قراءة الحديث الشريف وفقًا لمنهج البلاغة اللغوية ضرورة مستمرة للردِّ على من رفعوا راية القرآن الكريم وحده، وهو حقٌّ أرادوا به باطلاً ليهدموا الإسلام جميعه، ولتدارك عجز من قصَّروا في فهم السنة النبوية فهمًا صحيحًا؛ بسبب ضعفهم اللغوي والأدبي والعلمي.

 

بهذه الكلمات يفتتح الدكتور حلمي محمد القاعود كتابه "مدخل إلى البلاغة النبوية"؛ الذي يعيش في رحاب الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، فلا يمكن لبعض الناس الادِّعاء والزعم أن الإسلام يمكن أن يكتفي بالقرآن الكريم، وينسون أن السنة النبوية أساس لا يمكن تحت أي ظرف تجاوزه؛ فهي جزء أساس من التشريع، وتفسير له وتفصيل.

 

كذلك فالقرآن الكريم والسنة النبوية من منابع اللغة العربية الأساسية، ومن مكونات الهوية الثقافية للأمة، وحيث إننا في وقت الاستباحة الثقافية والاقتصادية والعسكرية لأمتنا؛ لذا فنحن في أمسِّ الحاجة إلى ترسيخ الهوية الإسلامية في وجدان الأجيال وأفئدتها، لنواجه هذا التيار الهادر من الثقافات، أو بالأحرى رواسب الثقافات الأجنبية، المغايرة لثقافتنا الإسلامية، والمعادية لها في أغلب الأحيان، وتقتحم بيوتنا وثقافتنا عبر الفضاء والإلكترونيات.

 

ويقر الدكتور القاعود بأنه ليس أول الباحثين في بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول إنه ظهرت دراسات عديدة من قبل، تتناول البلاغة النبوية، ولكنها تناولتها في إطارات مشتركة مع البلاغة القرآنية، أو في سياقات عامة، كانت البلاغة النبوية جزءًا هامشيًّا فيها، أو ركَّزت على القضايا التاريخية والنظرية، وأهملت الجانب التطبيقي، أو كانت الصياغة أكاديميةً جافةً تصعب على المتلقي، وخاصةً من الطلاب والشباب، ومع ذلك فلهذه الدراسات فضل التمهيد وتعبيد الطريق لهذه الدراسة، وقد تضمَّنت المراجع في آخر الكتاب كثيرًا منها.

 

ويسعى الكتاب إلى مخاطبة القارئ عامة، والقارئ الشاب الذي لم تُتَحْ له دراسة الحديث النبوي الشريف خاصةً، وتقديمه إليه بصورة متكاملة تشير إلى جوانبه البلاغية المتعددة، ولهذا حرص المؤلف على أن تكون صياغة هذا الكتاب سهلةً ميسرةً، قريبةً للأفهام، دون تسطيح أو تقديم مخلٍّ.

 

وتتكامل فصول الكتاب الثلاثة في تقديم صورة البلاغة النبوية بعمق وتركيز، فتتناول أولاً طبيعة البلاغة النبوية وأبعادها التي تُعرف بها، وتكشف عن طبيعتها، من خلال بلاغة الكلام والمتكلم، وبيان خصائص الأسلوب النبوي، والتوقف عند فصاحة النبي- صلى الله عليه وسلم- من خلال فصاحة الكلمة والكلام.

 

وتنتقل بعدها في دراسة تطبيقية للأساليب النبوية، تدور حول الأساليب الخبرية والأساليب الإنشائية، والتشبيه والتمثيل، والكناية والتعريض، والطباق والمقابلة، مع مراعاة أن يسبق التطبيق في كل أسلوب إشارةٌ موجزةٌ لطبيعة هذا الأسلوب، وفق ما اتفق عليه البلاغيون العرب، وقد تكون هناك إشارة خاطفة لبعض ما يراه علماء الغرب؛ من حيث التنظير لبعض الأساليب.

 

ولقد تضمَّنت الدراسة التطبيقية نصوصًا كثيرةً، وشواهد غزيرةً؛ لتستبين طبيعة الأسلوب موضوع التطبيق، وكلها من الأحاديث النبوية الصحيحة أو المتفق عليها.

 

ويعرض الكتاب دراسةً لفنون الحديث النبوي الشريف: القصة- الخطبة- الحوار- الرسالة- الدعاء، وهي صور وألوان وفنون كان لها دورها المهم في نشر الدعوة الإسلامية، وقد تعرَّض السياق لطبيعة هذه الفنون، مع المقارنة بينها في الحديث النبوي الشريف، والأدب المعاصر، والفارق الموضوعي الذي يميز هذا وذاك.

 

مع اجتهاد خاتمة الكتاب في إبراز خلاصته، تقدم بعض الطموحات المطلوب تحقيقها بالنسبة للسنة النبوية عمومًا، والبلاغة النبوية خصوصًا.

 

ومن هذه الطموحات أن تهتم المناهج التعليمية في المدارس والجامعات بتقديم البلاغة القرآنية والبلاغة النبوية ضمن مناهج التربية الدينية واللغة العربية؛ في صورة تتلاءم مع المستويات العمرية، والمراحل التعليمية المختلفة؛ ليكون الطالب على صلة بمفاهيم القرآن الكريم والسنة النبوية، ويتذوق جمالياتهما من خلال نصوص مناسبة، تجعله يطمح إلى القراءة والتمعُّن في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ويفيد من كنوزهما وعطائهما، بما يجعلهما من مكونات تفكيره وتصوراته.