سمر- السعودية:


السلام عليكم ورحمة الله


زوجي يريد أن يتزوج أخرى، ويقول إنه لا عيب بي، بل يرتاح معي. وعندنا 3 أولاد، لكنه يريد التغيير الذي سيعود بالنفع على وعليه، كما يقول هو.. ماذا أفعل؟

يجيب عليها عكاشة عباد الاستشاري الاجتماعي والأسري في (إخوان أون لاين).

الأخت الفاضلة/ سمر..

السلام عليكِ ورحمة الله.

سؤالك هذا لا يحتاج إلى إجابة عاطفية تدغدغ المشاعر وترقق الدمع، بل يحتاج إلى إجابة شرعية وعقلية في وقت واحد. والسبب أن مسألة التعدد أصبحت من المسائل التي تزعج النساء والرجال رغم ذكرها في القرآن الكريم؛ لذلك أقول لك:

زوجك يقول إنه لا عيب بك، بل يرتاح  معك؛ فلا شك أننا نصدق زوجك فيما قال نحوك؛ فالأصل في المسلم الصدق، ولا ينبغي لنا أن نحمله على خلاف ذلك؛ لأن الله عز وجل نهانا عن إساءة الظن فقال: (يَا أَيُّهَا الْذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كُثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (سورة الحجرات).


وليس زواجه بأخرى بمخالف لما قاله لك؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحب عائشة رضي الله عنها، واشتهر هذا عند صحابته صلى الله عليه وسلم، وعرف هذا القاصي والداني، ومع ذلك تزوج عليها صلى الله عليه وسلم. وليس هذا مخالفًا لإخباره بأنه كان يحب عائشة، وأن أحب الناس إليه عائشة.

ونظن أن زوجك من هذا القبيل ومن هذا النوع؛ يحبك لا شك ولا ريب، لكن ربما رأى في نفسه حاجة إلى الزواج بأخرى.

والله عز وجل -أيتها الأخت- شرع التعدد لمصالح وحِكَم يعلمها هو سبحانه وتعالى.

ومما لا شك فيه أن معظم النساء تكره أو ترفض أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى. وهذا ليس موقفكِ أنتِ وحدكِ، بل موقف السواد الأعظم من نساء الدنيا؛ لذلك نجد أن معظم النساء يكرهن ولو مجرد ذكر كلمة التعدد، رغم أنها من شرع الله. وهن يعرفن ذلك قطعًا، ورغم أن التعدد في صالح المرأة قبل أن يكون في صالح الرجل؛ فالمرأة هي المستفيدة الأولى من سنة التعدد، ومع ذلك لا تطيقه ولا تحب سماعه. وهذا من أعجب العجب، ومن أغرب الغرائب.

وأنا قطعًا معك ومقدرٌ ظروفَكِ، وأحس بما تمرين به الآن من أزمة نفسية، إلا أنني أرى أن وقت الرفض قد فات؛ لأن القضية يبدو أنها محسومة في ذهن زوجك.

أما غيرتك فإنها مبررة، وأسبابها معروفة؛ فهذه جبلَّة وفطرة فطر الله عز وجل عليها النساء. وقد غارت مَن هي خير منكِ؛ فقد كانت عائشة رضي الله عنها تغار مع علمها بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، ومع ذلك غارت من ضرائرها؛ فالغيرة أمر فطري لا نطالبك بأن تتبرئي منه وتتنزهي عنه، لكنا نطالبك بأن تحكمي هذه الغيرة فلا تجعليها حاكمةً على تصرفاتك؛ وذلك بألا تفعلي ما حرَّم الله عز وجل عليكِ.

ومما يُذهِب عنك بعض هذه الغيرة -أيتها الأخت- تذكُّركِ على الدوام أن التعدُّد شرع الله تعالى، وأن الله عز وجل شرعه لمصلحة الخلق؛ منها مصالح للزوج ومنها مصالح للنسوة أيضًا؛ فإن النساء من مصالحهنَّ التعدُّد الذي شرعه الله تعالى، ولا شك ولا ريب أنك تدركين أنه لولا التعدُّد لبقيتْ نساء كثيرات بلا زواج.

