"لن تهزموا المسلمين في مصر أبدًا" الجنرال ماكريستال

رسالة من الإخوان المسلمين

 

 

 ظل الغرب يفخر على العالم مدة طويلة بأنه يمثل العالم الحر المتفوق سياسيًّا وحقوقيًّا وأنه صاحب المبادئ وعلى رأسها الديمقراطية التي تجعل السيادة للشعوب وتقر حقها في تقرير مصيرها وحقها في اختيار حكامها عبر انتخابات نزيهة يتم خلالها تداول السلطة، وحق السلطة التشريعية في مراقبة الحكومة، وكذلك يفخر بأنه هو الذي قرر حقوق الإنسان ومن أهمها حقه في الحرية والتعبير والتظاهر، وأنه الذي أسس للمؤسسات الدولية والمنظمات الحقوقية المدنية، والمحاكم العدلية التي تحاكم المعتدين على الشعوب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.. إلى آخر القوائم الطويلة التي يفخرون بها.

 

في الوقت الذي كان الغرب يراعي هذه المبادئ داخل دوله، كانت حكوماته تقوم بقلب أنظمة الحكم في دول العالم الثالث إذا شعرت بأنها تسلك مسلكًا تحرريًّا يتعارض مع مصالحها ولو كان وصولها للحكم جاء بطريقة ديمقراطية صحيحة، مثلما حدث في شيلي، بل لم تتورع من غزو بعض الدول تحت ذرائع باطلة ولو رغم أنف هيئة الأمم المتحدة مثلما حدث مع العراق؛ الأمر الذي أدى لقتل أكثر من مليون شخص وتشريد عدة ملايين وتمزيق الدولة وإثارة حرب طائفية فيها.

 

أما بالنسبة لحقوق الإنسان فما حدث في سجون باجرام وأبو غريب وجوانتنامو، وخطف أشخاص وتعذيبهم في بعض البلاد العربية يقطع بنفاقها في دعواها احترام حقوق الإنسان.

 

ولم تكتف بذلك بل ذهبت تؤيد الحكام الديكتاتوريين الطغاة الذين يسحقون شعوبهم وينهبون ثرواتهم، وتدعم هؤلاء الحكام بالسلاح والعتاد وأدوات التعذيب، وربما بالدعم الاقتصادي على مدى عشرات السنين ما داموا ينفذون أوامرهم وسياستهم.

 

وأخيرًا بدءوا يتساءلون لماذا تكرهنا هذه الشعوب؟ وكأن ما يفعلونه يستحق الحب والشكر من الشعوب، وانفجرت الشعوب بعد أن فاض بها الكيل وأطاحت بحكامها الطغاة، وهنا بدأت حكومات الغرب تعترف بخطئها في تأييد هؤلاء الحكام، وبدأت تنادي بضرورة تطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات، وظننا أنهم استوعبوا الدرس.

 

وشرعنا في مصر نسير في مسار التحول الديمقراطي، وبدا واضحًا أن الإرادة الشعبية تميل في الانتخابات كافة إلى تأييد الإسلاميين ومنهجهم الإسلامي، وأن أصدقاء الغرب يفشلون في كل انتخاب وأن الرئيس الشرعي المنتخب يسلك مسلكًا تحرريًّا فيستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطعام والدواء والسلاح، ويوطد علاقات مصر الدولية مع كثير من دول العالم ويسعى لتنفيذ مشروعات اقتصادية قومية عملاقة ولجذب استثمارات ضخمة من كل أطراف العالم، وهذه كلها ضد مصالح حكومات الغرب وأمريكا على رأسها وضد هيمنتها، فالإسلام والتحرر والاستغناء والعلاقات الواسعة يكرهها الغرب وأمريكا، حتى قال أوباما: إن مصر لم تعد حليفًا لأمريكا، ومن ثمّ عادت حكومات الغرب تحاول تغيير النظام، وأنفقت أمريكا مئات الملايين من الجنيهات من أجل إجهاض النظام والثورة حسب ما قالته الوزيرة فايزة أبو النجا وزيرة الاستثمار الدولي في تحقيقات قضية التمويل الأجنبي، إضافة إلى مليارات أنفقتها بعض الدول العربية الخائفة من الديمقراطية تحت سمع وبصر الغرب ومباركته.

