لا شك أن الدعوة إلى الله لها دور كبير في إسلامنا الحنيف، فمن خلالها نوضح حقيقة الإسلام وسماحته للمسلمين وغير المسلمين، وهي أيضًا من أفضل الأعمال في الإسلام ومهمة عظيمة، القائم عليها يسير على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم وباقي الرسل والصالحين، قال تعالى: (هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) (يوسف: من الآية 108).

 

ولكن وسط مهام الدعوة الملقاة على عاتق الداعية، بالإضافة إلى مهام الحياة العادية، والتي كثرت نتيجةً للأوضاع التي تعيشها مجتمعاتنا، وسعي كل منا إلى رزقه، ننسى أو نتناسى بيوتنا وأولادنا، فلذات أكبادنا، الذي يسعى لهم كل منا من أجل حياة أفضل لهم.

 

وتقع على عاتق الداعي إلى الله مسئولية كبرى تجاه أهل بيته (زوجته وأولاده)، فهو مكلف أولاً وقبل أن يوصل صوته للناس عامة، أن يصل لقلوب أهل بيته أولاً، فكما يقال: (الأقربون أولى بالمعروف).

وهنا كثيرًا ما نرى انفصامًا بين واقع الداعية خارج البيت عن واقع حياته بداخله مع أهله، فنجده بشوشًا متفائلاً في وجوه من يدعونهم، متجهمًا عابس الوجه مع أهل بيته، بحجة أن مَن يدعونهم يحتاجون إلى ذلك الوجه الطلق، أما أهل بيته فلا يجدون سوى ذلك الوجه الخشبي.

 

وبالطبع تكون النتيجة المتوقعة لذلك أن نرى أيضًا انفصالاً بين ما يدعو إليه الداعية من قيم وفضائل، وواقع بيته الذي قد يكون أبعد ما يكون عن تلك القيم والفضائل؛ نتيجة لواقع علاقة الداعية بأهل بيته.

 

وقد اشتكى لي أحد الأصدقاء بأن ابنه أبعد ما يكون عن الالتزام بتعاليم الإسلام رغم أنه– أي الأب– وأمه من كبار الداعين إلى الله في حيهما، وحينما جلست مع الولد وسألته، قال لي جملة وهي: (دع مَن يدعونهم ينفعونهم)، ثم قال إنهم– أي والديه– قد اهتموا بالغريب ونسوا أقرب الناس إليهم ولم يحسنوا تربيته، وأردف قائلاً: إني أكره تلك الدعوة التي أخذت أبي وأمي مني!
ثم نسأل أنفسنا بعد ذلك هل ما فعله الابن طبيعي؟ أم ما فعله الوالدان؟

 

وهنا أقول لكل داعية إلى الله فليكن قدوتك مع أهل بيتك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فأول من دعاهم إلى الإسلام أهل بيته (السيدة خديجة رضي الله عنها)، وأهل بيته عامة (أقاربه وأبناء عمومته)، ثم أصحابه، ففي صحيح مسلم عن عائشة قالت: لما نزلت: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (214)) (الشعراء)، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال: "يا فاطمة بنت محمد! يا صفية بنت عبد المطلب! يا بني عبد المطلب! لا أملك لكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ما شئتم".

 

ولنسأل أنفسنا سؤالاً: ما الذي دفع بالسيدة خديجة رضي الله عنها أن تتقبل كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلن إسلامها رغم أن الكل قد كذبوه، إلا إذا كان لواقع تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم معها صدى في قلبها؟!.

 

فليسأل كل منا نفسه سؤالاً: هل سيتقبل أهل بيته كلامه كما يتقبله من يدعونهم؟، وإذا كانت الإجابة هي (لا)؛ فعليه أن يعيد ترتيب البيت من الداخل أولاً قبل أن يخرج ليدعو المجتمع.