-       د. بدر شافعي: أحدث تراجعًا كبيرًا في الهوية الإسلامية ونصوصه متناقضة

- عمرو عبد الهادي: دستور الانقلابيين طائفي إقصائي علماني يقسم مصر

- د. محمد عمارة: يلغي هوية مصر الإسلامية ويكرس لسيطرة العسكر

- محلل صهيوني: يحقق مصلحة واشنطن وتل أبيب ويضمن قمع الإسلاميين

 

تحقيق: محمد إبراهيم

 

لأول مرة في تاريخ مصر منذ أن عرفت كتابة الدساتير تأتي وثيقة "سوداء" تطمس الهوية الإسلامية، وتهدم الأخلاق والآداب العامة والموروثات الثقافية والاجتماعية والتاريخية للمجتمع المصري لكونها متصلة بالشريعة الإسلامية كما فعلت لجنة الخمسين الانقلابية.

 

لم يلغ الانقلابيون المادة 219 فقط من الدستور كما يدعي البعض، ولكن ما حدث كان مؤامرة علمانية صليبية طائفية على دستور مصر، لتجريدها من هويتها الإسلامية، ونشر الفوضى والانحلال الأخلاقي في المجتمع المصري، فألغوا كل ما يمت للإسلام بصلة حتى ولو كانت كلمه بسيطة.

 

جميع دول العالم تحرص على هويتها وشخصيتها المستقلة التي تميزها وتتفرد بها عن غيرها، فمثلاً نجد أن دولة مثل "فرنسا" أم التنوير والديمقراطية كما يقولون، ترفض التوقيع على الجزء الثقافي من (اتفاقية الجات)، حتى تتمكَّنَ من تقييد دخول المواد الثقافية الأمريكية إليها، التي تَعتبرها فرنسا تهديدًا صارخًا لهويتها القومية.

 

وكذلك الهند يمنع الهندوس فيها بيع الزهور في "يوم الحب"، بل ويحرقون المحلاَّت التي تتجرَّأ على بيعها؛ بزعم أن هذا يتنافَى مع الهندوسية والثقافة الهندية.

 

ويؤكد الدكتور محمد عمارة أن الهوية الإسلامية جزء أصيل وموروث من تاريخ مصر الإسلامية، الذي مضى عليه أكثر من أربعة عشر قرنًا. وهي تعبير عن هوية الدولة والمجتمع والأمة والحضارة، مثلما تعبر العلمانية عن هوية بعض المجتمعات، وتعبر الليبرالية عن هوية مجتمعات أخرى، وفي هذه المجتمعات العلمانية والليبرالية تعيش أقليات مسلمة يزيد تعدادها في كثير من الأحايين على تعداد المسيحيين في مصر، ثم إن هذه الهوية العربية الإسلامية لمصر، اختارتها وأقرتها اللجنة التي وضعت دستور سنة 1923، بإجماع أعضائهــــا، بمن فيــــهم القيادات الدينية المسيحية واليهودية.

 

ترحيب الصهاينة

ليس هذا فحسب بل إن الكيان الصهيوني استقبل دستور الانقلابيين المعادي للإسلام بكل ترحاب وأريحية حيث يقول المستشرق الصهيوني "أرئيل بن شلومو" عن دستور الانقلابيين الجديد: إنه "يحقق مصلحة إسرائيل وأمريكا ويضمن قمع الإسلاميين" على عكس حالة الحداد والحزن التي اكتست الدولة الصهيونية عقب إقرار الشعب المصري للدستور الشرعي عام 2012م بنسبة 64% في ظل السلطة الشرعية المنتخبة, واعتبارهم هذا الدستور خطرًا على الدولة الصهيونية.

 

وأضاف- في مقال نشره الأربعاء 4 ديسمبر 2013م بموقع "ذي بوست" الصهيوني إن الدستور المصري الجديد الذي أعده الانقلابيون "يضمن قمع الإسلاميين"!

 

وشدد على أن دستور العسكر والعلمانيين يحقق المصالح الأمريكية والصهيونية؛ لأنه تضمن اتباع سياسة القبضة الحديدية تجاه الحركات الإسلامية، التي كان وجودها في دوائر صنع القرار خلال حكم الرئيس "مرسي"، ويضمن تواصل تأجيج جذوة الصراع ويهدد المصالح الصهيونية" والغربية في المنطقة.

 

أما صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية، فقالت: إن الدستور الجديد سيجعل الانقلابي "عبد الفتاح السيسي" يرسخ قبضة النظام الجديد على السلطة والإطاحة بجميع أطياف المعارضة السياسية والقضاء على جذور جماعة الإخوان المسلمين, وسيقدم مبررًا قويًّا لحملة الجيش المستمرة على الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى المعارضة للنظام الحالي.

