السنديك هو مشرف التصفية عندما يتقرر إفلاس الشركة ويعينه القضاء في قرار الإفلاس، فما هو مصير القضية إذا رحلت السلطة كلية بالحل أو الزوال؟ وهل هي مصلحة الشعب الفلسطيني أم في صالح "إسرائيل"، وهل هذا ممكن ولماذا؟ تلك أسئلة نحاول الإجابة عليها في هذه المرحلة من تدهور القضية الفلسطينية.

 

فقد أعلنت واشنطن رسميًّا عن يأسها من إقناع الصهاينة بمجرد تجميد الاستيطان بعض الوقت؛ حفظًا لماء الوجه حتى يتسنى للسلطة أن تستأنف المفاوضات مع الصهاينة، ولكن واشنطن مستمرة في الضغط على السلطة؛ لاستئناف المفاوضات رغم استمرار الاستيطان، وإذا حدث فهو تسليم من السلطة لإسرائيل بالتهام فلسطين، ويكون موضوع التفاوض هو الإقرار بذلك من طرف يدَّعي تمثيل الشعب الفلسطيني وباسمه.

 

معنى ذلك أن واشنطن تُدرِّك عجز الجانبين الفلسطيني والعربي وانعدام الخيارات أمامهما، وأنهما كانا يراهنان على موقف أمريكي احتميا فيه؛ حتى لا يتعرَّضا للبحث الجدي عن البديل.

 

ولم تكن تلك نتيجة مفاجئة، ولكنها ولا شك صدمت رئيس السلطة؛ لأن موقف واشنطن ببساطة رسالة إليه بأنه إما أن تسير فيما أرادته الصهاينة؛ لإكمال المشوار بتسليم فلسطين، أو الاستقالة، وقد بحث البعض في جدوى الاستقالة وبديل عباس، وما إذا كانت تلك أزمة قيادة أم وصول أوسلو إلى محطتها الأخيرة كما أرادتها الصهاينة.

 

على أية حال أظن أن هذا الموقف يجب أن يدفع العرب إلى بحث خيارات واضحة بعضها يتعلق بالسلطة ومصيرها، وبعضها الآخر يتعلق بإطار الصراع مع الصهاينة فيما يتعلق بالسلطة، لم تعد هناك أوهام لدى رئيس السلطة بأن أوسلو إحدى محطات تقدم المشروع الصهيوني، ولكن التراجع العربي هو الذي دفع إليها.. فهل حل السلطة أم بقاؤها أصوب بالنسبة للشعب الفلسطيني؟

 

قد يكون في حل السلطة حرمان للصهاينة من خدماتها الأمنية ضد حماس، وحرمان الصهاينة من شريك يغطيها ويقدِّم الشرعية لتوسعها في فلسطين ويجعل للمسرحية الهزلية حول عملية السلام أركانًا ولاعبين، ولكن واشنطن بإعلانها أطلقت صفارة النهاية لهذه المسرحية، وهي تعلم جدب الخزينة الفلسطينية من الخيارات، كما تدرك واشنطن أن خيارات عباس السبعة ترتد دائمًا إلى قرار واشنطن الذي لم يترك لمجرد الخيال أن يزدهر في احتمال تعديل مواقفها.

 

وإذا حُلَّت السلطة فأين يذهب مئات الآلاف من كوادرها وموظفيها والمرتبطون بها؟ ومَن يدير دفة القضية ولو من الناحية الشكلية؟ وبِمَن تعترف الدول الأخرى، خاصةً أنها ليست مستعدةً أن تكون حماس هي المتحدث باسم الشعب الفلسطيني، وأن السلطة على الأقل تدير الضفة تحت الوجود العسكري الصهيوني، وتسهل بشكل ما أمور الشعب في الضفة.

 

كذلك فإن حل السلطة يعني التخلِّي عن أوسلو، وهو ما يريده الصهاينة؛ لأنهم حققوا من أوسلو ما يريدون، ودخلوا في الوقت الضائع، خاصةً أنهم لم يكونوا ينوون احترام أي بندٍ من بنودها، وكان على السلطة أن تقضي على المقاومة، وقد قامت بدور موفور في هذا السبيل.

 

ولا أظن أن مصر والأردن اللتين تتعاملان مع السلطة، الطرف الآخر في المعادلة، تسعدان بحل السلطة وتقفان أمام فراغٍ سياسي وأمني، وكيان يزار ويزور، ويتم التخاطب معه في هذه المسرحية الكبرى التي تريد إسرائيل تفكيك سرادقها، وهي عملية السلام التي استنفدت أغراضها.

 

من ناحيةٍ أخرى، تعلم واشنطن أن حل السلطة ليس نهاية المسرحية، ولكنها تُفضِّل أن يُسنَد دورها إلى بطلٍ جديد يتم من خلاله السير بعض الوقت في الاستيطان، حتى تتمكن "إسرائيل" أكثر من بطلٍ قومي يحظى بشرف التغطية على تقدم المشروع الصهيوني.

 

كما تدرك واشنطن أن العرب لن يختاروا طريق المقاومة في هذه المرحلة التي تدخل أوطانهم إلى منحدر خطير.

 

فهل حل السلطة على الجانب الآخر، لو افترضنا حدوثه مفيد للشعب الفلسطيني؟ الفائدة الأولى: هي سقوط معادلة المصالحة والتسليم بصحة طريق المقاومة.

 

الفائدة الثانية: هي أن الشعب في الضفة والقدس يواجه الاحتلال مباشرةً دون وسيط، وقد تمكَّن الاحتلال منه بعد 17 عامًا من تعاون الاحتلال مع السلطة، فتعود الإدارة العسكرية المباشرة، وبذلك تصبح "إسرائيل" سلطة احتلال واضحة أمام المجتمع الدولي.

 

صحيح أن ذلك لن يوقف الاستيطان ولكن سيجعله أكثر انكشافًا مع العالم العربي، كما أن زوال السلطة سوف يؤدي إلى إنشاء تنظيمات تقاوم الاحتلال، ولكن زوالها على الجانب الآخر سيحرم العالم من ضخ الأموال إلى الشعب الفلسطيني الذي تستولي السلطة على النصيب الأوفى منه.

 

تلك أفكار في أحد الخيارات وهو حل السلطة، فقد أتت السلطة دون اختيار الشعب الفلسطيني، ولا أظن أن حلها يتطلب استشارته، ولكن لا أظن أن رجال السلطة والدول المجاورة سوف يفرطون في مكتسب يصعب تعويضه، قد تضيق به "إسرائيل"، ولكن السلطة تظل في النهاية الرفيق الوديع الذي يؤنس المشروع الصهيوني في مسيرته الجافة خلال العقد المقبل الذي تريد "إسرائيل" أن تغلق فيه الكثير من الملفات في ملحمة الصراع.

 

وأخيرًا، فإن حلَّ السلطة لا يعني تصفية القضية، بل بالعكس قد يؤخر هذه التصفية بعد زوال السنديك الذي يشرف على إدارة التصفية.