لا تزال دعوة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لمؤتمر دولي حول الشرق الأوسط تشغل صحف العالم الصادرة اليوم الأربعاء 18/7/2007م، وتركَّزت التقارير والتحليلات التي تناولت هذه القضية على الثغرات الواسعة في تلك الدعوة، إلى جانب قضية السجون السرية الأمريكية حول العالم وقضية العالقين على معبر رفح بين مصر وقطاع غزة.

 

ستيفن إيرلانجر- المحرر في الـ(نيويورك تايمز) الأمريكية- كتب تحليلاً قال فيه: إن هناك العديد من العراقيل التي تحُول دون تحقيق بوش أية إيجابيات من تلك الدعوة، ومن بينها عدم اقتناع الفلسطينيين بتلك الخطة لعدة أسباب، أولها أن بوش يحاول وضع حركة المقاومة الإسلامية حماس في نفس إطار تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وهو الأمر الذي لا يلقى قبولاً لدى الفلسطينيين؛ لأنهم يعرفون الفوارق بين حماس وغيرها.

 

إلى جانب ذلك يقول إيرلانجر: إن الوضع في الأراضي الفلسطينية معقَّد بصورة أكبر من تلك التي عبَّر عنها بوش الابن؛ حيث لا تتمثل المشكلة الفلسطينية في وجود انقسام الشعب الفلسطيني بين فتح وحماس، ولكنها تتمثل في العديد من الأبعاد التي تجاهلها بوش في خطابه.

 

ويدلل الكاتب على ذلك بالقول بأن بعض أنصار فتح يرون أن حماس تعرَّضت لظلم من المجتمع الدولي؛ حيث لم يتم إعطاء حكومتها أية فرصة من أجل تقديم ما لديها، فتعرضت الحكومة للعقوبات الدولية بمجرد الإعلان عنها، أي أن هناك تيارًا في فتح يتعاطف مع حماس في أزمتها مع الغرب، وبالتالي لا مجال للتقسيم الحاد "بين فتح وحماس" الذي اتبعه بوش.

 

كذلك يقول إيرلانجر: إن خطة بوش لا تلقى قبولاً من جانب حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى عدم اقتناع الكثير من الأمريكيين بتلك الخطة، وفي دليل على ذلك ينقل عن وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما قوله: إن "عدم الاعتراف بحكومة منتخبة ديمقراطيًّا لا يمثِّل درسًا في الديمقراطية" في دعوةٍ صريحةٍ للاعتراف بالحكومة التي شكلتها حماس.

 

وحتى الصهاينة يشكِّكون في إمكانية نجاح مخطط بوش، فيقول إن النائب عن حزب الليكود يوفال شتاينتز يرى أن الرؤية التي يقدمها بوش بدعم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لن تؤدي إلى تحقيق الاستقرار والسلام؛ لأن عباس لن يكون قادرًا على تحقيق أية وعود يقدمها للمجتمع الدولي.

 

 الصورة غير متاحة

بوش ومبارك

وحتى بين الدول العربية- يقول المحلل- فتلك الخطة لن تلقى قبولاً كبيرًا، فقد أجرى بوش اتصالاتٍ مع الرئيس المصري حسني مبارك والعاهلَين الأردني عبد الله الثاني بن الحسين والسعودي عبد الله بن عبد العزيز لحشد الدعم لخطته، إلا أنه من الواضح أن السعودية لن توافق عليها؛ لأن السعودية تدعو إلى الحوار بين فتح وحماس، بينما يدعو بوش إلى عزل حماس ودعم فتح.

 

وينتقل المحلل إلى رؤية الواقع الفلسطيني إجمالاً، فيقول إن المشهد كما يلي: حماس منتخبة ديمقراطيًّا، فيما يدعم الصهاينة والأمريكيون الحكومة التي يرأسها سلام فياض، التي إن نجحت في تقديم الخدمات الكاملة للفلسطينيين في الضفة الغربية فإنها ستكون فاقدةً للشرعية؛ لأنها غير منتخبة، وحتى لم تحصل على تأييد المجلس التشريعي الفلسطيني.

 

وفي النهاية يشكك الكاتب في أن الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي هي من صياغته هو شخصيًّا، وإنما هي من صياغة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس؛ حيث لم يقدم بوش موعدًا أو مكانًا محدَّدين لعقد الاجتماع أو حتى قائمة بالجهات التي ستحضر المؤتمر؛ مما يعني أنه لا يحمل في ذهنه أكثر من فكرة وجود مؤتمر ينبغي أن يعقد.

 

لا يمكن اقتلاع حماس

 الصورة غير متاحة

الـ(جارديان) البريطانية أيضًا أوردت تقريرًا أعدته سوزان جولدبرج من واشنطن، أشار إلى أن الكثير من الصهاينة يرون أن خطة بوش غير واقعية، لماذا..؟!! لأنه من الصعب اقتلاع حماس من الأراضي الفلسطينية، وينقل التقرير عن إم جي روزنبرج- من منتدى سياسة "إسرائيل"، وهو مؤسسة بحثية تهتم بشئون التسوية في الشرق الأوسط- قوله إنه من المستحيل اقتلاع حماس لأنها تسيطر على قطاع غزة، ولا يمكن في أية عملية تسوية تجاهل وجود القطاع والسعي فقط إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية.

 

كما يقول روزنبرج: إن دعوة بوش لذلك المؤتمر تأتي في وقت سيئ جدًّا بالنسبة للفلسطينيين بسبب الانقسام الراهن بين الفلسطينيين، وهو الانقسام الذي يعوق التوصل إلى حلٍّ، فعلى سبيل المثال لن تُدْعَى حماس إلى المؤتمر الدولي، وهو ما يعني تجاهل جزء كبير من الشعب الفلسطيني.