ومن عادة الإنسان المؤمن أنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ فتذكُّركِ هذا المعنى العظيم -وهو أن الله عز وجل شرع هذا وأباحه لمصالح وحِكَم عظيمة- مما يُذهب من نفسك بعض هذه الغيرة.
احذري احذري شياطين الإنس والجن في هذا الأمر؛ إذ سيسعون إلى خراب البيت وتدمير الأسرة بأقوالهم المعسولة ونصائحهم المسمومة، مثل: "بعد هذا العمر وتلك التضحيات هيجوز عليك؟!"، و"إنت ناقص فيك حاجة؟! هذا رجل خائن للعشرة لا يجوز العيش معه"... إلخ.
اعلمي برغم ما قدمتِه من تضحيات زوجك وبيتك، أقول لك، ويعلم الله مدى صدقي في نصحك: دعي موقف المعارضة وانتقلي إلى موقع آخر يساعدكِ على الاحتفاظ بمكانتك ولا تفقدي معه منزلتك في قلب زوجك. الآن قد خرج من يدك، وأنتِ لديك النصيب الأوفر من الفرص في أن تظلي على رأس الهرم وسلم الأولويات؛ لأنك الأصل والحبيب الأول، وأم الأولاد. والعشرة القديمة لا بد أنها قد تأصلت في نفس زوجك، ولا يمكن نسيانها بسهولة؛ لذا أرى أن تقبلي بهذا الواقع، وفي الوقت نفسه تحافظي على مستوى اهتمامك بنفسك وبزوجك بل وتزيدي في ذلك. ولا يدفعك الحزن أو الهم إلى إهمال التزين والاستعداد لاستقبال زوجك؛ لأن هذا من أخطر ما يهدد مركزك ويضعفه. وهنا ستكون الفرص سانحة للتخلص منك.

فلو ظللتِ دائمًا على مستوى من الاستعداد والأناقة والنظافة وحسن العشرة، فلو تزوج زوجك كل يوم زوجة ستظلين أنت فوق الكل، وتاجًا على رأس الجميع. ولا تنسَيْ أنك صاحبة الأرض؛ فلا يغلبك الفريق الغريب، وعليك بالدعاء؛ فإنه مفتاح كل شيء.

وأدعوكِ -أختي الفاضلة- إلى التأمل والتفكر في عظيم نعم الله عليكِ؛ فقد منَّ الله عليك بنعمة العافية والذرية والإيمان والأمن؛ فانظري إلى الحياة نظرة متفائلة؛ فليست الدنيا نكاحًا فحسب، بل ستجدين السلوى والأنس في عبادة الله، وفي بذل الخير للناس، وفي تربية الأبناء التي أنت مسئولة عنهم أمام الله، تربية صالحة ومستقرة؛ فانظري إليهم وتابعيهم في سني حياتهم. هذا سوف يُنسيك كل حيرة وعذاب. نسأل الله عز وجل أن تقرَّ بهم عينك.

فاحمدي الله على نعمة الأبناء ونعمة العافية، واجتهدي في كسب ود زوجك حتى يحيى الأبناء في أسرة مستقرة كريمة، وانظري إلى غيرك ممن حُرمن نعمة النكاح ونعمة الأبناء، واحتسبي ذلك عند الله عز وجل لتثقل به موازين أعمالك. والجئي إليه سبحانه واسأليه التوفيق والسداد في هذا الأمر، وأن يرزقك بالإيمان الكامل والقناعة بأن ما يكتبه الله لك هو الخير من جميع الأحوال، واحمدي الله أن رزقك زوجًا يطلب الحلال في وقت باتت أبواب الحرام مشرعة لكثير من الناس؛ فالزواج بأخرى ليس نهاية الحياة.

وأخيرًا.. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يربط على قلبك، ويرزقك الرضا والتقى، ويبارك لك في أولادك وزوجك، ويجعلهم قرة عين لكِ في الدنيا والآخرة.