يفرح المؤمنون بالعيد وتغمرهم السعادة، على الرغم مما قد يكون أصابهم من آلام وجراح، فهم يعلمون أن الحياة كلها تعب، فالله تعالى يقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد: 4)، وقد جرَّب الناس ذلك؛ فقال شاعرهم أبو العلاء المعري:

تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْـجَبُ ... إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو في أشد محنته: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.

 

ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ومنهم زاهر الأشجعي رضي الله عنه الذي كان يقول عنه: إن زاهرًا باديتنا ونحن حاضروه، وكان يحبه وكان رجلاً دميمًا فأتاه النبي يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: من هذا؟ أرسلني فالتفت، فعرف النبي، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي حين عرفه، فجعل النبي يقول: من يشتري هذا العبد ؟ فقال: يا رسول الله! إذا والله تجدني كاسدًا. فقال النبي: لكن عند الله لست بكاسد. أو قال: أنت عند الله غال.

 

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إني لأستجمُّ لقلبي بالشيء من اللهو، ليكون أقوى لي على الحق.

 

ومن الطرف التي تُروى أنه حكي أن متلاحيين (متخاصمين) حضرا على مائدة بعض الرؤساء، فقُدِّم لهما رطبٌ، فجعل أحدهما كلما أكل جعل النوى بين يدي الآخر حتى اجتمع بين يديه ما ليس بين يدي أحد من الحاضرين مثله؛ فالتفت الأول إلى رب المنزل، وقال: ألا ترى يا سيدنا ما أكثر أكل فلان الرطب؟! فإن بين يديه من النوى ما يفضل به الجماعة، فالتفت إليه صاحبه، وقال: أما أنا أصلحك الله فقد أكلت كما قال رطبًا كثيرًا، ولكن هذا الأحمق قد أكل الرطب بنواه، فضحك الجماعة وخجل المُشنِّع.

 

وأعد الحجاج مائدة في يوم عيد, فكان من بين الجالسين أعرابي، فأراد الحجاج أن يتلاطف معه فانتظر حتى شمر الناس للأكل، وقال: من أكل من هذا ضربت عنقه، فظل الأعرابي ينظر للحجاج مرة وللطعام مرة أخرى، ثم قال: أوصيك بأولادي خيرًا، وظل يأكل، فضحك الحجاج وأمر بأن يكافأ.

 

ونظر طفيلي إلى قوم سائرين فظن أنهم ذاهبون إلى وليمة فتبعهم فإذا هم شعراء قصدوا الأمير بمدائح لهم، فلما أنشد كل واحد قصيدته في حضرة الأمير لم يبقَ إلا الطفيلي، فقال له الأمير: أنشد شعرك، قال: لست بشاعر قال الأمير: فمن أنت قال الطفيلي: من الغاوين الذين قال الله فيهم: (والشعراء يتبعهم الغاوون)، فضحك الأمير وأمر له بجائزة.
ودعا رجل أشعب إلى طعام، فقال له أشعب: أنا خبير بكثرة جموعك. قال الرجل: لا أدعو أحدًا، فجاء إذ طلع صبي، فقال أشعب: أين الشرط؟ قال: يا أبا العلاء! هو ابني، وفيه عشر خصال: أحدها أنه لم يأكل مع ضيف. قال أشعب: كفى، التسع لك. أدخله.

 

وأخيرًا، قيل: لم يكن أطمع من أشعب إلا كلبه، رأى صورة القمر في البئر فظنه رغيفًا، فألقى نفسه في البئر يطلبه، فمات.