أمام مقر الصليب الأحمر في مدينة الخليل، اعتصم عدد من أهالي المعتقلين السياسيين الستة المضربين عن الطعام؛ للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم المعتقلين في سجون السلطة منذ عامين ونصف العام، والحاصلين على إفراج من محكمة العدل العليا منذ عام, ذهبت مع إخواني النواب الإسلاميين لنشاركهم معاناتهم, وقفت بينهم حائرة أحاول السيطرة على مشاعري وكبح جماح خواطري.

 

بالأمس البعيد القريب كنت واحدة من هؤلاء أفتش عمن يقف إلى جانبي يدعمني ويشد من أزري، كان ذلك في عام 1998م وفي السجن ذاته سجن أريحا المركزي، وفي سجن الجنيد يومها أَضرب زوجي الشهيد جمال منصور- رحمة الله عليه وعلى شهداء شعبنا الفلسطيني- إضرابًا لمدة 23 يومًا، إضرابًا انفراديًّا عن الطعام؛ ليقوموا بنقله إلى سجن جنيد؛ وذلك لأنه كان يومها يعتبر أن وجوده في سجن أريحا، وهو ابن مدينة نابلس، يشكل عقابًا لأسرته جميعها, والإضراب الثاني، والذي كان بعد عودته إلى سجن جنيد بحوالي 6 أشهر؛ حيث أضرب مع جميع المعتقلين لمدة 36 يومًا؛ للمطالبة بالإفراج عنهم بعد أن طال اعتقالهم دون تهمة أو محاكمة.

 

لا أقول.. الكل يعلم حجم المعاناة التي يشعر بها الأسير وذووه نتيجة الإضراب عن الطعام؛ ولكنني أقول إن الأسير وأهله ومن خاض التجربة يعيشون المعاناة والمرارة لحظة بلحظة وثانية بثانية، فالزوجة التي ترى زوجها يذوب أمامها وهي عاجزة عن فعل أي شيء لأجله، والأم التي تنتظر لحظة يأتي فيها خبر غياب ابنها عن الدنيا، والابن والابنة والأقارب والأحباب يعيشون أيامًا عصيبة بانتظار قرار؛ لا أدري هل هو قرار سياسي أم أمني أم قرار..! يرفع المعاناة عن المعتقلين وأهلهم.

 

بالأمس كان المعتقلون السياسيون يتمنون أن يحكموا ويعرفوا متى سيخرجون من مقابر الأحياء، واليوم عُولجت المشكلة وأُفرج عنهم عن طريق أعلى هيئة قضائية من محكمة العدل العليا الفلسطينية؛ لكن قرارات هذه المحاكم لم تُطبق, وليعيد التاريخ نفسه بالأمس كنا كأهالي المعتقلين السياسيين نستصرخ الأحباب، فيهبون معنا وأجرهم على الله في مسيرات حاشدة تضم الآلاف، خرجوا معنا إلى سجن أريحا معتصمين، وخرجوا معنا في مسيرات إلى مقر محافظة نابلس، لم يمنعهم المطر الشديد من دعمنا ومؤازرتنا والسير معنا, يرفعون صوتهم عاليًا؛ دفاعًا عن إخوانهم المعتقلين المضربين عن الطعام, بالأمس كنا نجد الآلاف أمام المستشفيات تجتمع وترفع صوتها بهتافات وتنادي بمكبرات المساجد؛ احتجاجًا على نقل معتقل لدى السلطة إلى المستشفى.

 

بالأمس كانت الفصائل والمؤسسات تصدر بيانات شجب واستنكار للحالة الفلسطينية السائدة, واليوم وما أدراك ما اليوم.. أين الأحباب؟ وأين الأنصار؟ وأين المؤيدون؟ وأين الفصائل والمؤسسات؟ أين هم جميعًا من كل ما يجري؟

 

للأسف الشديد حتى الاستنكار الذي كنا لا نقبل به في الأمس أصبح أمنية بالنسبة لنا اليوم, فالاستنكار في أيامنا هذه أصبح له ثمن؛ فمن سيدفع هذا الثمن؟!.

 

هل لا سمح الله سننتظر حتى يأتينا خبر استشهاد الإخوة المضربين عن الطعام أم أننا سننتظر ردة الفعل الغائبة, هذا ما يجب ألا يكون, وعلى السلطة أن تغلق هذا الملف، ولا تنتظر حتى يفقد الشعب صوابه ويطبِّق القانون بيديه، وعندها ستفلت زمام الأمور، وحينها سنقول: ولات حين ملام ولات حين مندم.

-------------

* عضو المجلس التشريعي الفلسطيني.. الضفة الغربية