة الإيمان صافية قلوبهم، مبتسمي الثغور، ليّنين هيّنين في القول والعمل، يتحلون بحسن الخلق وطيب الكلام، كأنهم ملائكة تمشي على الأرض، يطبقون القول والعمل على أنفسهم ليكونوا قدوة لغيرهم.

 

فهل يا تُرى نقتبس من نورهم ما يُضيء لنا الطريق؟ يا من جعلتم الله غايتكم، والقرآن دستوركم، والرسول قدوتكم، والجهاد في سبيل الله هو أسمى أمانيكم، بكم يعز الإسلام ويعلو شأنه، وترتفع رايته، بقلوب ثابتة رحبة مطمئنة، القرآن غذاؤها، والذكر رواحها، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ريحانها، والصلاة نورها، وصفاء القلب ضياؤها، والتبسم مفتاحها، فتنتعش النفوس وتتفتح كالزهرة المقفلة حين تستقبل قطرات الندى.

 

يا شباب الإسلام، يا أمل الأمة، ويا ساعد الجد والقوة: لا يضيعوا أوقاتكم إلا في طاعة الله، وذكره الدائم، والإصلاح ما استطعتم عليه سبيلاً، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمن الفتن والمعاصي والبعد عن شرع الله.

 

أسأل الله أن ينصركم نصرًا عزيزًا يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته. اللهم خذ بيد المسلمين جميعًا إلى العمل بما فيه رضاك، واشرح صدورهم، وفرج كروبهم، ويسر أمورهم، وأهلك أعداءهم، اللهم زِد الإسلام قوةً وعزةً ورفعةً، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)﴾ (آل عمران).

 

تحية لكم يا أبنائي على الصمود في ميدان القهر والغلبة على أمركم ودينكم، ولكن الله لن يتخلى عنكم في محنتكم وأذاقكم حلاوة الإيمان، لو ذاقوها لحاربوكم عليها بالسيوف، وذلك فضل الله يُعطيه من يشاء.

 

أبنائي في الله: ألا ترضون أن تكونوا مثل النبي يوسف زُج به في السجن فجعله مسجدًا للعبادة والدعوات، ولمناجاة ربه "أكثر الناس ابتلاءً الأنبياء والصالحون والأمثل فالأمثل".

 

يُصهر الذهب ليزال عنه الشوائب ويصبح لامعًا براقًا، كذلك قلب المؤمن يصهر بالبلاء والشدائد؛ ليزال عنه شوائب المعاصي والذنوب، فيصبح صافيًا نقيًّا رقيقًا يستقبل التقوى والعمل الصالح، والقرب من الله بمذاق آخر يجد نوره في قلبه. فالابتلاء يكون ظاهره الكرب، وباطنه الرحمة والغفران والقرب من الله.

 

ونردد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من الطائف وقد نازله قومه وآذوه بالحجارة: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع من ذنوبي، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل بي سخطك أو ينزل عليّ عذابك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

 

اللهم لا رب لي سواك أسقمتني وأنزلت لي الدواء قرآنًا أتلوه في محنتي بارتواء فينزل على قلبي بردًا بالشقاء، مددت إليك يديّ تضرعًا ورجاء فمالي بعدك يا الله يكشف البلاء.. هذه الكلمة وسام شرف على صدور أبنائي الأبطال، فاجعلوها همزة وصل بينكم للتعارف والمحبة في الله، فلا تقطعوا الصلة بينكم مهما تباعدتم، وشكرًا لكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.