سجلها: عبد الله الغمراوي

يواصل الداعية طلعت الشناوي سرد المواقف الطريفة التي عاشها أثناء المحنة، فيقول: عندما حدث العدوان الثلاثي جمعنا مأمور السجن لحضور اجتماع أطلق عليه (حفل) وقد كان حفلاً مضحكًا للغاية؛ إذ يبدأه بعبارة (هذا الحفل الذي شرفناه)، ثم يتحول إلى السباب والشتائم التي يزركشها لغويًّا بطريقة طريفة، مثل (هذا الحفل الذي شرفناه على أقفية الأنطاع..)، وكان بدلاً من أن يسيء إلينا- كما يتصور- يقدم لنا مادةً طريفةً نتندَّر بها لفترة طويلة.

 

ومن المواقف التي لا تُنسى أنه كان معنا أخٌ من "أبو زعبل" يسمَّى أحمد شعلان تم الإفراج عنه عام 64 ثم قُبض عليه عام 65، واستُشهد في القلعة تحت التعذيب، وقد قضى معنا فترةً في مستشفى السجن، وكانت أمُّه- رحمها الله- عندما تأتي إلى زيارته نُجهِّز لها مكانًا خاصًّا وبارافان؛ إذ كانت تحشو جسمها بالأكل والزيارات التي يريد أهالي المساجبن إدخالها إلى أبنائهم بعيدًا عن أعين إدارة السجن!!

 

فنجدها تُخرج من بين ملابسها فرخةً مثلاً أو "دكر بط" وغير ذلك مما تخفيه في ملابسها وتشدّ عليه حزامها، ثم تفرغه في المكان الذي أعددناه لها سلفًا خلف البارافان، ونخفيه بسرعة، ثم نقوم بالتصرف فيه حين يتيسر الأمر.

 

وقد بلغ من حسن تصرفها وأمومتها ذات مرة أن أخفت في ملابسها عددًا من حبَّات المانجو بعددنا جميعًا، وقد كنا حوالي 97 شخصًا، ولكنها نجحت في إدخال هذه الكمية الكبيرة إلينا لتُدخل السرور على قلوبنا وسط ما نعانيه من سجن وحرمان.

 

وفوجئنا في إحدى الزيارات بالأستاذ عبد الحليم خفاجي يقف وسط العنبر ويهتف: البارجة ضربت.. البارجة ضربت اليوم!! وبالاستفسار عن الأمر اتضح أن الإجراءات كانت مشدَّدة جدًّا ذلك اليوم؛ بحيث لم تستطع أم الأخ أحمد شعلان الإفلات بالزيارة التي تخفيها وننتظرها!!

 

ومن المواقف المضحكة ولا تُنسى موقف شاب يُدعى حامد المدَّاح من قرية أشمون الرمان بالدقهلية، ذهب لزيارة أخيه مصطفى بالإسكندرية، وفي هذه الأثناء ذهبوا ليقبضوا على مصطفى لأنه كان من الإخوان، فلم يجدوه فأخذوا حامد مكانه وحاكموه وسُجن 3 سنوات ولم يكن له أي علاقة بالإخوان!!

 

وقد كنا كثيري العطف على هذا المسكين الذي جاء معنا دون أن يكون له في الموضوع ناقةٌ ولا جملٌ، ولكن إرادة الله كانت خيرًا له ولنا، فقد صار هو من كبار الإخوان، وكانت قصة القبض عليه مدعاةً للتندُّر والفكاهة في أوقات السمر، ونقوم بتقليده عندما يسأله القاضي: إن الدستور يقول كذا.. وكذا.. ما أقوالك؟!

 

فيردّ منفعلاً: دستور مين.. والله ما شفته ولا أعرفه ولم أقابله.. والله لم أكلمه.. واجهوني به.. واجهوني به!!

 

ومن المواقف التي لا تخطر على بال ما حدث لـ"عبد الرؤوف بدران" من بني سويف أيضًا، وكان مسجونًا مع الإخوان، وأثناء فترة سجنه تجدَّدت حملات الاعتقال، وفي عصر أحد الأيام سمع من ينادي عليه من خارج جدران السجن: يا عبد الرؤوف.. يا عبد الرؤوف، وإذا بها أمه متلهِّفةً قلقةً عليه، فردَّ عليها مستفسرًا عن سبب اضطرابها ومجيئها في هذا الوقت وتلك الصورة، فقالت: بيقبضوا على الإخوان بره وجايه أطمن عليك!!

 

ومن طرائف الآباء مع أبنائهم المساجين الرسائل التي كان يرسلها والد الأخ علي صدّيق إليه مسجوعةً على غرار الرسائل الأدبية التراثية، وكان عليٌّ هو ابنَه الوحيد على بناته، ومن أمثلة هذه الرسائل الطريفة:

يا وحيد أبيه.. اعلم علمت الخير ونلته.. واسمع سمعت الرشد ووعيته.. أتطلب مني كمونًا؟! لقد حيرتني يا ولدي.. أأُرسل لك كمونًا مصحونًا أم غير مصحون؟ لقد أرسلت إليك الاثنين إتمامًا للفائدة.

 

وطلب منه أن يرسل إليه (بوت) ليستعمله في الرياضة، فردَّ عليه هكذا: لقد بحثت في كوم حمادة عن أبوات فلم أجد بها إلا بُلغًا ومراكيب..!!

 

وللذكريات الطريفة بقايا..