"فتبسم تبسم المغضب"!!

هكذا تعرفنا السيرة عن بعض تعبير النبي عن مشاعره وتوصيله رسالته لمَن حوله، بل حتى إنه أرسل رسالته عبر الزمن فقال: "اشتقت لأحبابي".

 

فنعرف جميعًا أن رسالته قد وصلت لمستقبلها بأبسط وأفضل طريقة، وهو ما نفتقده كثيرًا ونحن نعبر لبعضنا البعض، وخاصةً في علاقاتِ الزواج.. حين نُعبِّر عن الغضب والعتاب والرغبات والتقدير، فنُعبِّر بالكلمات كثيرًا وبتعليقاتٍ مقتضبة مُوجَّهة، وبالصمت وبالصوت العالي، والصراخ وباليد، فتصل الرسالة مراتٍ كثيرة ولكنها قد لا تصل مرات أخرى، ثم يمر ذلك الوقت الذي يستشعر فيه الزوجان أنَّ كلاًّ منهما يتصل بالرقم الخطأ في كل مرة.. فيعيد المحاولة فيظل يحصل على نفس النتيجة وهي "عذرًا.. زوجك لا يمكنه التجاوب معك... حاليًّا"!!.

 

وهنا تبرز فكرة استخدام وسيلة جديدة للتواصل والتعبير عن الذات والمشاعر، وهي الرسائل المكتوبة.. فنكتب فيها ما نريد أن نُعبِّر عنه تمامًا، وإرسالها للطرف الآخر بعدة طرق، وربما تكون الرسالة فكرة قديمة بقدم اتصال البشرية بعضها ببعض، إلا أننا سنستخدمها اليوم لنتعمق في نفوسنا ونُعبِّر عنها ثم نستخدم أفضل الكلمات، وما وراء الكلمات لتصل رسالتنا كما نريدها أن تصل لا كما نتمنى فقط.

 

لماذا رسالة؟

نستخدم وسيلة إرسال رسالة للزوج أو الزوجة؛ لأنها تعطينا الفرصة للتفكير الجاد الذي يُغلِّف الانفعالات المستبدة بالتعقل الموزون، فنأخذ وقتًا لننتقي الكلمات التي تُعبِّر عن حقيقة المشاعر؛ لأن فيها من بذلِ الجهد في الكتابة المتعمقة ومحاولات التواصل الحقيقية ما يُمهِّد الطريق للتقارب والتفاهم الفعلي، كما أنها مثلاً حين تضع الزوجة رسالةً لزوجها في مكانٍ ما عليها أن تتيقن أنه سيجدها وسيقرؤها.

 

وهي كذلك فرصة بين ضغوط الحياة والظروف لإنعاش الرومانسيات الرقيقة وتجديد مشاعر الحب، وحسن العشرة ثم إننا سنحسن الفرص بأن نتيح للطرف القارئ الفرصة كي يقرأها منفردًا.

 

كما أنها أسهل في التعبير لأنها تتيح لنا ترتيب الكلمات ثم قراءتها ثم تقييمها وتخيل انطباعات الطرف الآخر وردود فعله عليها ثم إن معرفته بعدم الدخول في نقاشات أو جدالات تهيئ النفس للانفتاح على كل ما فيها والتعبير عنه بصدق.

 

عنصر المفاجأة حين تصل الرسالة لأحد الطرفين يكون لها فضل كبير في تغليب المسامحة والحب على التعنت والأسف واستشعار رغبة الآخر في التقرب والتودد.

 

سامحتك بالورقة قبل الكلمات

إن أفضل ما في الرسالة هي تمكنها من اختراق حواجز الشعور بالإهمال من الطرف الآخر؛ لأنه حالما يجد الرسالة فإنه سيشعر باهتمام خاص وتودد ما سيذيب أي مشاعر سلبية محتقنة سريعًا قبل حتى أن يبدأ بقراءة الورقة.

 

سنكتب الرسالة في مسودة أولاً فنُعبِّر فيها عن كل ما نريد بغير تفكيرٍ ولا تجمل.. ثم نعيد قراءتها ثم نقرأ كل جملة على حدة ونسأل أنفسنا (ماذا سيفهم من هذه الجملة؟، هل يمكن أن يفهم أي شيء آخر؟، كيف أصيغ ذلك حتى يفهمها بشكلٍ صحيح تمامًا كما أريده أن يفهمها؟).

 

بعد أن نعيد الصياغة بشكلٍ مفهوم تمامًا ولا يحتمل عدة معان.. سنستبق ما أردنا قوله بجملة حب أو جملة تقديرية كما فعل النبي حين أراد أن ينصح سيدنا معاذ بن جبل فقال: "يا معاذ والله إني لأحبك.."، فيمكننا مثلاً أن نقول: "أنا أُقدِّر فعلاً كم تتعب ويرهقك العمل كثيرًا، إلا أننا جميعًا نفتقدك رغمًا عنا ونود أن تعطينا ولو 10 دقائق فقط تجلس معنا فيها لنتحدث مع بعضنا عن يومنا بعد العشاء".