 

ولفتت الصحيفة إلى أنه بالنسبة للكيان الصهيوني والغرب، يبدو أن الدستور الجديد يناسب بشكل جيد مصالحهم في الحملة ضد الإسلاميين.

 

(إخوان أون لاين) يكشف حقيقة "طمس الهوية الإسلامية" في الوثيقة السوداء للانقلابيين المسماة بدستور 2013 في السطور التالية:

 

إقصاء الشريعة

يقول علاء أبو النصر، القيادي بالجماعة الإسلامية والأمين العام لحزب البناء والتنمية وعضو التحالف الوطني لدعم الشرعية، إن ما بني على باطل فهو باطل، ومن ثم فكل ما بني على 3 يونيو من رئيس ومجلس وزراء ولجنة الخمسين وما نتج عنها من دستور فكل هذا باطل ولا نعترف به.

 

ويؤكد أن الدستور مليء بالسوءات والعوار أهمها إقصاء كل ما ينتمي للشريعة الإسلامية، ولم يكن إلغاء المادة 219 هو الوحيد، وإنما كانت أبرز ما تم حذفه، لكن هناك مواد أخرى كانت تكرس للهوية الإسلامية والشريعة الإسلامية والأعراف والأخلاق تم محوها وأقصوا تمامًا مثل دور الأزهر وهيئة كبار العلماء .

 

تراجع الهوية

ويؤكد الدكتور بدر حسن شافعي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن دستور الانقلابيين حدث به تراجع كبير للهوية الإسلامية لمصر ولا يعترف بالأمة الإسلامية، واقتصر في مقدمة الديباجة على أن مصر عربية، معترفًا بالأمة العربية بدون الإسلامية، موضحًا أن هذه الوجهة هي التي عبّر عنها المخرج خالد يوسف.

 

ويضيف لـ(إخوان أون لاين): "ويبدو أن اللجنة أخذت به، علمًا بأن مفهوم الأمة الإسلامية هو مفهوم قرآني من ناحية، كما أنه أيضًا مفهوم سياسي يقوم على الأساس العقدي، وعليه، فللأمة الإسلامية أربعة أبعاد أو عناصر هي: الجماعة "الشعوب الإسلامية" التي تشكل (مادتها الحية)، والعقيدة والمنهج، والوظيفة أو الدور، ثم بُعد الزمن أو الحدّ التاريخي للأمة"، موضحًا أن هذا الجانب العقيدي هو الذي أراد خالد يوسف إبعاده.

 

ويوضح أن وثيقة لجنة الخمسين الانقلابيية ألغت المادة 219 من دستور 2013، التي كانت تعرف كلمة مبادئ الشريعة الإسلامية في المادة 2، واكتفت مسودة دستور الخمسين بالنص في الديباجة على: "نكتب دستورًا يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وأن المرجع في تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في ذلك الشأن"، مشيرًا إلى أنه كان هناك تربص بهذه المادة من جانب القوى العلمانية والكنسية التي أصرت على حذفها.

 

ويشير إلى أن القوى العلمانية والكنسية حرصوا على إلغاء كل ما يمت بالمرجعية الإسلامية بصلة حتى ولو من بعيد حيث ألغت "الخمسين الانقلابية" كلمة الشورى الواردة في نص المادة 6 من دستور 2012: "يقوم النظام السياسي على مبادئ الديمقراطية والشورى" والاكتفاء بكلمة الديمقراطية، لافتًا إلى أنه لا توجد فروق جوهرية بين الاثنين، إلا أنه تظل هناك فروق بين الشورى والديمقراطية تتعلق بالمرجعية.

 

ويتابع: حذفت "الخمسين" أيضًا المادة (11) من دستور 2012 التي تنص على أن: "ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية، والحقائق العلمية والثقافة العربية والتراث التاريخي والحضاري للشعب؛ وذلك وفقًا لما ينظمه القانون"، بالرغم من أن النص يتفق مع السياق ذاته الخاص بتغليب الهوية العلمانية في الدستور.

 

ويؤكد أن الحرب على الهوية الإسلامية داخل "لجنة الخمسين" بلغت أشدها حيث ألغت اللجنة النصوص الخاصة بإنشاء مؤسسات للوقف الخيري، وكذلك العمل على إحياء وتشجيع ظاهرة الوقف، واكتفت فقط بتشجيع الوقف، بالإضافة إلى التضييق على إنشاء الأحزاب الإسلامية وحظر ممارسة أي نشاط سياسي على أساس ديني، كاشفًا عن أن نص مسودة الدستور في هذا الصدد يتناقض مع ديباجة الدستور من ناحية، ومادة الهوية من ناحية ثانية، مما قد يسبب أزمة دستورية بسبب تعارض المواد.

