فلما كانت الليلة السابعة والثمانون بعد المائة الثالثة بعد الألف التاسعة؛ قالت فقرزاد:
ومما يُحكى أيها الملك السعيد، ذو الرأي السديد، أن خالد بن عبدالله القشيري كان أمير البصرة، فجاء إليه جماعة متعلقون بشابٍ ذي جمالٍ باهر، وأدب ظاهر، وعقل وافر، وقالوا هذا لصٌّ كبير، وأفاكٌ خطير، أصبناه البارحة في ديارنا، يسرق أموالنا ومتاعنا.

 

فنظر إليه خالد وأعجبه حسن هيئته، وسمته ونظافته؛ فقال: اخلوا عنه ثم دنا منه وسأله عن قصته.

فقال: إن القوم صادقون فيما قالوه، والأمر على ما ذكروا.

فقال له خالد: ما حملك على ذلك وأنت في هيئةٍ جميلة، وصورة حسنة؟ ألا تخشى غضب قوات التحالف عليك؟!!

فقال: حملني الطمع في الدنيا، وقضاء الله سبحانه وتعالى!

فقال له الأمير: ثكلتك أمك! أما كان في جمال وجهك، وكمال عقلك، وحسن أدبك زاجر يزجرك عن السرقة؟

قال: دع عنك هذا أيها الأمير، وامضِ إلى قضاء الله تعالى.

فسكت خالد ساعة يفكر في أمر الفتى؛ ثم أدناه منه وقال له: إن اعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني، وأنا ما أظنك سارقًا، ولعل لك قصة غير السرقة، فأخبرني بها.

قال: أيها الأمير لا يقع في نفسك شيء سوى ما اعترفت به عندك.

فأمر خالد بحبسه وأمر مناديًا ينادي بالبصرة: ألا مَنْ أراد أنْ ينظر إلى عقوبة فلان اللص فليحضر من الغداة إلى المحل الفلاني.

 

فلما أصبح الصباح؛ لم يبقَ أحد في البصرة إلا وقد حضر ليرى عقوبة ذلك الفتى، وحضر الأمير ومعه وجوه البصرة، ثم استدعى القضاة، وأمر بإحضار الفتى؛ فأقبل يحجل في قيوده، فارتفعت أصوات النساء بالنحيب، فأمر القاضي بتسكيت النساء، ثم سأل الفتى عن تهمته، فأقرَّ بها واعترف على نفسه بالتهمة.

 

فدعا الأميرُ السيافَ ليقطع يده ويقيم عليه حد السرقة، فاندفعت جارية من وسط النساء فصرخت ورمت بنفسها عليه؛ وارتفع للناس ضجة عظيمة، وصرخت الجارية بأعلى صوتها: ناشدتك الله أيها الأمير لا تعجل بالقطع حتى تقرأ هذه الرقعة، ثم دفعت إليه رقعة، فلما قرأ ما فيها، سأل المرأة عن القصة.

 

فأخبرته أن هذا الفتى جاسوس مدسوس، وأنه يفعل ذلك ليستعدي عليك الأسرة الدولية، فيتهمونك بالوحشية والرجعية، وتهديد المنظومة العالمية!

 

ولم تكمل الجارية حديثها، ولم تتم تحذيرها؛ حتى حاصرت المكان قوات المارينز، وأعلنوا احترامهم للشريعة الإسلامية، وتقديرهم للحدود الشرعية، وأن هدفهم كما هو معلن ومشهور، هو توفير الحرية للجمهور، وحماية البلاد من الزحف الإرهابي، والفكر الإيراني والوهابي، خاصةً بعد سيطرة القوى الشريرة، على ديار غزة ورفح.

فارتفعت أصوات الناس، ما بين مؤيد لحماس، أو متعاطف مع عباس!

 

غير أن الجارية أرادت أن تقول شيئًا فلم يسمعها أحد، وأعلن قائد المارينز أنه يحترم حرية الشعوب في تقرير مصيرها؛ وعليه فإنه سينسحب من المكان، في التو والحال، ولكنه للأمانة يذكرهم بأن الأمير خالد من أهل السنة، وأن الفتى المسكين من الشيعة، وهذا هو السبب الحقيقي لإصراره على قطع يد الفتى المسكين!

 

فثارت ثائرة القوم، وأفاقوا من الغفلة والنوم، وصاروا يقتل بعضهم بعضًا، الشيعي يقتل السني ويهدم مسجده، والسني لا يجد في القوم مَن ينجده!

وهنا انخرطت فقرزاد في البكاء والنواح، فسكتت عن الكلام المباح.