أحبة القلوب.. المهندس خيرت الشاطر وإخوانه الكرام

يعلم الله كم تشتاق النفوس لرؤياكم، وتحنُّ القلوب للقائكم، وتتلهَّف الأرواح لمعانقتكم!! فأنتم في القلب والعقل وفي كل جزء منا، وكيف لا وأنتم نور العيون وقرة القلوب وبصائر العقول.. نسأل الله أن يجمعنا على محبته وطاعته ونصرة شريعته والتمكين لدعوته.. آمين.

 

ويعلم الله كم تشتاق نفوسنا إلى الجنة وما يقرِّب إليها من قول ومن عمل، كما اشتاقت إليها من قبل قلوبُ المصلحين والمجاهدين والدعاة المخلصين على مدار التاريخ!! ولقد عبَّر عن ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بهذه العبارة الجميلة والبليغة "إن لي نفسًا توَّاقة ما تاقت إلى شيء إلا وبلغته، حتى تاقت إلى الجنة".

 

ونحن نعلم أنها سلعة الله الغالية التي تُوجب علينا أن نضحِّي بأنفسنا وأموالنا؛ مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ) (التوبة: من الآية 111).

 

وها أنتم أيها الأحباب تقدمون أنفسكم وأموالكم في سبيل دعوته ونصرة دينه؛ فحق لكم ألا ترضوا بغير الجنة جزاءً وثوابًا، وفي ذات الوقت نحن نؤمن بأن الجنة حُفَّت بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات، وندرك أيضًا أن كل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار عافية.
نعم يا أحبة القلوب..

 

إنكم في خير وعافية، رغم ما تتعرَّضون له من ابتلاء ومحنة بتغييبكم عن أهليكم وذويكم وإخوانكم، ليس هذا فحسب، بل بمصادرة أموالكم وممتلكاتكم، وتهديد مصالحكم، ولقد صدق الإمام الشهيد حسن البنا في مقولته الشهيرة "سوف تُسجنون وتُعتقلون وتُعذبون وتُقتلون وتُصادر أموالكم وتُفتَّش بيوتكم وتُهدَّد مصالحكم؛ فعندئذ تكونون قد بلغتم مسيرة أصحاب الدعوات".

 

ولقد اصطفاكم الله عز وجل بهذا الامتحان وهذا الابتلاء لعظيم منزلتكم عند الله سبحانه وتعالى "إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه؛ فإن وُجِدَ فيه صلابة زيد له في البلاء" ونحسبكم كذلك، وما هذه الأحكام العسكرية الظالمة إلا حلقة في سلسلة الصراع بين الحق والباطل، وما هي إلا بقدر الله عز وجل الذي تجري بيده مقادير كل شيء، ورغم أنها قاسية وظالمة للنفس، وقد أدمت قلوبنا قبل أن تدمع عيوننا؛ فإننا ندرك أنها الخير الذي لا اختيار لنا فيه وكما يقال: "الأفضل لك ألا تختار وفر من ذلك المختار"؛ فما اختاره الله لنا لا نرضى عنه بديلاً؛ لأنه يريد لعباده الخير.. نسأل الله ذلك.

 

فيا أحبة القلوب..

عندما نتأمل ما يدور ويحدث من أمور وأحداث؛ ندرك أن الله قد اختاركم لحكمة يعلمها وفقًا لقانون (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)) (طه) حقَّا إن الحبس والاعتقال والسجن ومصادرة الأموال محنة لها شدتها وآلامها وتداعياتها، ولكننا ندرك أنه كم من محن أصبحت منحًا!! وكم من منح أصبحت محنًا؛ فاختبار الله تعالى لعباده تارةً بالمسارِّ ليشكروا وتارةً بالمضارِّ ليصبروا، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير؛ فإن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له"، فصارت المحنة والمنحة جميعًا بلاءً؛ فالمنحة مقتضية للشكر، والمحنة مقتضية للصبر، والقيام بحقوق الصبر أيسرُ من القيام بحقوق الشكر؛ فصارت المنح أعظم البلاءين؛ ولذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "بُلِينا بالضراء فصبرنا، وبُلينا بالسراء فلم نصبر"، وما أجمل قول سيدنا علي: "يا ابن آدم، لا تفرح بالغِنى ولا تقنط بالفقر، ولا تحزن بالبلاء ولا تفرح بالرخاء؛ فإن الذهب يجرَّب بالنار، وإن العبد الصالح يجرَّب بالبلاء، وإنك لا تنال ما تريد إلا بترك ما تشتهي، ولن تبلغ ما تأمل إلا بالصبر على ما تكره".

 

أيها الأحباب..

إنه لحريٌّ بنا في هذا المقام أن نتذكر بعض المعاني التي تقوِّي من عزائمنا وتُنهِض من همَّتنا، والتي منها:

أولاً: التسليم التام والرضا الكامل بما يقدره الله لنا.

ثانيًا: اليقين بأن الله عز وجل أرحم بنا من أنفسنا، وأنه جل شأنه علاَّم الغيوب؛ مصداقًا لقوله تعالى: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (البقرة: من الآية 216).

ثالثًا: الثقة التامة في أن الله لا يضيع أجر المؤمنين.

رابعًا: حلاوة أجر المحنة تنسينا شدَّتها؛ فلا شك أن للمحنة آلامًا وأحزانًا في القلب والنفس، والتي سرعان ما تتلاشى بمجرد استشعارنا حلاوة الأجر والمثوبة، وهو رضاء الله وبلوغ جنته، والنظر إلى وجهه الكريم.

خامسًا: أن المحن تحمل في طيَّاتها العديد من المنح، والتي ندركها ونستشعرها في أنفسنا وأهلينا وإخواننا وما محن 54، 65 منا ببعيد!.

سادسًا: أن الأيام دول بين الناس، وهذا الظلم لن يدوم، ودولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: من الآية 140).

سابعًا: أنه من باع نفسه لله فلا حق له قِبَل من آذاه؛ لأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، ونحسب أننا قد بعنا، ونسأل الله أن يقبل ببيعنا هذا، وأن يكون ثمنه هو الجنة.
ثامنًا: الحقيقة القرآنية الخالدة التي سطَّرها الله عز وجل في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)) (فصلت)، فإذًا لا خوف ولا حزن... ولكن بشرى وأمل وثقة في وعد الله لنا بالنصر والتمكين.

 

أحبة القلوب..

إن مشاعر الحزن التي ملأت قلوبنا بسبب ما ألمَّ بكم قد ولَّدت فينا الكثير من المعاني والأحاسيس، التي تقوِّي من عزائمنا، وتُعلي من هممنا، وتدفعنا للسير في طريق الدعوة بعزم وثبات؛ حتى تتحقَّق الآمال والأحلام؛ فحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، وإن غدًا لناظره قريب؛ فصبر جميل والله المستعان وعليه التكلان، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصبرًا أيها الأحباب الكرام؛ فإن موعدكم الجنة بإذن الله.