 

ويرجع د. بدر شافعي إلغاء المواد السابقة والتي تتعلق كلها بالهوية الإسلامية إلى وجود حالة من الإسلاموفوبيا داخل لجنة الخمسين، سواء من قبل التيار العلماني، أو التيار الكنسي الذي حرص في المقابل على الحصول على تمييز إيجابي، رغم من أن ذلك ضد مبدأ المواطنة، وهو ما أدى بالضرورة إلى الانتقاص من الهوية الإسلامية لمصر.

 

إلغاء الهوية وعسكرة الدولة

ويقول المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة إن دستور الانقلاب يعسكر الدولة ويمحو الهوية الإسلامية, ويؤكد أن أخطر ما في التعديلات هو: "إضفاء الشرعية الدستورية على انقلاب 3 يوليو، وحذف النص على أن مصر جزء من الأمة الإسلامية مع الأمة العربية، بالإضافة إلى حذف كلمة الشورى.

 

ويضيف أن الانقلابيين حذفوا النص المتعلق بأخذ رأي هيئة كبار العلماء في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وكذلك المادة المادة المفسرة لمبادئ الشريعة التي وضعها الأزهر، فضلاً عن تضييق نطاق تلك المبادئ، وحصرها فيما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا.

 

ويتابع د. عمارة أن الانقلابيين حذفوا المادة التي كانت تحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة، والمادة التي كانت تنص على تعريب العلوم والمعارف والتعليم والمادة التي كانت تدعو إلى إنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد، بالإضافة إلى تجريم إقامة الأحزاب على أساس ديني، بعد أن كان دستور 2012م يمنع إقامة الأحزاب التي تفرِّق بين المواطنين على أساس ديني.

 

ويشير إلى أن من مخاطر دستور الانقلابيين أيضًا تكريس سيطرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالنص على أنه هو الذي يختار وزير الدفاع، والتوسع على نحو مفرط في محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، مؤكدًا أن دستور الانقلاب ألغى الهوية الإسلامية لمصر، ويكرس لعسكرة الدولة.

 

دستور طائفي

ويؤكد المحامي عمرو عبد الهادي عضو جبهة الضمير الوطني أن دستور الانقلابيين "طائفي إقصائي علماني يسهل استغلاله لتقسيم مصر"، مشيرًا إلى أن المواد المتعلقة بالهوية الإسلامية والشريعة قد تم طمسها تمامًا في هذا الدستور، إذ إنهم عادوا إلى وضع دستور 71 للمادة الثانية، ثم تم إضافة المادة 3 الخاصة بغير المسلمين، وبعد ذلك حظر الأحزاب على أساس ديني، ثم الإقرار في الديباجة أن مصر مسيحية، وأخيرًا إطلاق حرية الاعتقاد مما يسمح بانتشار الحسينيات والتشيع.

 

ويضيف أن الانقلابيين قاموا بالتضييق في مبادئ الشريعة الإسلامية والاقتصار على ما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا، متعجبًا من أن هناك حكمين من محاكم أخرى عليا تتوسع في تطبيق الشريعة الإسلامية من محكمة النقض ومن الإدارية العليا، وطمس هذه الأحكام في هذا الدستور الانقلابي.

 

ويشير إلى أن حذف الجزء المتعلق بأن مصر جزء من الأمة الإسلامية والعربية هو طمس لحلم المسلمين في إنشاء نظام قائم على النظام الإسلامي، لافتًا إلى أن حذف رأي هيئة كبار العلماء يدل على أنه تم الحد من أثر الأزهر فيه، مؤكدًا أن الكنيسة حريصة على دينها ومرجعيتها وحقها عن علمانيي الأزهر.

 

ويستنكر عبد الهادي حظر المادة التي كانت تنص على عدم الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة، قائلاً: "مهزلة أن يتم تحصين بشر مثل السيسي ويتم إطلاق حرية إهانة الرسل والأنبياء"، مشددًا على أنه دستور علماني ﻻ يحمي حتى المسلمين.

 

ويدين تجريم دستور الانقلابيين لإقامة الأحزب على أساس ديني؛ إذ إن دستور 2012 كان قد منع إقامة الأحزاب التي تفرق بين المواطنين على أساس ديني فقط، وليس منع الأحزاب الدينية كلها بشكل عام، مشيرًا إلى أنها تدل على أن الليبراليين والعلمانيين الذين كتبوا هذا الدستور ﻻ يؤمنون بالديمقراطية مطلقًا لأن هناك دولاً بها مثل هذه الأحزاب-مثل ألمانيا- ولم يجرموا إنشاءها.