أمانة الصوت

أخي الناخب.. أختي الناخبة

تمر مصر الآن بمرحلة تاريخية حساسة وفارقة في تاريخها الحديث، وهي إعادة تأسيس لدور مصر الريادي والحضاري في المنطقة العربية والعالم.

 

ومن هنا يعطي العالم للانتخابات البرلمانية المصرية أهمية بالغة؛ لأنها ستفرز من يشكل الوجهة الحضارية لمستقبل مصر، ومن هنا يفرض علينا الواجب الشرعي والوطني والخلقي ضرورة التحلي باليقظة والإيجابية والوعي عند الاختيار، بعيدًا عن السلبية والهوى والعصبية والعاطفة، حتى يتم الله علينا نعمته بتحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي لأبناء الشعب المصري.

 

وعلى هذا نضع بين يديك أخي الكريم هذه الضوابط؛ لتكون دليلاً لك عند الاختيار:

التصويت شهادة:

شهادة منك لمَن تختاره (حزبًا أو فردًا) بأنه أهل للمهمة التي يتقدم إليها، وإياك وشهادة الزور، فمن صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)) (الفرقان).

 

التصويت شهادة فلا تمتنع عن أدائها، وقد دعيت إليها قال تعالى: (وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) (البقرة: من الآية 282).

 

التصويت شهادة فلا تكتمها قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)) (البقرة)، (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة: من الآية 283).

 

التصويت أمانة:

ومن معاني الأمانة أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال: "إذا ضيعت الأمانة" قيل: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة" (رواه البخاري). وعكس الأمانة الخيانة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)) (الأنفال).

 

فاحذر أن تكون مضيعًا للأمانة عندما تسند الأمر لغير أهله بسوء اختيارك!.

 

ضوابط الاختيار:

والاختيار حتى يكون سليمًا لا بد له فيه من النظر لأمرين:

 

الأول: الصفات الشخصية:

بمعنى أن يكون ذا خلق ودين وعدالة بين الناس، وأن يتمتع بسمعة طيبة بين الناس، معروفا بالثبات على الحق، والتضحية بالمصالح الخاصة من أجل المصالح العامة، غير معروف بالنفاق والكذب، ولا يقدم رِشًى للناس في ثوب الهدايا والتبرعات ليشتري أصوات الناخبين، ولا يجامل أصحاب النفوذ على حساب المصالح العليا للشعب.. ونحو ذلك من الصفات.

 

الثاني: الصفات المهنية:

بمعنى أن يكون ذا خبرة وكفاءة للمهمة التي يتقدم إليها، وهذا يتوقف على نوع المهمة، ومهمة نائب الشعب بالأساس محاسبة الحكومة إذا هي قصرت في أداء واجبها تجاه الشعب، ومراقبة الأجهزة التنفيذية والوزراء والمحافظين، ومراجعة الموازنة العامة للدولة، وتحديد أولويات الإنفاق العام..إلخ.

 

كما أن له دورًا تشريعيًّا في سن التشريعات والقوانين المتعلقة بالتعليم والصحة والأمن والإسكان والاقتصاد..إلخ.

 

وهذه الصفات المهنية تعني بإيجاز: "الخبرة الكافية واللازمة بأمور السياسة والإدارة العامة للدولة".

 

- وعلى هذين المؤهلين (الخلقي والفني) قدم يوسف- عليه السلام- نفسه لإدارة شئون مصر في فترة صعبة من تاريخها القديم حين قال: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)) (يوسف)، عليم بأمور الإدارة وسياسة الرعية والزراعة والتخزين والحساب، وهو ما كانت تحتاجه مصر في تلك الفترة.

 

- واختار نبي الله سليمان- عليه السلام- (الأكفأ) في أداء المهمة، فأخر من قال: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ) (النمل: 39) لصالح من قال: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (النمل: 40)، وكلاهما كان أمينًا.

 

فإذا تساوت الأمانة وتفاوتت الكفاءة قدم الأكفأ بلا نزاع، والكفاءة في كل مهمة بحسبها.
وقد حذَّر الإمام أحمد بن حنبل من تقديم الصالح الضعيف وقال: "وأما الصالح الضعيف، فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين".

 

وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يولي أبا ذر الغفاري، وهو من هو في التقوى والورع، لكنه غير مناسب ولا مؤهل للقيام بالمهام العامة على الناس، وقال له: "يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها" (رواه مسلم).

 

ومصر في الأوضاع الحالية لا تحتمل مزيدًا من التجارب الفاشلة، وليس المقام الآن مقام التعلم، وإنما مقام التنفيذ بالدرجة الأولى.