بسم الله الرحمن الرحيم
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1).


عاش أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقودًا من المعاناة، في ظل احتلال صهيوني، نهب الأرض، وسفك الدماء بغير حساب، مستعينًا بقوى في الشرق والغرب، تسيّر أموره، وتعينه على تحقيق أهدافه، في ظل ضعف عربي وإسلامي لم تشهده الأمة من قبل.


ولقد عاش الجيل الأول من الآباء والأجداد؛ الذين عاصروا بداية الاحتلال الصهيوني يؤصلون في الأمة حُرمة المقدسات، وحق العودة للأرض، وواجب المقاومة، وبذل الدماء رخيصةً في سبيل الله، وظل المسجد الأقصى خطًا أحمر، كلما اقترب منه العدو الصهيوني بالإيذاء أو الحفر أو الحرق، أو بغير ذلك من صنوف الاعتداء، انتفض المسلمون في فلسطين وخارجها يدافعون عنه، وينصرونه بما استطاعوا.


ولقد شب أطفال الحجارة اليوم وهم يصنعون تاريخًا جديدًا يخطّونه بدمائهم الزكية، قادرين على اختراق كل التحصينات الأمنية الصهيونية، والوصول لحرم الأقصى الشريف، دون أن يهابوا محتلاً ظالمًا.


ونؤكد أنه مهما طال الزمن سيبقى حقهم وحق الأمة في أرض فلسطين كاملةً، وعاصمتها القدس الشريف، وسيظل شباب الأمة مدافعين عن حقهم؛ حتى يزول الاحتلال الصهيوني عن بلادنا، ويتم تحرير كل فلسطين والأقصى وعودة أهلها لها.


إن مسيرة البيارق اليومية التي تحمل أبطال فلسطين، رجالاً ونساءً، كل يوم، من أطراف البلاد إلى المسجد الأقصى؛ لتبقى الصلاة فيه قائمةً، ويظل المسجد عامرًا على مدار اليوم كله برجال مؤمنين، قلوبهم مخلصةٌ لله، وصدورهم عارية أمام بطش الصهاينة، يذودون عن حرمة المسجد، ويمنعون الصهاينة من العبث به..؛ هي الوسيلة الأولى التي نجحت بفضل الله في أن يبقى الأقصى مفتوحًا وعامرًا سنوات طويلة، تدعمها حشود المسلمين في كل الدول، تناصرها وتشد أزرها.


وما كان إغلاق المسجد أمس، ومنع صلاة الجمعة فيه، ومنع رفع الأذان وإقامة الصلوات فيه حتى اليوم - في سابقة هى الأولى منذ عشرات السنين - إلا نتاجًا واضحًا لما تعيشه الدول المسلمة من لحظات فارقة في التاريخ، تستنهض همة الأمة حكامًا وشعوبًا؛ لتخليص المسجد الأقصى من براثن الاحتلال الصهيوني، والوقوف ضد كل ما يحاك من مؤامرات التطبيع وتسليم فلسطين للصهاينة، فيما يقال عنها صفقة القرن.


ولعل في هذه الهبّة ما يجعل الاحتلال الصهيوني وأعوانه يدركون جيدًا أن الشعوب العربية المسلمة ما زالت قلوبها تنبض بحب الأقصى وفدائه، وتكون إيذانًا بإفشال مخططات تمزيق الأمة.


(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (الأنفال: 73).


فهيا بنا جميعًا للعمل على إيقاظ الشعوب، وتوعيتها بما يدبره لها الأعداء، وبما يستنفر طاقة الإيمان والتضحية فيها؛ دفاعًا عن المقدسات؛ فالشعوب المسلحة بالوعي والإيمان والفداء لا تُهزم أبدًا.


(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 21).
والله أكبر ولله الحمد
ولبيك يا أقصى
جماعة الإخوان المسلمين
١٥ يوليو ٢٠١٧م = الموافق ٢١ شوال ١٤٣٨ هـ