على وقع وإيقاع وألحان كلمات عنوان هذا المقال، سار الشيخ رائد صلاح شيخ الأسرى والمسرى بخطىً واثقة ونفس مطمئنة راضية بقضاء الله وقدره إلى خلوته في أحد سجون الاحتلال ومن حوله آلاف من الأنصار والمحبين يزلزلون الأرض، يكبِّرون ويهتفون ويعلنون تضامنهم مع الشيخ.

 

من عيون البعض سالت دموع، وإلى قلوب البعض تسرَّب الحزن، ومن صدور آخرين خرجت آهات وآهات تلعن بني صهيون، وبين كل هؤلاء كان الشيخ رائد صلاح بابتسامته المألوفة والمعروفة يقف، تطلق عيناه رسائل وتوحي حركات رأسه بمعانٍ.

 

وقف الشيخ صلاح على باب سجنه ينظر إلى عيون محبيه بلبسته التي عرفناه بها؛ الطاقية التي تزيِّن رأسه.. طاقية مناطق فلسطين الداخل، وبلباسه الذي عهدناه من دون بذخ ولا ترف ولا ربطات عنق، وقف ورفع يديه، فتحركت مع إيقاع يديه قلوب المحبين وجموع المحتشدين.. صمت.. عاد وهزَّ رأسه، فتحركت مع حركات رأسه قلوب ورءوس وأفئدة المحبين.

 

في هذه الأثناء كان لحن فرقه الوعد يجلجل في المكان يقول: "حطم قيدك شيخ صلاح.. نادِ الأمة.. هان السجن وأما عزمك لا ما هان.. تجتث الغرقد من ترب ثرى أقصانا.. آن أوان الغضبة كي نحمي مسرانا.. حطِّم قيدك شيخ صلاح، حطِّم قيدك شيخ صلاح.. نادِ الأمة، واهتف من نزف الجراح.. أنت الهمة".

 

من عيون الشيخ الذي كان يرقب حركات الجميع سالت دموع.. دموع الفرح لهذه الجموع التي تحبه، والتي أتت تسلمه للمحتل، وهي ذاته التي بإذن الله ستستقبله بعد خمسة شهور هي مدة حكمه، وستعلن حالة الفرح القصوى والاحتفالات الكبرى فرحًا وسرورًا بخروج الشيخ، شيخ الأسرى والمسرى المحبوب رائد صلاح.

 

الشيخ رائد صلاح، الذي ثارت الأمة قبل أشهر على نبأ اغتياله لما قاد سفن كسر الحصار على قطاع غزة، وقف على باب سجن الرملة وأرسل رسائل عدة، وقال فيها إني مستعجل لدخول هذه الخلوة، ولن يستطيعوا كسر عزائمنا، ولن نخاف السجن حتى لو كان هناك اعتقال رابع أو خامس أو سادس.

 

وأضاف الشيخ- الذي كان فقط صوت التكبير يوقف هدره- أتمنَّى أن تنتهي هذه المدة لكي أخرج، وأول ما سأقوم بفعله صلاة ركعتين داخل المسجد الأقصى؛ الذي أعشق وأحب وأتمنَّى أن أتناول وجبة طعام عند أهالي القدس الذين سيتقبلوننا.

 

الشيخ صلاح قال: اسمحوا لي فأنا مستعجل، أريد أن أذهب إلى خلوتي وسجني قبل دخول الوقت، فلا يريد أن يظنوا أني خائف أو لا أريد السجن.. أنا مستعجل للذهاب للسجن.

 

أيّ عظمة هذه التي تحدثت بها يا شيخ يا أبا حماس، وأي قوة هذه التي تمتلكها، وأي جموع هذه التي أتتك من الجولان الجليل المثلث القدس، كل الداخل الفلسطيني كان أمامك تحدثه، يستمع إليك، يبتسم مع ابتسامتك، ويعقد حاجبيه مع عقد حاجبيك.

 

شيخ صلاح.. حطم قيدك.. نادِ الأمة، ستحطِّمه بإذن الله يا أبا حماس، وستخرج كما دخلت عزيز قومه والسيد فيهم، وإلى أن نلقاك خارج تلك الأسوار نقول لك: هان السجن وأما عزمك لا ما هان.

-------------

* كاتب وباحث مختص في شئون الأسرى الفلسطينيين.