شاء الله أن أتزوج منذ عام وثلاثة أشهر ورزقني الله بطفل جميل، بارك الله لنا فيه، ولكن في خلال هذه الفترة من الزواج طلبت زوجتي مني الطلاق حوالي 20 مرة، والله لست مبالغًا، وفي كل مرة كانت تذهب لبيت أهلها وتجلس عندهم بالعشرين يومًا أو على الأقل أسبوعًا أو أسبوعين، معللةً ذلك في معظم المرات بأنني كثير المزاح مع أخواتي البنات وهي تقول: إنها تغار علي، ولكن بعض تصرفاتها أشعرتني أن هناك أمرًا آخر في حياتها، فلو نادتني أختي مثلاً وقلت: نعم يا حبيبتي تغضب وأحيانًا تطلب الطلاق ولو جلسنا معًا أمام التلفاز راقبتني بشدة قائلة: لماذا تنظر إلى المذيعة؟! ولو خرجنا تتهمني بالنظر إلى النساء اللاتي  بالشارع قائلةً: هل هن أجمل مني؟! وقس على ذلك أمورًا كثيرة.

 

لقد حولت حياتنا إلى جحيم ولم أجد من عند أهلها رادعًا لما تفعله وأوصلتني أفعالها هذه وطلبها المتكرر لأمر الطلاق أن أقول لها: أنت طالق، والله إني في حيرة من أمري وأدعو الله كثيرًا، وظني في الله جميل وأرجو منكم بعد الله أن تكونوا عونًا لي في حل مشكلتي هذه، وجزاكم الله خيرًا؟

 

• تجيب عليه الداعية سمية رمضان أحمد:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه وحده نستعين ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى..

 

كارثة حقيقية لمن يحصل على رخصة قيادة السيارة بالواسطة وهو لم يتعلم القيادة، ولنتخيل أول يوم يجلس فيه خلف مقود السيارة ولم يركبها من قبل، ماذا سيحدث له وللناس وللشارع وكذلك من يتزوج أو تتزوج ولا يريدون تطبيق أي من أسباب السعادة الزوجية فهم من الأصل لم يتعلموها وتصوروا أن الزواج حديقة غناء سيمرحون فيها وحتى الحديقة لن تحتاج منهما أدنى مجهود من ري وإزالة أعشاب ضارة وزراعة الأشجار المثمرة ورعايتها، فتكون نظرتهم مثالية بعيدة عن الواقع الذين يعيشون فيه فيساقون بتصرفاتهم إلى دوامة لا يستطيعون منها فكاكًا.

 

هذا ما حضرني عندما قرأت مشكلة محمد..

 

نبدأ من البداية فالزواج شرعه سبحانه للسكن للطرفين مصحوب بالمودة والرحمة بينهما، وهذه أواصر إن فعلها الزوجين فرابطة لا يمكن انفصامها، ولنتأمل كلمات الله سبحانه (خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بيتكم مودة ورحمة) فالمودة والرحمة جعلها سبحانه وتعالى بين الزوجين وما عليها ألا تفعليها والاستفادة منها لتحقيق السكينة والتي ستغلف البيت بسعادة نهايتها رضا الخالق والأبدية كأزواج في جنة الخلد هما يخلقان مشاكل من غير مشكل بسبب عدم الدراية باساسيات الحياة الزوجية ألف باء سعادة، فالزوجة تطلب الطلاق مرارًا وتكرارًا ولو علمت بحديث رسول الله واستوعبته ما طلبت، أنا أحسبها يا محمد أنها تحب الله ورسوله فماذا قال لها صلوات الله عليه لمن مثلها "أيما امرأة سألت الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة" (رواه ابو داود والترمذي وحسنه إبن ماجه).

 

وأسباب طلب المرأة من زوجها الطلاق موجودة بكتب العلم ولم أرَ هذه الأسباب ما ذكرت ولتعميم الفائدة سأنقل حرفيًّا هذه الأسباب المذكورة في أحد كتب العلم والحالات التي يجوز للمرأة طلب الطلاق فيها هي:

 

- أن تكره خلق الزوج أو خلقه وتبغضه بحيث لا تطيق العيش معه، وإن كان صالحًا في دينه ويكون في نظرها بمنزلة المحارم فيحل لها طلب الطلاق منه فإن فعل إحسانًا منه كان طلاقًا وإن طالبها العوض كان ذلك خلعًا لحديث ابن عباس رضى الله عنهما "إن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت نعم، قال صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" (رواه البخاري).

 

- أن تكره دين الزوج ويكون في بقائها معه ضرر في دينها؛ بحيث يكون الرجل فاسقًا لا يؤدي الفرائض أو يتعاطى المسكرات أو يعرف بفعل الفواحش أو يأمرها بالتبرج وفعل المنكرات، ونحو ذلك من الكبائر الخطيرة فتحاول وتسعى في إصلاحه وإن لم يصلح فيحق لها طلب الطلاق منه وقد يجب حفظًا لدينها، فإن امتنع رفعت أمره للحاكم ليفسخها منه؛ لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" (رواه ابن ماجة).

 

- أن يكون في عيشها معه ضرر عليها من الناحية الجسدية أو النفسية؛ كأن يكون ظالمًا يعتدي عليها بالضرب والسب والشتم ولا يقيم لها أي حرمة أو يؤذيها نفسيًّا بالإهانة والتعنيف ويعاملها معاملة العبيد ويكون ذلك سلوكًا دائمًا منه فتنصحه وتعظه وتحاول استصلاحه وتستعين بأهل الفضل؛ فإن صلح فالحمد لله وإن لم يصلح طلبت الطلاق منه وتخلصت من شره.

