العيد دائمًا رمز للفرحة والبهجة المشرقة، ينتظره كل الناس الكبير منهم قبل الصغير، ولكن العيد بالنسبة للمفرج عنهم في القضية العسكرية للشاطر وإخوانه له طعم مختلف تمامًا؛ حيث سيتذكرون فيه أحداثًا مؤلمةً تختلط مع مناسباتٍ سعيدة..

 

طعم آخر يصادفونه يُضفي على الحياةِ لمسةَ حزن مع قوةِ الأخوة؛ لتؤكد لهم أنهم على الحق وقدموا تضحياتهم لينيروا الدروب المظلمة، وتكون تأكيدًا منهم على بيعهم الذي اشتراه الله عز وجل.

 

خلف القضبان

(إخوان أون لاين) زار أسر المعتقلين المفرج عنهم في القضية العسكرية ليتذكر معهم عيدهم خلف القضبان وعيدهم في ظل الحرية الحزينة التي لم تكتمل الفرحة فيها؛ بسبب الأحكام الجائرة لبقية المعتقلين.

 

 الصورة غير متاحة

محمود المرسي

في البداية التقينا بالمهندس محمود المرسي أحد المفرج عنهم، والذي أكد أن العيد خلف القضبان يختلف عنه خارجه، فالعيد- والحرية مسلوبة- يتسم بالكآبة رغم محاولات إبداء السعادة لمَن حولك وخاصةً أسرتك.

 

ويشير المرسي إلى أنه كان يمنع أسرته من زيارته في العيد حتى لا يُعرِّضهم لكآبة السجن وعذاب الرحلة والأجواء المتغيرة في كل مرة، فليس من المعقول أن يأتوا لزيارته في باقي الأيام ويعانوا ما يعانونه ثم يأتوا حتى في العيد، مؤكدًا أنه لن يصبح عيدًا؛ لأن المعنى في أساسه، عيد في السجن، له وقع سيئ على النفس.

 

يوم جميل

وعن كيفية قضائه العيد في المعتقل قال المرسي إنه كان يقضيه في الرياضة والقراءة وحفلات السمر؛ حيث كنا نجتمع ونقوم بفقرات مختلفة كالشعر ومشاهد كوميدية ومسابقات ثقافية ورياضية، وأما الجوائز فكانت عبارةً عن شيكولاته أو كتيبات، ويضيف أنهم لم ينسوا السجانيين والمسجونين الآخرين فكانوا يشترون الحلويات ويوزعونها عليهم، كما تذكر المرسي الحفل الذي نظموه لأسرهم داخل السجن وكيف كان لهذا الحفل تأثير طيب على هذه الأسر للترابط الكبير الذي ربطنا معًا.

 

ويؤكد المرسي أن هذا العيد سيجعله مختلفًا لأسرته وسيعوضهم عن الأعياد السابقة في المعتقل؛ لأنه ستكون هناك زيارات للأقارب وفُسح خارج القاهرة، وكان من المقرر أن يذهبوا لزيارة المعتقلين في طرة إلا أنهم مُنِعوا من ذلك؛ لأنهم كانوا معتقلين في نفس القضية، مضيفًا أنهم سيحاولون ترتيب اجتماعٍ في العيد مع الأسر الـ15 المفرج عنهم ليتشاركوا معًا في الفرحة التي لن تكتمل طالما بقي إخوانهم الشرفاء وراء القضبان.

 

عيدنا في المعتقل

وتقول زوجة المرسي: إن العيد في المعتقل لم يكن له أي معنى أو طعم، وترتيبات العيد افتقدناها كثيرًا فكان يوم العيد يومًا عاديًّا، تحاول أن تقضيه وتعيشه هي وأبنائها، فضلاً عن أنها كانت تخفي حالتها النفسية السيئة عنهم.

 

وتضيف أن الأسر كانت تنظم رحلات في العيد لتسرِّي عن الأبناء، وعن أفضل عيد قضته وزوجها في المعتقل قالت: إن أي مناسبة تخص الأسر كانت بالنسبة لهم عيدًا؛ يتغلبون بها على إحساس الظلم والقهر، وتشير إلى أن المعتقل أصبح بيتنا؛ فالفرحة خارجه لم تكن فرحة كداخله مع كل الأسر والمعتقلين.

 

 الصورة غير متاحة

عاصم وعامر نجلا محمود المرسي

وفي حزنٍ قالت إن فرحة عيدهم هذا مبتورة؛ لأن رفقاء سنة ونصف السنة لن يشعروا بالعيد، وواقعون تحت ظلم قاسٍ، ندعو لهم ونعلم شعورهم؛ لأننا خضناه من قبل، متمنيةً أن تذهب أول يوم عيد بعد الصلاة لزيارة المعتقلين حتى تشعر بالعيد.

 

أما ابنتها أماني المرسي فتقول كنا نتظاهر بالفرحة؛ حيث إن العيد ليس له أي طعم، كان لنا برنامجنا الخاص في العيد وقد اختل نظامه؛ لأنهم قبل اعتقال والدها كان يخروجون كأسرة بعد صلاة العيد بالسيارة ليكبروا بصوت عالٍ.

