شهدت دار العلوم معركة طاحنة بين أبنائها، وبين الإنجليز وجنود الحكومة، ولم تنته حلقات الصراع في هذه المعركة حامية الوطيس إلا في منتصف ديسمبر سنة 1927م.

 

فقد كان الزي الرسمي لطلبة دار العلوم منذ أسسها علي مبارك باشا سنة 1872م هو زي الشيوخ المتمثل في الجبّة والقباء والعمامة، وكان اللقب الرسمي لطلبتها وللمتخرجين منها هو (الشيخ)، ولكن بعض الدرعميين العائدين من البعوث الأوروبية تمسكوا بزيهم الأوروبي، وحمل ذلك غيرهم من الشباب على التشبه بهم؛ فألقوا العمائم وخلعوا أرديتهم وهرعوا إلى ما يزعمون من بحبوحة الاحترام والحرية في المشي.

 

وساعد الانقلاب التركي وانتهاء الحرب العالمية الأولى في الكثير من التطورات والانقلابات، منها زي هؤلاء المشايخ وألقابهم.

 

وقد حركت فكرة مقاطعة البضائع الإنجليزية في سنة 1924م، ما كان ساكنًا؛ إذ اهتم الطلاب بالتفكير في اتخاذ زي جديد واحد لجميع المدارس من نسيج وطني، إلا أن الفكرة لم تظهر للوجود.

 

ثم طفت الفكرة مرةً أخرى على سطح الأحداث وأخذ الطلبة في نشر دعوتهم بصورة جدية في شهر يناير 1926م، وأحصوا مَن يستطيع الحضور بعد إجازة وسط السنة في 6 فبراير 1926م بالزي الإفرنجي، فكانت نتيجة الإحصاء أن وجدوا أغلبية يعتمد عليها في تنفيذ فكرتهم.

 

وتطورت الفكرة في ظرف أسبوع وانتهت بعقد مؤتمر للطلبة الذين قرروا دعوة جميع أولياء الأمور لتأييد حركة تغيير الزي، وتعاهد الطلاب أن يحضروا جميعًا بزيهم الجديد في بداية النصف الثاني من العام الدراسي في فناء المدرسة يوم الجمعة 5 فبراير 1926م.

 

وعلى الرغم من محاربة المدرسة للمشروع وتهديد أولياء الأمور، حضر الطلبة يوم السبت 6 فبراير بزيهم الجديد، بعد أن وضعوا حراسًا منهم على مفترقات الطرق، لمنع ضعاف النفوس من الطلاب من تسربهم إلى المدرسة بالزي القديم حتى لا يفشل المشروع.

 

وعندما اقترب (الأفندية) من باب المدرسة وجدوا الجنود يمنعون غير (الشيوخ) من دخولها، فلم يجد الطلاب بدًّا من الاحتيال، فارتدوا (الكاكولة) فوق الزي الإفرنجي ووضعوا العمامة، حتى إذا دخلوا المدرسة ألقوا العمامة وخلعوا الكاكولة!.

 

وكان صراعًا عنيفًا بينهم وبين الإدارة والجنود الذين أرادوا إخراجهم بالقوة بعد أن جازت عليهم الحيلة، ولكن الطلاب اعتصموا بدارهم ثلاثة أيام بليلتين، ولم يصدر قرار حاسم في الأمر حتى نهاية السنة.

 

وفي سنة 1927م سقطت الوزارة الزيورية، وعادت الوزارة الدستورية، وزار المدرسة وزير المعارف علي الشمسي الذي أُعجب بالطلاب وسلوكهم، ثم أصدر قرارًا وزاريًّا في منتصف ديسمبر سنة 1927م بتلقيب طلبة وخريجي دار العلوم بلقب (أفندي)، وبذلك انتهت المعركة مكللةً بالفوز والنجاح.

-----------

* المصدر: العدد الماسي من تقويم دار العلوم