آهٍ لو أننا نتعامل مع الأحداث بأرواحنا؛ فإننا- حتمًا- سنرى حقائق السرور تزيد وتتسع وحقائق الهموم تصغر وتضيق، وسندرك أن الدنيا إن ضاقت فنحن الضيق لا هي؛ لأن الروح المؤمنة بوعد الله الثائرة على الظلم هي كسر النبات الأخضر لا يقطع من ناحية إلا ظهر غيره ساخرًا هازئًا قائلاً على المصائب: ها أنا ذا.

 

هي ذات الروح التي جعلت فخامة الرئيس مرسي يلقى السجن والموت مبتسمًا رغم يقينه بأنه مستهدف قائلاً: وماذا أفعل؟ هو الواجب والجنة.

 

وظهر يوم المحاكمة واثق الخطوة يمشي ملكًا، بخطوات هادئة وقور، لا تبدو عليه أثارة من خوف أو أثارة من إحجام وبعينين تبرقان بالثورة؛ لينشر روحه هذي على كل الأحرار، وينقلب المشهد رأسًا على عقب ليصول ويجول وكانت كلماته تصرخ بالحقيقة، فتقع سهامًا في قلوب الظالمين وبلسمًا على قلوب الثوار؛ حتى تَغَنَّى بسيرته هذه الرائح والغادي.

 

وما كان ذلك إلا لأن الروح المؤمنة لا تعرف شيئًا اسمه الموت ولا شيئًا اسمه الوجع، وإنما تعرف حظها من اليقين وهدوءها بهذا الحظ واستقرارها هادئة ما دامت مؤمنة مستيقنة؛ لتتحدى الطغاة قائلة:

 

تالله ما الطغيان يهزم دعــــــــوة                 أبدًا وفي التــــاريخ بـر يمــيني

ضع في يدي القيد ألهب أضلعي                 بالسوط ضع عنقي على السكين

لن تستطيع حصار فكري ساعة                 أو نزع إيمـــــاني ونور يقينــي

فالنور في قلبي وقلبـــــي بيدي                 ربــي وربــي ناصري ومعيني

سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي                 وأموت مبتسمًا ليحـــيا دينــــــي

 

إنها الروح التي ينتفض الجسم لها انتفاضًا ليحقق ما تؤمن به ويكافح لأجلها كفاحًا عنيفًا لا يقنع معه بحزن القلب أو تحرك ماء العين؛ لأنه يرى الثغر مكشوفًا؛ فيأبى إلا أن تحيا روحه الحياة الطيبة الكريمة التي تُمطره صيبًا نافعًا يغمر أرض كفاحه الخصبة فيُنْبتها نباتًا حسنًا يعجب الأحرار ليغيظ بهم الانقلاب وتدفعه سَيْلاً هادرًا يكتسح الطغاة.
بهذه الروح المؤمنة سندرك أن فخامة الرئيس يوم محاكمته الباطلة كغلام الأخدود، أرداه الطاغية شهيدا ويأبى الله إلا أن تسري روحه المؤمنة فيمن حوله فقالوا: آمنا برب الغلام وقضية الغلام، قالوها بالحناجر فملؤا بها فم الزمان وقالوها بالدماء الذكية فجرت تسطرها على أرض الكفاح.

 

فقولوها أيها الأحباب: آمنا بربنا، آمنا بقضيتنا، واغرسوا بذور الكفاح وارووها بماء اليقين واصبروا وصابروا ولينصرنكم الله ولو بعد حين، وعيشوا الجو الحركي النابض ولا تخرجوا قيد أنملة عن الخط الذي رسمه الله لكم، واجعلوا الإيمان يعانق السلوك، مرددين قول هود عليه السلام: (فكيدوني جميعًا ثم لا تُنْظِرُون* إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على كل شيء حفيظ) (هود- 56)

 

وما النفس إلا حيث يجعلها                 الفتى فكن الحر وقدها بزمام