سقط الاتحاد السوفيتي فالتفت كتاب غربيون للترويج لصدام حضارات وحروب دينية ووضعوا الإسلام في بؤرة العداء.

 

فتقسيم العالم على أساس عقائدي هو أسهل المبررات التي يمكن أن يلجأ إليه المتحكم في النظام الدولي لفرض إرادته.. فهو يطرح نفسه كموحد للعالم وحافظ لسلام شعوبه بينما يتهم القوى الصاعدة الأخرى المنافسة له بأنها خطر يهدد العالم بعقائد تتبنى العنف أو تبرر الدكتاتورية والقمع..

 

كانت الشيوعية العقيدة التي نبتت بالغرب ثم شيطنها جاعلاً منها خصمًا يتغذى على وجوده ويفرض نظامًا دوليًّا مختلاً على العالم بزعم الخوف من خطر انتشار الشيوعية.

 

وربما أن مصطلحًا لم يجد رواجًا خلال العقود الأربعة التالية للحرب العالمية الثانية كمصطلح الإرهاب الشيوعي.

 

يعرف القارئ طبعًا بدايات الترويج للخطر الإسلامي منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات تزامنًا مع اندحار الخطر الشيوعي أمام زحف النظام الرأسمالي العالمي.

 

لكن القضية أن البعض فهم الترويج للحروب الدينية وكأنها ستكون بين أديان مختلفة، ولم يدرك أنها تعني وضع أحد الأديان هدفًا للنظام العالمي ليمثل الخطر وليُشبع جوع هذا النظام لخصم يوجه له سهامه وضرباته وضغائنه.

 

لم ينتبه أحد كيف أن فرنسا احتضنت الخوميني زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية؛ ثم انتقلت بعد عشرين سنة من ذلك للحديث عن خطر الإسلام.

 

ولم ينتبه أحد كيف تلقى الغرب هجرات المسلمين وتمدد الإسلام دون قلق أغلب القرن العشرين ثم فجأة بدأ يراه مصدرًا للمخاطر.

 

ولم ينتبه أحد كيف أن أي هجوم يمكن وصفه بالإرهابي لم تعانِ منه أوربا خلال ثورات التحرر الوطني في العالم العربي والإسلامي بما فيها ثورة الجزائر التي راح ضحيتها ما يفوق على مليون شهيد على يد الاحتلال الفرنسي، وانضم إليهم مئات قُتلوا وهم يتظاهرون سلميًّا في ميادين باريس دعمًا لحق بلادهم في الاستقلال.

 

ولم ينتبه أحد أن أقرب النظم للدول المهيمنة على العالم هي نظم دينية بمنطقتنا؛ بل حتى النظام الثوري الذي ادعى أنه إسلامي في إيران أصبح على وفاق عجيب مع المنظومة الدولية التي يتهمها بأنها الشيطان الأكبر.!!

 

القضية واضحة لو رأيناها من خلال ما تسعى إليه الدول المهيمنة على النظام الدولي.

 

إبقاء الهيمنة على دول العالم وفرض معادلة لتقسيم العمل وتوزيع الثروات لا يجوز لأحد أن يُخل بها.. وهي معادلة مختلة بطبيعتها، تجعل التحكم في مقدرات العالم بيد تلك الدول قليلة العدد.. بحيث أن دول الخليج، مثلاً، التي تملك ثلث بترول العالم لا تستحوذ إلا على أقل من 16 بالمائة من المداخل المالية الناتجة عنه.. وإفريقيا التي تتركز بها أهم الثروات الطبيعية كاليورانيوم والألماس والذهب وباقي المعادن، بالإضافة إلى مخزونها الهائل من الغذاء والثروة الحيوانية لا يتوفر لأي بلد فيها– باستثناء جنوب إفريقيا – القدرة على توفير الغذاء لشعبها أو تحقيق حياة كريمة لمجموع هذا الشعب.

