صدر للكاتب الكبير د حلمي القاعود كتاب "ثورة الورد والياسمين من سيدي بوزيد إلى ضفاف النيل"، يبدأ المؤلف مقدمة كتابه عن ربيع الأمة ويوميات الشرف والكرامة بقوله: "مصر تنهض من نومها.. مصر تستيقظ بعد طول سبات".

 

ويقول: "سقط الخوف!"، موضحًا أن أول نتائج الثورة كان انتهاء عصر الخنوع والرضوخ والاستسلام للفرعنة والطغيان، وقرر الشعب الذي واجه الرصاص الحي أنه لن يستكين للطغاة بعدئذٍ، مهما كانت التضحيات!، ومع سقوط الخوف انكشفت فضائح ومفاسد لم يكن يتوقعها أكثر المتشائمين قبل الثورة.

 

ويضيف المؤلف: لقد آثرت أن تكون هذه الصفحات في سياق ما كنت أكتبه بصورة منتظمة على مدى السنوات الماضية، وقد كتبتها قبيل الثورة بأسابيع قليلة وفي أثنائها وبعد انتصارها، ولذا وضعت في المقدمة بعض ما كتبته قبل الثورة حول مواطن الخلل والفساد في المنظومة السياسية والإدارية التي عاشتها مصر، وظهرت من خلال ممارسات استبدادية فاشية تقنِّن للعنف وتزوير الانتخابات واحتقار العلم والبحث العلمي، والاستهانة بالجامعة وأساتذتها، والتعذيب حتى الموت في أجهزة الأمن، والتحرش بالإسلام وإهانته والزراية به، مع شنِّ حرب رخيصة ضد قيمه ومنهجه، والتشهير بالدعاة والحركة الإسلامية، وفي الوقت نفسه محاولة الظهور بمظهر التسامح وادِّعاء الديمقراطية؛ لدرجة أن كتبت مطالبًا بالديكتاتورية الصريحة لتوفير الدماء والأموال والوقت والجهد؛ مما يهدر دون مسوِّغ أو داعٍ، وقلت: فلتكن ديكتاتورية على طريقة الجنرال فرانكو؛ الذي توافق مع القوى الحية في إسبانيا على إعلان الديكتاتورية، مقابل التفرغ للعمل والإنتاج وحفظ كرامة الإنسان الإسباني، وبعد موته تعلن ملكية دستورية برلمانية، يملك فيها الملك ولا يحكم، وهو ما حدث بالفعل، وصارت إسبانيا تحقق دخلاً يقدَّر بسبعة أضعاف الدخل الذي يدخل للعالم العربي كله، بما فيه البترول والمعادن الأخرى!.

 

ثم كانت النتيجة التي تمثلت في ثورة تونس التي بدأت من سيدي بوزيد (نسبةً إلى أبي زيد الهلالي) حتى ميدان التحرير في القاهرة وبقية الميادين في مدن مصر وشوارعها، وامتدت إلى عديد من العواصم العربية؛ من أجل حياة حرة كريمة، لا مكان فيها لفرعون وهامان وجنودهما، وهو ما يجده القارئ الكريم في القضايا التي عالجتها الصفحات انطلاقًا من حوادث الثورة وتطوراتها وانتصارها بإسقاط النظام وأذرعه الإرهابية الرهيبة، وخاصةً جهاز أمن الدولة، والأمل أن يكون حكامنا ومسئولونا في المستقبل من الشباب الذي يعد أقدر على الحركة والإبداع والإنتاج والتجدد.

 

يقول الدكتور القاعود: لقد انتظرت هذه الثورة طويلاً، وظننت أني لن أراها قبل موتي، ولكن شاءت إرادة الله أن أشاهدها قبل الرحيل، وأن أسعد بها سعادةً لا توصف، وهذا يكفيني ويرضيني؛ لأن الأجيال الجديدة قادرة بإذن الله على مواصلة طريق الأمل، وبناء المستقبل على أسس العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والشورى والكرامة والحرية، ورفض الانحراف والمنكر والظلم.

 

لقد هَرِمْنا.. هَرِمْنا حتى جاءت لحظة الانتصار، كما قال مواطن تونسي كانت قناة "الجزيرة" تذيع عبارته في فواصل فقراتها.

 

وأسأل الله أن تكون هذه الكلمات حاملةً لنبض الأمة بطريقة ما، ويجد فيها القراء- وخاصةً من الأجيال الجديدة- انحيازًا للحرية والكرامة والشرف، وهو الانحياز الذي يجب أن نضحي من أجله بالروح والدم، حقيقةً لا مجازًا".