 

ويقلل التقرير من التوقعات بإمكانية إنتاج المؤتمر في حالة انعقاده أيَّ جديد، ومن الأدلة على ذلك الترحيب العربي الفاتر بالدعوة لإدراك الجميع أن أي مؤتمر مثل هذا لن يؤدي إلى جديد إذا لم يناقش قضايا الوضع النهائي، مثل الحدود والمياه، وهي القضايا التي نفى الأمريكيون أنها ستكون على جدول أعمال المؤتمر، كما أعلن الصهاينة رفضَهم أن تكون على جدول الأعمال، وينقل التقرير عن الرئيس السوري بشار الأسد قوله إن دعوة بوش لعقد المؤتمر ليست أكثر من تحرك إعلامي.

 

بالإضافة إلى ذلك فقد أشار التقرير إلى أن هناك بعض العوامل الأمريكية التي تحُول دون تحقيق أية نتيجة إيجابية من المؤتمر، وفي مقدمتها تبقِّي 18 شهرًا فقط لبوش في الرئاسة، وهي فترة قصيرة وغير كافية لتحقيق أي إنجاز على الساحة الفلسطينية، إلى جانب عدم إعطاء بوش أية تفاصيل حول جدول أعمال المؤتمر واكتفائه فقط بطرح الفكرة.

 

مأساة عالقي رفح

 الصورة غير متاحة

 الآلاف يفترشون الأرض عند معبر رفح انتظارًا لحل الأزمة

الـ(واشنطن بوست) الأمريكية نقلت الصورة المأسوية للفلسطينيين العالقين على معبر رفح بين قطاع غزة ومصر بسبب إغلاق المعبر، فذكر التقرير أن الفلسطينيين يعانون من ظروف لا إنسانية في المعبر، معطيًا نموذجًا بخولة الغلبان (البالغة من العمر 24 عامًا)، فيشير إلى أنها حامل في الشهر التاسع، وتوجهت من غزة إلى السعودية لإجراء عملية إزالة ورم سرطاني خبيث في الأمعاء، وهي الآن عالقة في مدينة رفح، لا تستطيع التحرك إلا بصعوبة، وكل آمالها في الحياة هي أن تضع مولودها في غزة.

 

وتقول: "أتوقع أن ألِدَ بين لحظة وأخرى، لكن زوجي وأموالي في قطاع غزة، ولا مال لدي لكي أدخل إلى المستشفى، فقط أريد العودة إلى بيتي"، ويشير التقرير إلى أنها تعيش حاليًّا في منزل في مدينة رفح المصرية، يملكه أحد كبار رجال العشائر الفلسطينيين من قطاع غزة.

 

ويأتي زهير أبو ملوح كنموذج آخر على معاناة الفلسطينيين ولكن في مدينة العريش، فهو "فلسطيني مبتور الساق، يعيش في غرفة تملأها الصراصير مع 18 شخصًا آخرين"، ويقول "مالنا ينفد!! أين نذهب؟! نتسول في الشوارع؟!" ويقول رأفت الجمال من مخيم الشاطئ في غزة إن جسده مليءٌ بالحروق، ويجب أن يذهب إلى المستشفى أو على الأقل يتلقَّى رعايةً جيدةً في المنزل.

 

وينقل صورةً شاملةً للوضع، فيقول إن خولة وزهير حالتان من حوالي 5 آلاف فلسطيني يعيشون في المناطق الحدودية بين مصر وغزة في انتظار فتح معبر رفح، فبعضهم يعيش في فنادق بلا خدمات وآخرون ينامون على الحُصْر في أي مكان يجدونه أمامهم، بينما لم يجد البعض المأوى إلا في العراء والكل يواجه خطرًا واحدًا وهو نفاد المال، وتقول منظمات الإغاثة إن الوضع الإنساني يتجه للتردِّي، على الرغم من أنه حاليًّا أفضل من فترات إغلاق سابقة، وبالتالي لا أحد يضمن إلى أين تسير الأمور!!

 

السجون السرية

 الصورة غير متاحة
 
وفي موضوع لا علاقة له بالشأن الفلسطيني وإن كان متصلاً بالانتهاكات الأمريكية عالميًّا، نشرت الـ(جارديان) البريطانية تقريرًا من واشنطن حول السجون السرية الأمريكية حول العالم، فقال التقرير إن الذي كشف المعلومات حول تلك السجون هم مسئولون في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ(سي آي إيه)، يعارضون قيام المخابرات بإدارة تلك السجون التي تقع خارج الأراضي الأمريكية، ويقوم فيها ضباط أمريكيون باستجواب المشتبه في تورُّطهم في أنشطة العنف المسلح عالميًّا، مستخدمين وسائل تخالف القانون الأمريكي.

 

ويشير التقرير إلى ما سبق أن قدمه السيناتور السويسري ديك مارتي من تقرير للاتحاد الأوروبي، أكد فيه وجود تلك السجون في بعض الدول الأوروبية مثل بولندا، إلى جانب تورُّط بعض الدول في تسهيل الرحلات الجوية المستخدمة في نقل المشتبه بهم إلى تلك السجون، وهي الرحلات المسماة بـ"الرحلات السوداء".

 

وينقل التقرير نفْيَ المخابرات الأمريكية ما ورد في التقرير واتهامها مارتي بالتحيُّز، إلا أنه يورد أيضًا تصريحات مسئول سابق في الـ(سي آي إيه)، التي أكد فيها وجود انشقاقات داخل المخابرات الأمريكية حول قضية السجون؛ حيث يوجد العديد من ضباط المخابرات الرافضين لإدارتها.