كتبت ـ رحيق مراد:

بين السرقة والإهمال تقع الآثار الإسلامية فريسة أمام ضعاف النفوس، حتى أصبح عدد كبير منها مهددا بالانهيار بسبب الإهمال، ومع ذلك لا تحرك وزارة الآثار ساكنا لحماية هذه الكنوز بحجة عدم وجود أموال كافية للترميم.
 
وبين حين وآخر، تبرز قضية المساجد الأثرية في مصر، عقب حدوث وقائع إهمال وسرقة بداخلها، ولعل أبرزها ما تكشف عن انتزاع وفقدان حشوات برونزية من الباب الرئيسي لمسجد "خونده أصلباي" زوجة السلطان قايتباي، الذي يعود إلى العصر المملوكي، ويعرف شعبياً باسم "مسجد قايتباي".
 
وبحسب خبراء أثريين فإن حشوات المساجد الأثرية من أكثر القطع التي تتعرض للسرقة، وتنتشر العديد من هذه الحشوات في المتاحف الأوروبية والمزادات العالمية؛ حيث آلت إلى أصحابها عن طريق الشراء من لصوص الآثار ومهربيها،  وتعد استعادة تلك الحشوات أمرا بالغ الصعوبة.
 
يشار إلى أن بعض الحشوات التي سرقت في القرن التاسع عشر  وتم استعادتها في زمن لجنة الآثار العربية منتصف القرن العشرين؛ مثل حشوات باب مسجد الطبغا المارداني، تم سرقتها مرة أخرى.
 
* مسجد "قايتباي"
 
يعود تاريخ مسجد قايتباي إلى زمن السلطان الناصر محمد بن قايتباي، حين أمرت والدته "خونده أصلباي"، ببنائه في أقصى الطرف الشمالي للقسم الغربي من مدينة الفيوم على ضفاف ترعة بحر يوسف. 
 
ويظهر من خلال الشريط الكتابي المنقوش على عضادتي مدخل المسجد أنه شُيد بإشارة من الشيخ عبد القادر الدشطوطي، خلال الفترة من 1497 وحتى 1499م.
 
هذا المسجد الأثري مسجل في قائمة الآثار الإسلامية منذ عام 1951 لكنه في الوقت ذاته يتبع وزارة الأوقاف. 
 
* حوادث سرقات 
 
وتعرضت الآثار الإسلامية لحوادث سرقة متكررها، أبرزها سرقة 6 مشكاوات من مسجد الرفاعي بالقاهرة بداية عام 2017، وخلع باب مقصورة السلطان الكامل بمسجد الإمام الشافعي، وسرقة قطع زخرفية من مقصورة الإمام الشافعي، وسرقة أجزاء من منبر مسجد "تُغرى بردى" عام 2014، وسرقة أجزاء رخامية من الجامع الأزرق بالدرب الأحمر، وسرقة شباكين نحاسيين من مسجد القاضي عبدالباسط بالقاهرة، وكذلك سرقة  منبر السلطان "قاني باي الرماح" عام 2010.
 
كما تمت سرقة "النص التأسيسي" من المنبر الخشبي لمسجد "تمراز الأحمدي"، والنص التأسيسي لإيوان السادات الثعالبة التابع لمنطقة الإمام الشافعي، والحشوات الفضية من باب مسجد السلطان برقوق بشارع المعز، وسرقة أجزاء من الباب الخشبي لمسجد الأشرف برسباي الأثري بمنطقة الجمالية، وسرقة حشوات منبر مسجد السلطان الأشرف قايتباي بصحراء المماليك، وحشوات جانبي منبر مسجد الطنبغا المارداني، وسرقة بعض حشوات منبر مسجد أبوحريبة، وسرقة العديد من حشوات مسجد المؤيد شيخ التي تكررت نحو ثلاث مرات، وحشوات باي الروضة من منبر مسجد أزبك اليوسفي، وحشوات وزخارف الأطباق النجمية المكونة للمنبر وكرسي المصحف من مسجد جانم البهلوان بالمغربلين بمنطقة الدرب الأحمر.
 
والنتيجة والمحصلة لكل مرة تحدث فيها سرقات لمساجدنا الأثرية اتهامات متبادلة بين وزارتي الأوقاف والآثار، تنتهي بضياع المسئولية عن سرقات المساجد بل ضياع الآثار بلا رجعة.
 
* الأوقاف والآثار
 
ويرى الدكتور جمال عبدالرحيم أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة أن سبب كارثة الآثار الإسلامية هو تبعيتها للأوقاف، حيث تتعرض معظم الآثار الإسلامية للسرقة بسبب تعيين عمال لا يعلمون شيئا عن أهمية الأثر كحراس عليه، وهذا هو السبب الرئيس في تعرض الكثير من المسجد للسرقة.
 
فيما قال سامح الزهار، الباحث فى الآثار الإسلامية إن هذه المرة ليست الأولى، بل انتهك السارقون حرمات المساجد الأثرية عدة مرات خلال السنوات الأخيرة.
 
واعتبر في تصريحات صحفية أن مثل هذه الحوادث تتكرر في ظل غياب دور الدولة في حماية الآثار، بصفة عامة، والإسلامية، بصفة خاصة، وقال: "نخص الآثار الإسلامية بالذكر؛ لأن تأمينها والحفاظ عليها يعد مشكلة كبيرة، فأغلب الآثار الإسلامية فى مصر ملكيتها تعود لوزارة الأوقاف التي أصبحت تمثل عبئا ثقيلاً على التراث المصري وأحد أهم الأسباب في تبديد هويتها".
 
وتابع "الزهار": "فس دول العالم المتحضر تكون مسئولية الآثار تابعة تبعية كاملة للجهة الرسمية المشرفة عليها وليست للجهات أو المؤسسات الدينية التى تتعامل مع الآثار من الناحية الدينية فقط، ولم تفرق بين أثر ثابت أو منقول، إذا كان أثريا أم حديثا، وهذا لب المشكلة، والسبب الرئيسى في تدمير وسرقة الآثار الإسلامية في مصر".