 

سعى أتباع الغرب من السياسيين المصريين الفاشلين في كل الانتخابات لإفشال الرئيس المنتخب ونظامه الجديد، ووأد التجربة الديمقراطية الوليدة باستخدام المال والبلطجية في إثارة الفوضى والتخريب وتآمرت معهم الدولة العميقة وعلى رأسها وزارة الداخلية، وأبدى كثيرون من السلطة القضائية رفضهم للنظام الجديد ودعمهم الفلول ورجال أعمال نظام مبارك والإعلام الذي يملكه رجال الأعمال، إضافةً لتعطيل مصالح الناس الحياتية؛ الأمر الذي دفع عددًا من الجماهير للسخط على النظام، في ظل هذا المناخ بدأ رؤساء وسفراء عدد كبير من دول الغرب يضغطون على الرئيس الشرعي المنتخب كي يتخلى عن صلاحياته الدستورية لرئيس وزراء (حددوه بالإسم) ويبقى هو رئيسا شرفيا، وذلك ليجهضوا مشروعه التحرري والاستقلالي بطريقة ناعمة فلما رفض، بدأ تحريض الجيش على التدخل لعزل الرئيس وإنهاء النظام، وتمت مقابلات بين قادة الجيش وعدد من السياسيين، وراح بعضهم يروِّج في الغرب لقبول انقلاب عسكري، وتم التخطيط لهذا الانقلاب بأن يخرج المعارضين لنظام الحكم في تظاهرة شعبية يتلوها عزل الرئيس واختطافه وإخفاؤه وتعطيل الدستور وتعيين رئيس مؤقت وإغلاق قنوات مؤيدة للرئيس وشن حملة اعتقالات واسعة لقادة الإخوان المسلمين وقادة أحزاب مؤيدة للرئيس، وعلى الفور قام الاتحاد الإفريقي بتعليق عضوية مصر لانقلاب العسكر على الديمقراطية، وللأسف وقفت حكومات أمريكا والاتحاد الأوروبي موقفًا مائعًا تحت دعوى أنهم لا يدرون هل ما حدث في مصر انقلاب عسكري أم لا؟ وحتى الآن وبعد أن قام وزير الدفاع بتعيين الرئيس المؤقت وتعطيل الدستور والقيام بمذابح رهيبة قتل فيها خمسة آلاف مواطن مصري وأصاب فيها أكثر من عشرة آلاف واعتقل عشرة آلاف وفرض حالة الطوارئ وحظر التجول.. إلى آخر أعمال القمع والإرهاب، وأصبحت وزارة الدفاع هي التي تأمر كل الوزارات والمؤسسات الدينية (الأزهر والكنيسة) وأجهزة الإعلام بما ينبغي عليها فعله، لا تزال هذه الدول تزعم أنها لا تعلم أن ما قام في مصر انقلاب عسكري، وهذا قمة النفاق الذي يتناقض مع كل ما يفتخر به العالم الغربي، ويثبت أن إفريقيا أكثر استقامةً وأشد تمسكًا بالمبادئ من أولئك المنافقين، والغريب أن الرأي العام الشعبي والإعلام والمؤسسات العلمية والبحثية في الغرب تقطع بأن ما حدث إنما هو انقلاب عسكري ديكتاتوري دموي.

 

والأغرب من هذا كله أن سفراء كثير من هذه الدول ومسئولين كبارًا في وزارة الخارجية من هذه الدول أتوا إلى مصر في محاولات مستميتة لإقناع قادة التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب بالكف عن التظاهر وفض الاعتصامات وقبول الأمر الواقع والتعامل مع الانقلابيين الفاشيين القتلة، ضاربين عرض الحائط بكل المبادئ وحقوق الإنسان التي صدعوا رءوسنا وهم يفتخرون بها ويتعالون على كل دول العالم.