 

- أن يترك القيام بحقوقها الواجبة، كأن يكون بخيلاً مقترًا عليها في النفقة أو يمنعها النفقة بالكلية لإعسار أو غيره، أو يكون تاركًا لوطئها بالكلية مما يلحق الضرر بها ويعرضها للفساد أو لا يهيئ لها سكنًا صالحًا لمثلها عرفًا أو يهجرها ويترك المبيت عندها لغير سبب موجب، فتطالبه بحقوقها وتخوفه الله فإن لم يؤتها حقوقها أو لم يصالحها جاز لها طلب الطلاق لفوات حقوقها.

 

أما ما سوى ذلك من الأحوال والهفوات التي تقع غالبًا بين الزوجين في الحياة اليومية من خصومة ونوع غم وكدر واختلاف في الرأي وجفاء في علاقة الأهل أو نقص في المودة والمحبة؛ فلا يحل للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها؛ لأن البيوت غالبًا قائمة على المروءة وحسن العشرة، لا المحبة كما حكاه الشافعي، ولأن الحياة الزوجية لا تسلم غالبًا من المنغصات والمكدرات حتى في بيت النبوة والصحابة.

 

أما ذهابها إلى بيت أهلها بالأسابيع فهي بالتأكيد لم تتعلم مما حفظت من كتاب الله وليتها فعلت لفازت فوزًا عظيمًا ولتقرأ قلوبنا قبل أعيننا.. (وَإِنْ خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من اهله وحكمًا من أاهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا حكيمًا).

 

ومعنى ذلك أنه في حال الخلاف بين الزوجين لا تترك أبدًا المرأة بيت الزوجية بسبب ذلك، وفي حالات الضرورة وعمق المشكلة التي من الممكن أن تؤدي إلى فراق قال تعالى: "فابعثوا"؛ أي لا تترك هي بيت الزوجية، ولكن المصلحين من الطرفين هم من يذهبون إلى البيت، وهذا هو التحرك بآيات الله التي أمرنا بها القرآن، أي حفظ كتاب الله مع ترديده في تنفيذه، هذا بالنسبة لزوجك الكريم والتي أنا على ثقة ويقين برحمة الله، وأن مجرد تعليمها ومعرفتها ستتراجع عن الكثير من التصرفات، هذا بالنسبة لزوجتك.

 

أما ما أريد قوله لك، فالمرأة كما تعلم ابتليت بالغيرة والرجل ابتلي بالجهاد، ولذا على الزوج الحكيم أن يراعي هذا الأمر تمامًا إن لم يكن رحمة بزوجته فليكن من أجل العشرة الطيبة.

 

زوجتك طلبت ما تستطيع بسهولة فعله، فإن كان يضايقها قولك لأختك حبيبتي ماذا فيها إن لم تقل ذلك فهذا لن يؤثر على الإطلاق في صلتك الطيبة بأخواتك، وتكون قد جبرت خاطر زوجتك وأسعدتها، وكذلك المذيعات لماذا أصلاً تسمح لنفسك أن تنظر لامرأة سافرة تثير بها غيرة زوجتك وتشقي نفسك وتتسبب في خراب بيتك، فالمذيعة السافرة التي ينظر إليها ملتزم أمر من أمرين: إما أن يغض بصره طوال الوقت أو يقع في النظرة الثانية والثالثة، ومن هنا تبدأ خطوات الشيطان؛ فلماذا لا تفتحون قنوات فيها رجال لنشرات الإخبار أو على الأقل امرأة محجبة؟ وهل تتصور أن هذا الأمر وهو إمعان النظر من الرجل الملتزم لامرأة سافرة وقد اعتاد عليه الناس أمر عادي؟ بالطبع تركيز البصر على امرأة متزينة مما نهى عنه الشرع.

 

فعليك أن تجد لهذا الأمر الذي فيه خراب البيوت حلاًّ مرضيًا لله ورسوله، ثم النساء في الشارع، فلا أتصور أن زوجتك من الجنون بحيث لا تريدك أن تسير في الشارع ولكنها تريدك أن تغض البصر، وهذا حق لنفسك بين يدي الله وحق زوجتك وجق المرأة الأخرى؛ لذلك الرجل عصمه الله بعين يمكن غضها وبزوجة تعينه على ذلك إن حاول الشيطان أن يزين له أمرًا ثم تقول إنك قلت لها أنت طالق من تكرار طلبها ذلك، أفلم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وقد اوصانا صلى الله عليه وسلم عندما كرر لك ولأمثالك: "لا تغضب لا تغضب لا تغضب"؟!

 

عمومًا لعلها الطلقة الأولي ولعل الله يخرجكما أنت وزوجك من غفلتكما وتردان إلى رحابة تطبيق القرآن ردًّا كريمًا، لا أنصحك أبدًا بطلاق زوجتك، وهي تحاول مع نفسها، وأنت تحاول مع نفسك إخضاع التعاملات لما يحب الله ويرضى.

 

تحياتي لطفلكما الجميل ودعائي له بأبوين يشملانه بالرعاية والحب؛ ليصبح بإذن الله من جنود فتح المسجد الأقصى.