وإن كنت أحبه وأقدره إلا أنني لا أعني بالبطل هنا الرئيس محمد مرسي؛ الذي أعلن قبيل الاستفتاء على الدستور أنه سيمضي بالسفينة قدمًا للأمام ولن نعود للخلف.

 

وإنما أعني بالبطل ذلك الشعب المصري العظيم الذي أحاطه الله تعالى بعنايته ورعايته، وحفظ له ثورته المجيدة في 25 يناير بأرواح الشهداء الأبرار ودماء الجرحى الأحرار.

 

ذلك الشعب البطل الذي تحمَّل الكثير من الآلام والمؤامرات التي حاولت إجهاض الثورة والالتفاف عليها حتى وصل الأمر بأبناء الشعب البررة أن يهتفوا في لحظات حرجة اختلط فيها الحابل بالنابل: "يا دي الذل ويا دي العار.. الفلول عاملين ثوار"، بعد أن أصبح "حسين" الشهير هو الذي يرد باسم الثوار.

 

لقد رفض الشعب أن يتحدث أحد نيابةً عنه بعد أن سمع شرذمةً تهتف: "الشعب يريد إسقاط النظام المنتخب مباشرة بإرادة حرة"، فتحدث الشعب المعلم بنفسه، ونزلت ملايينه في طوابير الاستفتاء الممتدة لتمنح لنفسها دستورًا تفخر به الأجيال القادمة.

 

إن جماهير أمتنا قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها متحضرة كل التحضر؛ حيث لم ترهبها دعوات المقاطعة أو التخويف من النزول إلى الاستفتاء، وأصرَّت على الذهاب للصندوق وقالت كلمتها، وهذا ما يعكس معدن المصريين الأصيل الذي يظهر في وقت الشدة.

 

وبإقراره للدستور الجديد أعلن الشعب انتهاء مرحلة الثورة والانتقال إلى مرحلة الدولة التي قاربت مؤسساتها على الاكتمال بعد انتخاب رئيس الجمهورية، ووضع الدستور واستلام مجلس الشورى لمهمة التشريع.

 

وسوف يتم استكمال بقية المؤسسات عن قريب- إن شاء الله تعالى- بدءًا من مجلس النواب ثم حكومة منتخبة بواسطة ممثلي الشعب ووصولاً إلى المجالس المحلية.

 

ولا يسع المنصفين في هذا المقام إلا أن ينحنوا احترامًا وتقديرًا للشعب البطل الذي أنهى في وقت قياسي- مقارنةً بالثورات الشعبية على مدى التاريخ- تلك المرحلة الانتقالية التي تحولت في أحيان كثيرة إلى انتقامية؛ كان آخر مظاهرها وصف الشعب بالجهل والتخلف من بعض الصغار الذين افتقدوا التربية المصرية الأصيلة.

 

ونتوجه بالتحية للقضاة الشرفاء الذين أشرفوا على الاستفتاء، وتحملوا أذى كثيرًا، وأثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله، وعلى رأس هؤلاء النائب محمود مكي، رمز تيار الاستقلال الحقيقي؛ الذي ضرب أروع الأمثلة في الترفع عن المناصب والعمل المخلص الدءوب لصالح الوطن، وإننا لعلى ثقة بأن العملة الجيدة ستطرد- لا محالة- العملة الرديئة وسيطهر القضاء المصري النزيه نفسه بنفسه في القريب العاجل.

 

كما نتوجه بالتحية لرجال قواتنا المسلحة البواسل الذين أمَّنوا لجان الانتخابات بكل رجولة وشرف، ثم عادوا لثكناتهم مرفوعي الرأس بعد أن أدوا واجبهم النبيل، كما نشكر شرفاء الشرطة الذين عادوا للقيام بواجبهم وننتظر منهم المزيد حماية لأمن المواطنين.

 

وتحيةً واجبة لرجال ونساء الجمعية التأسيسية الذين واصلوا الليل بالنهار على مدى يقارب الستة أشهر دون أن ينتظروا جزاءً ولا شكورًا إلا رضا الله تعالى والعمل من أجل صالح الوطن الحبيب.

 

يا شعب مصر العظيم.. إن هذه الملحمة العظيمة من تاريخك والتي بدأت منذ 25 يناير لتدعوك إلى إكمال سيرك إلى الأمام لتحقيق نهضتك المنشودة؛ لتتبوأ مكانتك اللائقة بين الأمم، ولن يكون ذلك إلا بالعمل والإنتاج والتسلح بالعلم والمعرفة، فلتتقدم إلى الأمام يرعاك الله وينصرك.