كشف المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات عن عدد من قضايا الفساد التي تقدر قيمة المخالفات بها بـ(آلاف المليارات)، والتي طالت أجهزة سيادية بالدولة يأتي على رأسها جهاز أمن الدولة، ورئاسة الجمهورية، والسلطة القضائية، والجيش والعديد من الأجهزة السيادية، والرقابية.

 

وأكد جنينة، أن هناك تقارير طالت كبار المسئولين الحاليين والسابقين في الدولة بالاستيلاء على المال العام وتم تقديمها إلى الجهات الرقابية وتم حفظ التحقيقات ببعضها من قبل تلك الجهات، دون الإعلان عن أسباب الحفظ.

 

وقال إنه تلقى تهديدًا من النيابة العامة، بعد كشف أحد العاملين بالجهاز تورطها في الاستيلاء على أرض الحزام الأخضر، مؤكدًا أنه لن يسمح لأحد أن يقوض جهود الجهاز في كشف الفساد.

 

وطالب، بتشكيل لجنة لكشف الفساد داخل مؤسسات الدولة، مؤكدا أن الجهاز لن يكون أداة في يد أي نظام، وسيعمل باستقلالية تامة.

 

وأوضح رئيس المركزي للمحاسبات أن الجهاز تقدم بـ428 بلاغًا للنائب العام، منها 265 لم يبت فيها حتى الآن، و28 قضية حفظت، و227 قضية لجهاز الرقابة الإدارية، منها 161 قضية لم يبت فيها حتى الآن، و17 قضية حفظت، و65 قضية لجهاز الكسب غير المشروع لم يبت سوى في 3 منها، وتم حفظ 6، مشيرًا إلى أنه لا يعلم أسباب عدم البت في تلك القضايا.

 

وأكد إن وزارة الداخلية لم تتعاون مع أعضاء اللجنة التي تم تشكيلها من قبل الجهاز لكشف قضايا الفساد في الدولة.

 

قضاء فاسد

وعن الهيئات القضائية كشف جنينة عن أن حجم أموال الفساد الجهات القضائية تقدر بـ3 مليارات، بالإضافة إلى التقرير الذي قام به الجهاز فيما يعرف بـ"قضية تعيين المستشارين" كشف عن حصر قيمة المبالغ التي حصل عليها غير العاملين بالأجهزة الخاضعة لرقابة الجهاز بلغت 515 مليون جنيه وذلك لعدد 3906 مستشارين خلال سنتين ماليتين 2012 و2013.


وبين أن أكثر الهيئات التي يتم الانتداب منها هي الجهات القضائية حيث تقاضوا 119 مليونًا و972 ألفًا، مضيفًا أن 296 مستشارًا من مجلس الدولة وحده تقاضوا 75 مليونًا و972 ألفًا و396 جنيهًا.

 

وناشد رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، أجهزة الدولة حماية الأجهزة الرقابية، وذلك بعد التهديدات التي وصلت إلى الجهاز وأعضائه من النيابة العامة، قائلاً: "أصبح التلويح بالقضاء البديل للقمع الأمني".

 

وانتقد "جنينة"، المستشار عادل عبد الحميد، وزير العدل الانقلابي، وقال إنه حاول استصدار قانون يتم بموجبه التصالح مع أعضاء النيابة العامة الذين استولوا على أرض مدينة الشيخ زايد في مخالفة صريحة وواضحة منه، حسب قوله.

 

العسكر والبترول

وانتقد المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وجود أرقام مهولة من أعداد الشركات الحكومية التي تعمل في قطاع البترول بمصر، وهي من المفارقات الكبيرة بالمقارنة بالسعودية أكبر الدول المنتجة للبترول والتي لا تمتلك إلا شركة واحدة وهي شركة عرابكو.

 

 وقال إن الحديث عن أن مصر دولة منتجة للغاز وتصدره إلي الخارج كلام غير صحيح، قائلاً: "تلك المنظومة أصابها العوار الشديد، فيكفي أن تعلم أن الدولة تتكبد المليارات لإنشاء خطوط تصدير الغاز لدول مجاورة في الوقت الذي تكون فيه مصر في أمس الحاجة لها وللغاز الذي لا يكفي لسد حاجة الدولة".

 

وذكر جنينة أن هناك شركات للبترول، تم إنشاؤها وتعيين أشخاص بها وهي شركات ما زالت خاسرة، متسائلاً: "ما المبرر لاستمرار تلك الشركات برغم خسائرها الكبيرة، وهل استمرارها لإرضاء بعض النخب لامتلاك الشركات وتعيين الأقارب تأتي على المصلحة العامة للدولة"، في إشارة إلى لواءات الجيش المعينين بشركات البترول، فضلاً عن امتلاك القوات المسلحة لشركات، ومحطات وقود مثل سلاسل محطات وقود "وطنية" التابعة للجيش.

 

وأشار جنينة إلى أن تعدد الوسطاء في وصول إسطوانات الغاز للمواطن يكبد الدولة خسائر بالمليارات ولا يصل الدعم لمستحقيه بمصر.

 

أمن الدولة

وكشف المستشار هشام جنينة عن أن أعضاء بنيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة والجيزة وهيئة الرقابة الإدارية، استولوا على أرض بالحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر، تبلغ مساحتها 35 ألف فدان بالمخالفة للقانون.

 

وقال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، إن تقرير قضية "الحزام الأخضر" اشتمل على خلافات فساد للأجهزة الرقابية المسئولة عن مراقبة توزيع تلك الأراضي التي تبلغ 35 ألف فدان، وأن حجم الفساد بتلك الأراضي وصل إلى 26 مليار جنيه، وكان من ضمن الأجهزة المتورطة جهاز أمن الدولة بالقاهرة والجيزة.

 

وذكر أن ملف الحزام الأخضر يكشف عن مؤشر لحجم الفساد، قائلاً: "نحن نتحدث عن الحزام الأخضر الذي يعد خارج المدن الجديدة فما بالنا لو دخلنا إلى المدن الجديدة وما بها من فساد".

 

 وقال جنينة إن عضو الجهاز المسئول عن مخالفات ملف الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر، تلقي تهديدات في خطاب أرسل له، مؤكدًا أنه لا يقبل أن يُوجه تهديد لعضو بلجنة رقابية بالجهاز المركزي للمحاسبات لاكتشافه قضايا فساد، مناشدًا بحماية الأجهزة الرقابية".

 

فساد الجيش

 ولفت جنينة إلى أن هناك الكثير من الجهات المسئولة في الدولة تخرق القانون، وتتعدى على المجرى الملاحي لنهر النيل، وتقيم عليه منشآت، ولا يتم تحرير مخالفات ضدها، مشيرًا إلى أن تكلفة الاعتداء على المجرى الملاحي لنهر النيل بلغت 18 مليار جنيه ما بين ردم وإقامة منشآت، في إشارة إلى قيادات القوات المسلحة.

 

وكشف جنينة عن مخالفات فيما يسمي "بطرح البحر" وهي الأراضي التي تنتج عن طرح نهر النيل، مضيفًا "حجم ما تم رصده مما أتيح لنا من معلومات يتجاوز الـ18 مليار جنيه على المجري المائي لنهر النيل وما خفي كان أعظم".

 

وأضاف جنينة: "العجيب في قضايا فساد طرح النهر أن هناك الكثير من الجهات المسئولة عن تنفيذ القانون هي التي تخرقه، تقيم منشآت على نهر النيل ولا يحرر لها مخالفات"، في إشارة إلى القوات المسلحة والشرطة والقضاء.

 

اتهامات الفاسدين

ونوه بأن الاتهامات الموجهة إليه بأنه من الإخوان المسلمين، لتعيينه من قبل الرئيس محمد مرسي، يجب أن تسري على الانقلابي عبد الفتاح السيسي،، ووزير داخليته محمد إبراهيم، لتعيينهما من قبل الرئيس مرسي.

 

وانتقد جنينة الحديث المتكرر في تلك القضية، قائلاً: "إن ذلك يرجع للدور الحساس الذي يقوم به الجهاز في الكشف عن فساد الأجهزة المختلفة بالدولة".

 

فساد اقتصادي

جاءت تصريحات المستشار هشام جنينة بالتزامن مع صدور بيانات وزارة المالية الانقلابية التي تشير إلى نقص الإيرادات الضريبية بالموازنة العامة للحكومة، خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2013/ 2014 والذي يمثل الشهور الـ6 الأولى من عهد الانقلاب بنحو 7 مليارات و285 مليون جنيه، بنسبة تراجع 7%، لتصل حصيلة الضرائب إلى 8ر103 مليار جنيه مقابل 1ر111 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام المالي السابق، والذي يمثل النصف الأول من عهد الرئيس محمد مرسي.

 

وشمل الانخفاض غالب أنواع الضرائب، فيما عدا ضرائب الدخل المفروضة على موظفي الحكومة، والتي يتم تحصيلها من المنبع، والضرائب على عوائد أذون وسندات الخزانة، والتي توسعت فيها الحكومة لسداد الدين المحلي المتصاعد.

 

ومنها أنواع الضرائب المنخفضة: الضريبة على أرباح شركات الأموال بنقص 5ر6 مليارات جنيه، حيث انخفضت ضرائب أرباح كلٍّ من هيئة البترول والبنك المركزي وقناة السويس.

 

كما انخفضت حصيلة ضرائب المبيعات بنحو 5ر3 مليارات جنيه بنسبة تراجع 8% بسبب انخفاض حصيلة ضرائب المبيعات على الخدمات وعلى سلع الجدول المحلية والمستوردة، كما شمل الانخفاض الضرائب الجمركية بنحو 804 ملايين جنيه بنسبة تراجع 10%.

 

ويرتبط نقص الحصيلة بحالة الركود والاضطراب التي تمر بها البلاد منذ الانقلاب العسكري الدموي، والتأثر الحاد لقطاعات اقتصادية أبرزها قطاع السياحة والتشييد والبناء وغيرها.

 

وأكدت بيانات وزارة المالية الانقلابية تضمين إيرادات الموازنة الحكومية خلال النصف الأول من العالم المالي الحالي 2013/ 2014، والتي تمثل الشهور الستة من عهد حكومة الانقلاب حوالي 37 مليار جنيه منح من الدول الخليجية.

 

وكذلك 3ر9 مليار من الصناديق والحسابات الخاصة، والتي تمثل 35% من إيرادات تلك الصناديق، حيث كانت وزارة المالية تحصل على نسبة 25% من إيرادات تلك الصناديق، ثم أضافت حكومة الانقلاب إليها نسبة 10% أخرى.

 

وهكذا ساهمت المنح الخليجية البالغة 37 مليارًا وما حصلت عليه وزارة المالية من إيرادات الصناديق والحسابات الخاصة والبالغة 3ر9 مليار، والضرائب التي تفرضها على فوائد أذون وسندات الخزانة والبالغة 8 مليارات جنيه بالإضافة إلى باقي أنواع الضرائب والإيرادات غير الضريبية. في وصول إجمالي موارد الموازنة خلال النصف الأول لعهد الانقلاب إلى 4ر175 مليار جنيه، إلا أن مصروفات الموازنة حتى الباب السابع بالموازنة بلغت خلال تلك الفترة حوالي 265 مليار جنيه ليصل العجز الكلي للموازنة خلال نصف عام إلى 4ر89 مليار جنيه، وبإضافة الباب الثامن بمصروفات الموازنة والتي يمثل سداد أقساط الديون المحلية والخارجية والبالغ 6ر73 مليار جنيه.

 

ويصل إجمالي الفرق بين إجمالي إيرادات ومصروفات الموازنة خلال نصف عام 163 مليار جنيه، قامت الحكومة بتدبيرها من الإصدارات الجديدة لأذون الخزانة بنحو 33 مليار جنيه وإصدارات لسندات الخزانة بنحو 4ر45 مليار.

 

وإصدار سند جديد لصندوق المعاشات بنحو 2ر14 مليار، والاقتراض من البنوك، وإصدار كميات إضافية من النقود، لتستمر دوامة ارتفاع الدين العام المحلي وكبر حجم مخصصاته بالموازنة على حساب الاستثمارات الحكومية وتحسين المرافق والدخول.

 

على رؤوسهم "بطحة"

وقال الدكتور مجدي قرقر أمين عام حزب الاستقلال والقيادي بالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب لـ(إخوان أون لاين) أن البعض استغرب من عقد المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات مؤتمرًا صحفيًّا يكشف فيه عن قضايا فساد تمس جهات سيادية وهيئات قضائية وأجهزة أمنية، ولكن الوضع الراهن في ظل غياب مجلس الشعب- والذي كان من المفترض أن تعرض عليه هذه الملفات- أصبح رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات مضطرًا لأن يخاطب الشعب المصري بهذه الحقائق من خلال مؤتمر صحفي.