 

وحول مشاعرها عن أول صلاة عيد ووالدها في المعتقل تقول أماني إنها بكت كثيرًا؛ حيث كان الإمام يدعو للمعتقلين، وتؤكد أماني أن خطتهم لهذا العيد أن يخرجوا كل أيام العيد ليستمتعوا به، وتضيف أنها ستتحدث مع كل الأسر لتهنئهم بالعيد، رغم أنها لن تكتمل فرحتها لأن بقيتهم ما زالوا في المعتقل.

 

ويضيف عاصم وعامر المرسي أن العيد في المعتقل لم يفرح به أحد، ولم يشعر ببهجته أحد؛ لأنه كان عيدًا غير طبيعي بدون والدنا.. صحيح أننا كنا نفرح بزيارة والدنا في العيد، لكن فرحتنا لم يكن لها طعم؛ لأنه كان معتقلاً، مؤكدين أن عيد هذا العام بالتأكيد سيختلف.. مش هيبقوا في البيت وهيخرجوا.

 

معية الله

 الصورة غير متاحة

د. أمير بسام

وعندما التقينا بالدكتور أمير بسام قال: إن الله سبحانه يُلقي في قلوب عباده الطمأنينة، وإن قضية السعادة مرتبطة بالله عز وجل، وليس بمكان أو حكم، فكنا نصلي العيد جماعة في المعتقل، ثم نبدأ في استقبال أسرنا، ونُقيم جلسةً طويلةً يملأها روح الفرح والسمر والحلويات؛ حيث إن ميعاد الزيارة من الساعة 9: 2 كلها فرحة وبهجة، بينما لم نكن نقضي كل العيد مع أسرنا ونحن خارج المعتقل.

 

وأشار بسام إلى أن شعور الفرحة يصاحبه شعور بألم فراق الإخوان في المعتقل، ورغم ذلك سنستقبل المصلين ونعلن أننا إخوان مسلمون، ولكن سيظل شعور الفرحة لا يكتمل حتى خروجهم، وقال بنبرة حزينة أن أكون معهم في الداخل أهون عليَّ ألف مرة من تركهم، وواجبنا أن نُدخل السرور على أسرهم ونعوضهم عن أحزانهم.

 

دموع لا تنتهي 

 الصورة غير متاحة

د. أمير بسام وسط أبنائه

وتضيف زوجته أن الوضع في الأيام العادية داخل المعتقل صعب جدًّا، فما بالك بأيام العيد فيه؛ حيث إن اليوم يبدأ بالدموع التي لا تنتهي وينتهي بنفس الأمر، كما أن العيد ذاته ينتهي بزيارة أول يوم.

 

وعن عيد هذا العام تشير أنه بالتأكيد سيكون مختلفًا، وسيكون الشعور أفضل؛ حيث كنا نفتقد أشياء نقوم بها، وها قد عدنا لها مرةً أخرى، ولن ننسى بالتأكيد مَن قضينا معهم سنةً ونصف السنة تجمعنا الأخوَّة والعشرة؛ فإننا ندعو لهم بأن يمنَّ الله عليهم مثلما مَنَّ علينا.

 

زينب بسام توضح أنها وأسرتها لم يكونوا يتخيَّلون العيد في المعتقل، وكانوا يتساءلون كيف سيكون العيد هناك؟ فالعيد كانوا ينتظرونه من العام للعام كي يقضوه مع والدهم؛ فكيف يكون داخل المعتقل؟! كان الوضع مؤلم، ورغم ذلك كان يعوِّضنا الإخوان عن ذلك، ورغم الألم هناك دائمًا أمل، بأن العيد القادم سيكون أفضل.

 

أما عيد هذا العام فتقول زينب إنه بالتأكيد يختلف وسيكون أفضل؛ لأن والدنا معنا ولكن سينقصنا فيه الفرحة لباقي الأسر، وندعو أن الله يلهمهم الصبر.

 

وتضيف شقيقتها زهراء أن مشاعر الظلم كانت هي السائدة فيهم، فكيف يفرحون بعيد داخل المعتقل، بالإضافة إلى تغير عاداتنا التي كنا نقوم بها في العيد؛ بسبب الظلم الواقع علينا، فقد كنا نرى الناس تذهب للعيد ونحن ذاهبون إلى طرة.. مقارنةً متعبة جدًّا.

 

ترابط أسري

 الصورة غير متاحة

ياسر عبده مع أسرته

المحاسب ياسر عبده يتذكر مثل هذه الأيام التي كان ينصبُّ تفكيرهم فيها على أسرهم في الخارج، وماذا سيكون وقع العيد عليهم في الداخل، ولكن رغم ذلك تكونت علاقات أسرية جميلة تربطنا معهم، ويضيف أن إحساس المعتقل كان أرق؛ حيث تكثر روحانيات الصفاء النفسي بعيدًا عن ضغوط المعيشة، ورغم قسوة التجربة فإن لها جانبًا مشرقًا في ذلك.