 

 
"لن يستطيع هذا القلم الضعيف أن يُعبِّر لك عن مشاعري تجاهك، والتي لن تتغير أبدًا مهما قست الظروف وضاق الوقت.. وهذا ما جعلني في غاية الحزن حين قلت لي.....".

 

كما في الحديث القدسي حين عاتب الله- عز وجل- النبي الذي قرصته نملة فأمر بقرية النمل فأُحرقت عاتبه فقال: "فهلا نملة واحدة"، كما في أحد روايات الحديث.. فكان العتاب موصولاً بالفعل المطلوب والمتوقع.

 

في النهاية الرسالة يجب أن تكون عبارة عن تقدير ومشاعر حميمة يلحقها النصيحة أو العتاب أو الطلب الذي أريد ثم أنهيها بتشجيعٍ للطرف الآخر وتأكيد ثقتي فيه وفيما سيفعل.

 

احتياج لا ينتهي

كلنا يحتاج أن يشعر بحب وتقدير الآخرين، وخاصةً الأقربين، وهذا الحب والتقدير ليس عن أفعاله وأقواله المتجددة فقط وإنما لذاته.. ومَن لا يفرح بتقدير رقيق برسالة مفاجئة فيها: "كم أقدر رقتك الدائمة معي"، أو "أعلم كم ترهق في العمل من أجلنا جميعًا.. شكرًا لك فعلاً"، أو "كم تعتنين بنا جميعًا وتجعلين بيتنا دائم الجمال والنظام.. فقط أريد أن أخبرك كم أُقدِّر ذلك".

 

فيجب أن نرسل هذه الرسائل كثيرًا، وليس فقط لأتباعها بطلب أو نصيحة أو عتاب، وعلينا ألا نخشى ونحن نُعبِّر عن حبنا وتقديرنا وامتناننا لشركائنا في الحياة أن نبدو مبالغين أو متملقين؛ لأن هذا ليس سيئًا إطلاقًا، ومهما تصنَّع الآخرون أنهم لا يحبون ذلك فإن ذلك يُسعدهم حقًّا.

 

كم أنت سخيف!!

إن الاتهامات التي قد يتبادلها الطرفان دائمًا ما تفتح بابًا من الجدل للدفاع عن النفس، ثم يفتح باب الجدل بابًا آخر لتصيد الأخطاء واسترجاع القديم منها، كما أنها تُدخل الطرف الآخر في دوامةٍ من اليأس من التغيير وتعطيه انطباعًا دائمًا أنه مهما بذل من الجهد فلن يُرضي شريكه ويراه دائمًا ناقدًا غير محب!!.

 

فيجب ألا تحمل رسائلنا اتهامًا بل لنجعله عتابًا واضحًا واحدًا محدد المظهر، ولا نستخدم الجمل على غرار "أنت دائمًا ما تفعل ذلك".. فهي تحمل من التعميم ما سيثير روح الدفاعية، وبالتالي رفض الرسالة عند الطرف الآخر.

 

والجمل على غرار "أنت تفعل الكثير من أجلي ولكن.." سيعي منها المستمع أو القارئ ما بعد كلمة "لكن" فقط  لذا يجب أن تستدل كلمة لكن بـ"و لذا أرجو أن تلحقها بأمرٍ صغير جدًّا، وهو ..".

 

كما أن الجمل التي تضغط على أزرار نقاط ضعف أو غضب الطرف الآخر يجب ألا تستخدم أبدًا.

 

تحت طبق البيض

 الصورة غير متاحة
في الصباح يمكن وضع الزوجة الرسالة لزوجها تحت طبق البيض بشكلٍ شبه ظاهر ثم تذهب لتحضر شيئًا آخر لتترك له الفرصة ليقرأها وحده.. الرسائل الصباحية تترك انطباعاتٍ تدوم طوال اليوم وتؤجج المشاعر الجميلة، كما يمكنه هو أيضًا أن يخفيها تحت طبق البيض؛ لأن زوجته حتمًا سترفعه من المائدة لتغسله فترى رسالته.

 

على المرآة الحمام وبمغناطيس على الثلاجة وبين فرشات الأسنان وعلى الحقيبة أو داخلها وفي حقيبة طعام العمل أو في جيب السترة وغيرها يمكننا ترك رسائلنا، كما يمكننا إرسالها بالبريد.. ستكون لهذه حتمًا مذاق متميز.

 

ويجب أن نتساءل متى أرسلنا لأزواجنا رسائل ولو على الجوال فيها من المشاعر والامتنان والتقدير أو التناصح الودود أو عتاب دلال؟؟ 

الإجابة نفسها ستُعبِّر عن أحوالنا وسعادتنا الزوجية!!