 

نحن أمام صراع على الثروات منذ بناء النظام الدولي القائم حتى الآن ويجري استخدام كل ما يتوفر للإبقاء عليه وعلى هيمنة من أنشأه ويتحكم فيه، لأنه ببساطة يتحكم في مجمل ثروات العالم.

 

ننظر إلى ضحايا الحرمان من الثروات والحصار لعدم الحصول على مؤهلات النهوض الاقتصادي بما فيها تحقيق نظام سياسي يستند على القيم الديمقراطية ونظام إداري يستند لمعايير الشفافية والمحاسبة؛ فهؤلاء ليسوا فقط من المسلين وإنما شعوب ودول تتراوح بين مسلمين ومسيحيين وأديان أخرى، كما هو الحال في أمريكا الجنوبية التي اعتبرتها أمريكا حديقتها الخلفية لمدة مائتي عام وحاولت بكل الطريق منعها من الوقوف على قدميها أو التحكم في ثرواتها مستعملة كل الطرق بما فيها تشجيع زراعة المخدرات إلى رشى الجيوش للانقلاب على أي محاولات ديمقراطية.

 

وكذلك فإن قارة كاملة هي القارة الإفريقية تقبع تحت الحصار والتجويع والتطويع لتبقى سلة غلال للشمل بينما تعاني الجوع والمرض بمسلميها ومسيحييها بل ووثنييها.

 

ولو انتقلنا لآسيا فإن الأمر لا يختلف كثيرًا في غالبية الدول، بينما أن النمور الاقتصادية هناك لم تنهض إلا بالاستفادة من الثغرات التي نشأت عن الحرب الباردة والدعم الذي تلقته من هذا الطرف أو ذاك في عملية استقطاب سياسي واقتصادي واضحة لمن يدرس التاريخ الاقتصادي لهذه المنطقة.

 

أخيرًا.. يجب ألا نسقط في فخ أننا من يحاول أن يفجر حروبًا دينية بينما الآخرون– وهم دول المركز المهيمنة على العالم– يدافعون عن مفهوم التعايش وقبول الآخر وقيم الحرية والمساواة بين البشر دون تمييز.. إن هذا بالضبط ما تتمناه تلك القوى التي تسعى لمزيد من السيطرة على الأسواق والمقدرات وتكريس تبعيتنا لها ومساندة نظم القمع والفساد في بلادنا ليسهل قيادها..

 

بذلك نظهر وكأننا خطر يُهدد سلام العالم وتعايشه ويظهرون وكأنهم من يدافع عن هذا السلام وعن قيم التواصل..

 

بينما أن الحقيقة أن حروب العالم هم من يصطنعها اصطناعًا، واستنزاف ثروات الشعوب حتى لو ترتب على ذلك تدمير أيكولوجية الأرض وانهيار النظام البيئي وتهدد المناخ العالمي بما ينذر بكوارث.. وهم من يحاصرون قوى الحرية في بلادنا بكل أطيافها – إسلامييها وليبرالييها - ويدعمون قوى القمع ويفضلوا شبكات الفساد لدينا على قوى الإصلاح..

 

نحتاج أن تتناغم حركتنا مع حقيقة الصراع دون أن ننجر لبعض جوانبه، لنفضح الأداء التمثيلي لهذه الدول.. وليبدو بوضوح أننا نمثل أمل العالم في إعادة بناء منظومته على أساس أكثر عدلاً وتوازنًا واستنادًا لقيم الإنسانية والتعايش والاحترام المتبادل.

 

وما الثورة المصرية إلا نموذجًا للثورات التي تطلب الحرية والعدل والعيش الكريم والاحترام المتبادل.. فلما وقع النظام الدولي في مأزق عندما تبنى المصريون بكل أجنحتهم السياسية– بما فيهم الإسلاميون- الطريق الديمقراطي، فضّل النظام الدولي أن يُساند الانقلاب عليها ثم أغرقونا بالحديث كذبًا عن الإرهاب الإسلامي الذي يهدد العالم لننسى أصل القضية.