التخطيط والتحصين والإصلاح للأبناء

الأب هو أهم شخصية في أمة الإسلام باعتبار أن الأسرة هي وحدة بناء الأمة، وإذا كان الأب هو: راسم طريق المستقبل، ومخطط برنامج التألق، وعالم التقدم والاختراع، هو مذلل عقبات الطريق، ومقيل عثرة السائر، وحامي درب النجاح، هو مفجر التنمية البشرية، وصانع النهضة الاقتصادية، وراعي التربية الأخلاقية، هو مسعد القلوب، ومجفف الدموع، ومخفف الكروب، هو حامل الراية، والموصل للغاية، وواقي الأهل من نارٍ وقودها الناس والحجارة.

 

فهيا نتجول في أعظم كتاب وننهل من أعظم منهج لنتعرف على أدوار الأب الناجح: التخطيط لمستقبل الأبناء:

 

الأب الناجح يحرص على التخطيط لأبنائه بمستهدفات عالية طموحة تصل إلى تحقيق الريادة والقيادة ويحرص كذلك على نجاح التخطيط:

 

فالأب الناجح يسعى دوماً لنجاح رسالة التربية وتحقق أهدافها في أبنائه فتقر عينه ويحرص على أن تصل التربية إلى مبتغاها الطموح الراقي وهو الريادة والقيادة ؛ وهذا ما ذكره الله تعالى في صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) (الفرقان).

 

والإنسان يصبح قرير العين مسرور النفس هنيء البال، حينما يرى ما خططه لأبنائه قد تحقق في أرض الواقع (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ )، والمستهدف هنا طموح وعالٍ ليس مجرد قيادة لأي مجموعة من الناس بل القيادة لأعلى فئات الناس: المتقين: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

 

وسيدنا إبراهيم عليه السلام بروح الأب الذي يحب الخير لذريته يطلب لهم الإمامة حينما أكرمه الله تعالى بها: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)) (البقرة).

 

وهنا نتعلم درسًا تربويًّا مهمًّا عندما يخبر الله تعالى سيدنا إبراهيم ويعلمه أن الإمامة تحتاج إعدادًا تربويًّا عاليًّا وتربية الفرد على العدل وتحقيقه بين الناس، ولا تمنح للظالم منهم وكم من أسرة ربت أبناءها على الظلم بسوء التربية وعدم العدل بين الأبناء فتكون النتيجة الحرمان من الإمامة؛ لذا وجب حسن التخطيط وبذل الجهد وحسن الإعداد والمتابعة حتى تؤتي التربية أكلها وتحقق أهدافها بتربية جيل من الرواد والقادة الذين تقربهم عيون الآباء وتشمخ بهم خير أمة أخرجت للناس، وهذا يحتاج إلى إعداد آباء وأمهات من نوعية خاصة قادرة على حسن التربية بالتخطيط والإعداد والتميز التربوي وبذل الجهد والمتابعة حتى يتحقق الهدف المنشود.

 

حماية الذرية من الشيطان:

المربي الواعي يسعى لحماية ذريته من الشيطان الرجيم الذي يسعى لاحتناك الذرية والسيطرة عليها إلا القليل المحصن: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62)) (الإسراء)، والله تعالى يعلمنا تحصين أبنائنا من سلوك الأم الرائعة التي تحصن أبناءها وذريتها من الشيطان الرجيم: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)) (آل عمران).

 

الأب الناجح منشغل بإصلاح الذرية على الدوام:

ولأن الإنسان بطبيعته خطاء ويبتلى برغبات النفس الأمارة بالسوء ووسوسة الشيطان الرجيم وتأثير قرناء السوء فيعتريه الخلل والمعصية والانحراف؛ لذا وجب دوام إصلاحه من المربي الواعي ببذل الجهد التربوي وبالاستعانة بالله تعالى.. يقول الله تعالى في سورة الأحقاف: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)) (الأحقاف).

 

والمربي الواعي يجب أن يكون واقعيًّا ولا يتوقع أنه يربي جيلاً من الملائكة الأطهار الأبرياء، ولكن خلال مشوار التربية سيجد الخلل الذي يحتاج إلى تقويم وسيجد العيب الذي يحتاج إلى إصلاح؛ لذا فالتربية تنقسم إلى عمليتين كبيرتين: عملية تحلية بغرس القيم الصالحة والسلوكيات الحسنة وعملية تخلية بترك وتنحية السلوكيات السيئة؛ لذا فهي عملية إصلاح مستمر ينشغل الأب بها في سلوكه ووسائله التربوية، وكذلك في دعائه واستعانته بربه (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي).

 

نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا في تخطيطنا وتحصيننا وإصلاحنا لأبنائنا وذرياتنا، ونسأله تعالى التوفيق لكل أب في أداء رسالته حتى يصبح أبًا قرآنيًّا وعاملاً من عوامل نجاح خير أمة أخرجت للناس اللهم آمين.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى