2- المدرسة:

وهي العامل الثاني من عوامل التربية، وهو أهمها وأبلغها أثرًا في حياة الطفل؛ إذ تقوم بالقسم الأعظم من تربيته، وهو التعليم والثقافة العقلية، فيجب أن نوجه إليها العناية بالإصلاح حتى تؤدي إلى الغاية المنشودة.

 

وإذا قلنا المدرسة فإنما نعني أمرين مهمَّين لا يفترق أحدهما عن الآخر:

أولهما: مناهج التعليم التي هي بمثابة الغذاء العقلي للتلميذ..

والثاني: المعلم الذي يقوم بتوصيل هذا الغذاء إلى العقل..

 

ولإصلاح المدرسة يجب العناية التامة بإصلاح هذين، ولإصلاح المعلم عدة وسائل، أيسرها وأقربها إلى التحقيق مطالبة الوزارة بإصلاح مناهج مدارس المعلمين بأنواعها، وجعلها غنيةً بالتعليم الديني والتاريخ الإسلامي وفلسفة العقائد وأسرار التشريع ونحو ذلك، ويلي هذه الوسيلة أن تقوم جمعيات (الشبان المسلمين) بفتح فصول ليلية وفي الإجازات الطويلة، كإجازة الصيف- مثلاً- لمن يحب من المعلمين وطلبة مدارس المعلمين من الأعضاء وغيرهم أن يَدْرُس فيها هذه المواد على أيدي كبار حضرات الأعضاء المستطيعين لذلك.

 

يلي هذه الوسيلة وسيلةٌ أخرى تحول دونها عقبات كثيرة وتغني عنها الوسيلة الأولى إذا تحققت.. وذلك أن تقوم جمعيات (الشبان المسلمين) بإنشاء مدارس لتخريج معلمي الدين والأخلاق واللغة العربية، والعقبات التي تحول دون ذلك قلة المال، وعدم اعتراف الحكومة بإجازات هذه المدارس وشهاداتها، وحينئذ يكون هذا النوع من المعلمين قاصرًا على مدارس جمعيات الشبان على اختلاف أنواعها.

 

ويذكِّرني ذلك بنظام (اليسوعيين) في مبدأ أمرهم، فقد تألفت جمعياتهم لنصرة (البابا)، وبثَّ (الكثلكة) في النفوس، ورأوا أن خير وسيلة لذلك هي إصلاح التعليم، فأنشأوا مدارسهم على طبقات مختلفة: منها الابتدائي والثانوي والعالي، بهذين كان جلُّ اعتنائهم، وانفصلوا عن كل نظام للتعليم آنذاك، منفردين بنظم إدارية وفنية خاصة، واضطرهم ذلك إلى تكوين معلمي هذه المدارس تكوينًا خاصًا ينتج ما ترمي إليه جماعاتهم من الغايات.. وقد لاقوا في مبدأ أمرهم نجاحًا عظيمًا، وكانت مدارسهم تعد بالمئين، ولا تزال آثارُهم في الجهاد لدعوتهم باقيةً إلى الآن.

 

فإذا لم توافق الحكومة على العناية بالتعليم الديني في مدارسها- طبق ما تريد جمعيات الشبان، وطبق ما ينتج الغاية الإسلامية المطلوبة، وتمكنت جمعيات الشبان من سلوك هذا الطريق الاستقلالي في شئون التعليم- فإنها تكونُ أبرك وأنفع خطوة يتيمَّن بها العالم الإسلامي، ويرجو من ورائها الفتح والظفر والرجوع إلى حظيرة دينه القويم.

 

وقريب من هذه الفكرة ما كان من إنشاء جماعة المصلحين في عهد الأستاذ الإمام رحمه الله لمدرسة دار الدعوة والإرشاد، فقد كانت الغاية منها تخريج معلمين يعظون الشعب ويرشدونه مستقلين عن سلطة الحكومة والقيود الرسمية، فأماتها البخل من ناحية، وخمود الهمم وضعف الثبات من ناحية أخرى، ولسنا نريد بذلك أن نتعرض لأنها حققت الغاية أو لم تحقق، فليس هذا من قصدنا، على أنها لم تطل مدتها حتى يتمكن الباحث من الحكم، لكن الذي نريد أن نصل إليه أن فكرة الاستقلال بالتعليم عن النظام الحكومي فكرة خامرت الكثيرين من زعماء الإصلاح فليس بدعًا أن نعرض لها اليوم، وقد تكون الظروف الآن أشد ملاءمةً لهذه الغاية من ذي قبل.. فهل تتمكن جمعيات الشبان المسلمين من سلوك هذا السبيل؟ وهل عجزت ألا تحاول فكرة تخصيص المعلمين وطلبة المعلمين والوعاظ بفصول يتزودون فيها بالعلوم الإسلامية التي تعينهم على تحقيق الغاية؟ وهل تعجز مع ذلك عن السعي لدى ولاة الأمور في إصلاح مناهج التعليم وخاصة في مصر لما فيها من حركة الإصلاح العلمي السانحة؟ نظنها لا تعجز عن هذين، ونأمل أن نراها في سبيل تحقيقها قريبًا.

 

كل ما تقدم سقناه بمناسبة وجوب إصلاح المعلم الذي هو نصف المدرسة.. أما إصلاح المنهج- وهو النصف الثاني- فيجب أن يقرن بتوفير الحصص الكافية لفروع الدين، من الفقه وأسراره والعقائد وأدلتها والتاريخ الإسلامي والسيرة واللغة العربية، إذ هي وسيلة فهم القرآن وتدبره، وهو أساس هذا الدين وروحه، وإظهار العناية بهذه المادة عنايةً ظاهرةً وجعلُها مادةً أساسيةً، فإذا كانت المدارس مستقلةً عن المدارس الحكومية أض