 

إن المصريين ما زالوا يذكرون الخطبة البليغة التي ألقاها الرئيس أوباما في جامعة القاهرة يعد فيها بتحسين العلاقة مع العالم الإسلامي ويدعو للتمسك بمبادئ الديمقراطية وأنهم سوف يدعمون التحول الديمقراطي ويؤيدونه، واليوم يتخلون عن هذه الدعوة ويتنكرون لهذه الوعود وينحازون للديكتاتورية ويتعاونون مع الانقلابيين القتلة.

 

هل يحق لهم بعد ذلك أن يسألوا لماذا تكرهوننا؟

وإذا كانوا يدعمون العسكر، فهل يمكن للعسكر أن يقيموا نظامًا ديمقراطيًّا؟

إذًا فهم يدعمون الديكتاتورية في الوقت الذي يبشرون فيه بالديمقراطية، وهذا هو النفاق بعينه.

 

ثم هل بعدما سار المصريون في طريق التحول الديمقراطي وأجروا انتخابات واستفتاءات شهد لها العالم كله بالنزاهة والشفافية وأتت برئيس ودستور وبرلمان ثم سحقها العسكر تحت جنازير الدبابات، هل يمكن بعد ذلك أن يثق المصريون في أية عملية ديمقراطية، وإذا فعل أفلا يمكن أن يسحق العملية الجديدة عسكري آخر ما دام يملك الدبابات والمدافع، وهكذا دواليك.

 

ونورد هنا حوارًا قصيرًا مع الجنرال ماكريستال قائد القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق الأسبق؛ حيث قال "إن أوباما أقالني من الجيش لأني قلت رأيًا، واعتبر ذلك تدخلاً من قائد عسكري في شئون السياسة، وهو اليوم يساند الجنرال السيسي في انقلابه على نظام حكم منتخب وشرعي وأضاف لصحيفة "يو إس آي توداي": هل يقبل المواطن الأمريكي أن يقوم وزير الدفاع باعتقال أوباما واعتقال أعضاء حزبه، وقتل وحرق وسحق من يعتصم تأييدًا له، وحل مجلس الشيوخ والكونجرس، ووضع دستور ومجلس دون انتخابات، هل يعقل هذا؟ هذا بالضبط ما تدعمه حكومتنا في مصر، وهذا ما يجب أن نوضحه للمواطن الأمريكي، شعب مصر لا يريد إلا أن يعيش مثلكم في أمريكا.

 

وتساءل ماكريستال: لماذا نحارب الديمقراطيات ولا نسمح لها أن تقوم؟ لقد قتلنا الآلاف من الأفغان ولكني توقفت وقلت: إننا لن ننتصر على المسلمين هناك أبدًا، وهذا ما دفعهم لإقالتي، وحتى الآن لا يزال الوضع كما تركته، وثبت صدق ما قلت، ومن واقع خبرتي أقول لأوباما: لقد اخترت الحصان الخاسر في مصر، المسلمون لديهم عقيدة ودين يؤمنون به ويدافعون عنه ولن يستسلموا، ولن تهزموا المسلمين في مصر أبدًا".

 

ولا يحسبن أحد أننا نريد الغرب أن يقف معنا أو يدعمنا؛ فنحن نرفض أي تدخل أجنبي في شئون بلدنا، كما أننا نسعى للاستقلال والتحرر من أي هيمنة أجنبية، ولكن ما نريده أن تقف الحكومات الغربية موقفًا يتسق مع ما يعلنونه من مبادئ، وألا يدعم الديكتاتوريات مثلما فعل كثيرًا وطويلاً حتى لا يسأل بعد ذلك لما تكرهوننا؟

 

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

القاهرة في: 15 من ذي الحجة 1434هـ الموافق 20 من أكتوبر 2013م