 

وعن طقوس العيد في المعتقل يوضح عبده أنهم كانوا يصلون العيد مع إدارة السجن ومع المسجونين الباقين، ويهنئون بعضهم بعضًا، ثم يأتي أهلنا فنحتفل معهم، وكنا نحدد لكل أسرة مكانها تجنبًا للمشاكل التي قد تحدث من ازدحام المكان.

 

وفي رأي مختلف ترى زوجته أن العيد في طرة كان من أجمل الأعياد رغم أنه خلف القضبان، صحيح أني أفتقد لزوجي لكن العيد هناك كان مناسبة لاجتماع كل أسر المعتقلين نتشارك في المشاعر الصادقة كما نتشارك ألم المحنة، وكنا نعد أطعمة العيد لهم وهم يقيمون الحفل لنا، أما هذا العيد فسنقوم بزيارة الأقارب ونحاول زيارة إخواننا في طرة.

 

أما زوجة المهندس سعيد سعد فتقول إنهم رغم قضائهم للعيد في المعتقل مع أسرتهم الكبيرة؛ إلا أن هذا العيد سيكون الأصعب بعد وفاة ياسر- ابنهم- ولا يعرفون كيف سيمر عليهم بعد غيابه إلا أن رحمة الله ستكتنفهم وتتغمَّده.

 

وترى زوجة الدكتور محمد حافظ أن العيد في طرة كان يتسم بالإحساس بالظلم والقيد، خاصةً أن الأطفال كانوا دائمي السؤال- ليه بابا مش هيجي معانا؟- كما أن العيد عندنا كانت له مظاهر، فكنا نخرج جميعًا لنشتري الملابس ثم نتنزَّه ونزور الأقارب، وكل ذلك ضاع أثناء فترة اعتقال حافظ.

 

وهو نفس ما اتفقت معه زوجة جمال شعبان، والتي أكدت أنه رغم خروج زوجها من المعتقل إلا أن هناك إخوةً ما زالوا في محبسهم أسيري الحرية؛ يقضون المناسبات بعيدًا عن أسرهم، فلا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، ولن تكتمل فرحتنا لأن جزءًا منا يفقد حريته.

 

أوقات صعبة

 الصورة غير متاحة

أحمد عز الدين

أما آلاء ابنة الصحفي أحمد عز الدين فترى أن أيام العيد مؤلمة وأصعب عليهم من أي وقت مضي، خاصةً أن هناك شخصًا أساسيًّا يفتقدونه، وكانت تجتمع معه الأسرة سابقًا، وفي المعتقل بعد أن كنا نقضي كل العيد مع والدي أصبح محظورًا علينا ذلك إلا يومًا واحدًا فقط.

 

وعن هذا العيد وهل سيكون مختلفًا عن كل سنة؟ تضيف أسحار عز الدين أنهم سيذهبون لزيارة أقاربهم؛ حيث ستعود "لمة العيلة" من جديد.

 

ويرى الدكتور محمد بليغ أستاذ الرمد أن العيد في المعتقل هو أول يوم فقط، وباقي الأيام هدوء موحش، لا يتسم بجو العيد من زينةٍ وفرحة، وهذا العيد سأقضيه في ألمانيا للعلاج هناك بعدما استعصى المرض على الأطباء هنا، وهذا السبب هو الذي منعني من زيارة إخواني في المعتقل؛ حيث كان مسموحًا لي بالزيارة لأن شقيق زوجتي الدكتور محمود أبو زيد هناك.

 

وتضيف زوجة الدكتور بليغ أننا كنا نُكيِّف أنفسنا على العيد داخل المعتقل ونفرح معًا، أما عيد هذا العام فلن نشعر به؛ حيث إن زوجي سيسافر للعلاج في الخارج وسنفتقده أيضًا، بالإضافة إلى أنها ستزور أخاها في المعتقل أول أيام العيد.

 

أين الاختلاف؟

 الصورة غير متاحة

 د. محمود غزلان مع نجله محمد

وهناك من الأسر مَن يرى أنه لا يوجد فرحة اسمها عيد؛ فالدكتور محمود غزلان يرى أن العيد خلف القضبان وخارجه لا يختلف أبدًا، فنحن في سجن كبير اسمه مصر، ممنوعون من السفر للحج، وويتم التنصت علينا في كل مكان، والمخبرون خلفنا يراقبون تحركاتنا؛ فإحساسنا بالعيد الحقيقي يوم أن يكون حال أمتنا جيدة وليس كما هي عليه الآن؛ لأن مشاعرنا أصبحت مقتولة.

 

وتقول زوجته: إننا منذ سنين طويلة نقضي أعيادنا في المعتقلات؛ فزوجي خرج وأخي دخل، ولم يتغير شيء عندنا.. نفس المشاعر والأحزان والإيمان ما زال موجودًا، وسيبدءون هذا العيد بزيارة أخيها خيرت الشاطر في المعتقل، وتضيف: نعلم أن ما نمر به صعب ولا يحتمله أحد، ولكن الحمد لله.