 

وأضاف أن هذا المؤتمر أثار استياء البعض ممن وصفهم بأنهم "على رأسهم بطحة"، مستنكرًا رفع البعض لدعاوى قضائية ضد المستشار هشام جنينه، مؤكدًا أن دور الجهاز هو فضح الفساد وكشفه.

 

وانتقد قرقر تهديد النيابة العامة والهيئات القضائية للعاملين بالجهاز على كشفهم قضايا فساد تورطوا فيها، مشددًا على ضرورة حماية الأجهزة الرقابية وإعطائها الحصانة حتى تستطيع أن تعمل بحرية واستقلال وبدون ضغوط من أجل مكافحة الفساد، وهذا دور أي نظام أيًّا كان.

 

وحول الهجمة الإعلامية الشرسة التي تعرض لها المستشار جنينه قال أمين حزب الاستقلال إن هذا الإعلام الموجه يشن هذا الهجوم لأن تقرير الجهاز المركزي طال يعمل هؤلاء الإعلاميون لحسابهم، ولا شغل لهم سوى تحسين صورتهم برغم فسادهم وإفسادهم.

 

وأعرب عن أسفه من أن يطال الفساد مؤسسة القضاء، مشيرًا إلى أن هناك مشكلة في استقلال القضاء، وعدم حيدته وتبعيته للسلطة التنفيذية، وإن لم نعدم الشرفاء في سلك القضاء.

 

حاميها حراميها

من جانبه وصف علاء أبو النصر الأمين العام لحزب البناء والتنمية حجم الفساد الذي كشف عنه المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بأنه "فاق الوصف وتعدى حاجز الخيال"، حيث كشف عن فساد قدر بالمليارات تتعلق بإهدار المال العام.

 

وقال لـ(إخوان أون لاين) إن هذه الحقائق الموثقة بالأدلة والبلاغات القضائية التي قدمها الجهاز المركزي للمحاسبات تؤكد أننا أصبحنا أمام "دولة الفساد".

 

وانتقد حماية القضاء والشرطة للفساد قائلاً: "إن المؤسسات المنوط بها محاربة الفساد ومحاصرته وفي مقدمتها "القضاء والداخلية" هي أول من ترعى الفساد وتديره وتنتهك القانون وتهدره، مستنكرًا بشدة التهديدات التي تمت للموظفين القائمين على كشف الفساد بالجهاز وإرهابهم حيث أصبحت هذه المؤسسات دولاً منعزلة داخل الدولة المصرية.

 

وشدد على أن قضية محاربة الفساد لا ينبغي أن يختلف عليها أحد من أبناء هذا الشعب أيًّا كان توجهه السياسي أو الديني لآثاره الوخيمة على الوطن والمواطنين من نهب لمقدرات الدولة وثرواتها والمساس بأمنها القومي والاقتصادي، وإهدارًا للعدالة الاجتماعية وحقوق وممتلكات مواطنيها.

 

وطالب أبو النصر الشعب المصري بحماية "جنينة" والوقوف في وجه أي تهديدات تستهدف رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أو اتخاذ إجراءات قمعية ضده أو تقديمه لمحاكمات صورية انتقامية بعد تقديم الفاسدين بلاغات كيدية ضده إذ يجب على الحكومة الانقلابية ألا تنزع ورقة التوت الأخيرة التي تستر عورتها.

 

عصابة الانقلاب

وقال المهندس أشرف بدر الدين وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب السابق: إن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي كشف عن فساد الأجهزة الأمنية وإهدار عشرات المليارات على يد حكومة الانقلاب الإرهابي يؤكد أن الانقلابيين عصابة جاءت لسرقة ونهب أموال المصريين، مضيفًا أن المستشار هشام جنينة كشف خلال تقرير الجهاز بأن "حاميها حراميها"، ولا أمل مطلقًا في حكومة الانقلاب.

 

وأضاف أن تلقي عدد من أعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات كاشفي الفساد لتهديدات من النيابة العامة يؤكد أن مصر أصبحت بعد الثالث من يوليو يتحكم فيها الانقلابيون ولا مكان للمؤسسات ولا حياة للشرفاء.