هل تمثل وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة دورًا مهمًّا في تحديد هوية وثقافة الشباب المسلم؟!

 

هل تفشي ظاهرة الطلاق مؤخرًا خاصة في السنوات الأولى للزواج يمكن أن يعود إلى أسباب ثقافية أو عيوب في التربية، أم أن له علاقة مباشرة بالإعلام وما يقدمه من مواد هدامة؟!

 

هل نفتح أبواب الإعلام على مصراعيها أمام أبنائنا أو نغلقها؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه فيما يلي:

 

في مصر أكدت دراسة لمركز المعلومات بمجلس الوزراء أن الطلاق في تزايد مستمر حتى وصل إلى 40% من نسب الزواج في كثيرٍ من المحافظات، وكان نصف هذه الحالات في السنة الأولى وحوالي 70% منها في الزواج الأول ومعظم الحالات من الشريحة العمرية التي تتجاوز 30 عامًا، وقد زادت هذه النسبة بعد قانون الخلع الذي يعد الوسيلة السريعة لإنهاء الزواج من جانب المرأة التي جاء تعليلها في بعض الحالات مثيرًا للضحك مثل عدم اقتناعها بزوجها لأنها لم تجد فيه فارس أحلامها أو أن شخيره أثناء النوم يزعجها، في حين تعلل بعض الأزواج بأن زوجته ليست جميلة مثل مشاهير الفنانات والراقصات فيلجأ إلى الطلاق.

 

وفي دراسات خليجية أكدت أن نسبة الطلاق في دول مجلس التعاون الخليجي وصلت إلى حوالي 47% معظمها بين الشباب وأعلى معدلاتها في الكويت؛ حيث بلغت قرابة إلى 48% وفي السعودية 35% وفي الإمارات 26% وفي معظم الحالات تم الطلاق في السنة الأولى من الزواج.

 

ولم يختلف الوضع كثيرًا في دول المغرب العربي؛ حيث تؤكد الدراسات الاجتماعية أن نسبة الطلاق 25% أغلبها خلال العامين الأولين من الزواج.

 

وأكد تقرير صدر مؤخرًا عن وزارة العدل السعودية أن واحدة من كل أربع زيجات انتهت بالطلاق، وأعلاها كان في جدة والرياض والمنطقة الشرقية، أما في الأردن فإن 80% من قضايا السيدات أمام المحاكم لطلب الخلع باعتباره الوسيلة السريعة للقضاء على تعنت الزوج وتأخر أحكام القضاء إذا طلبت الطلاق للضرب.

 

ويأتي ذلك في الوقت الذي تضاعفت فيه معدلات العنوسة في بلادنا العربية وتلك قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار في أي وقت.

 

تلك العناوين والإحصائيات أصبحنا كثيرة الاطلاع عليها في الفترات الأخيرة، بل إنها أصبحت في تزايد مستمر من مكان إلى مكان داخل الوطن العربي الكبير حتى إنها لم تعد مثارًا للدهشة أو العجب، وأصبح من السهل علينا أن نتلقى خبر طلاق أي من المتزوجين حديثا- خلال السنة الأولى- وذلك بعد أن لجآ إلى المحاكم الشرعية التي أصبحت مكتظةً بمثل تلك الحالات دون مراعاة لأخلاق أو عرف أو دين، وربما بعض هذه الحالات أو أكثرها كانوا على معرفة ببعضهما بفترة قبل الزواج، ومع هذا يقول كل طرف بأنه فوجئ بأن الطرف الآخر لا يفهمه أو إنه ليس من كان يحلم به.

 

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)) (الروم).

 

لقد ظلت الأسرة المسلمة منذ أن بزغ فجر الإسلام؛ الحصن الأول والمنيع لكل فرد من أفرادها ومحضنًا دافئًا وأمينًا على أفراخها ومصدر سعادة واستقرار لربانها ومنبع الحب والأمن والأمان للزوجة والأم.

 

ولنا في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والمقتدى ومن أحب أن يستقي أروع قصص الحب والعطاء والذوبان بين أفراد الأسرة الواحدة فلينظر إلى البيت النبوي الكريم، فهذه هي العلاقة الراقية المتحضرة التي تشمل أقوى قصص الحب والوفاء والتفاني والإخلاص في حياته صلى الله عليه وسلم مع السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم تلك القصة الرائعة للإنسانة الرائعة الشابة التي تتحبب إلى زوجها ويتحبب إليها فيدللها وتدلله- مع احتفاظها بمكانته كنبي مرسل لا مجرد زوج عادي- ومع هذا تعيش السيدة عائشة رضي الله عنها مع حبيبنا المصطفى في حياةٍ تتمناها كل امرأة وكل فتاةٍ تعيش في عصرنا هذا، تفهم معنى أن تكون زوجةً لرجلٍ يعود من عمله تعبًا مهمومًا وربما مكدرًا من كثرة أعبائه- ومَن أكثر عبئًا من رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم؟- فإذا بها الزوجة المنتظرة زوجها باشتياق وتودد وحب تنسيه مع حنانها تعبه وكدّه فإذا به بدوره يفيض عليها حنانًَا ومودةً (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ (60)) (الرحمن).

 

وهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم أبًا وجدًّا وكيف كان تعامله مع أبنائه، وخاصّة مع ابنته التي لم يعش له غيرها في نهاية حياته عليه الصلاة والسلام السيدة فاطمة رضي الله عنها، كيف كان يعاملها وولديها وزوجها، وكيف كان يوازن بين حبه لزوجاته وواجباته تجاههن وحبه لابنته وزوجها وكيف كان يعالج الخلافات بينهما برفق وحكمة، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم اشترى بيتًا لابنته كي تكون قريبةً منه، وكيف كان يدلل أحفاده ويربيهم رغم كثرة ما يشغله- بل كما قلنا فليس إنسانًا على وجه الأرض أكثر شغلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم- ومع هذا لو غصنا قليلاً في حياته عليه الصلاة والسلام واقتربنا من بيوتاته الفضلى لرأينا عجبًا ولملأنا الكتب من عظم المواقف وروعة الحياة داخل البيت النبوي.

 

وعاش المسلمون دهورًا يستقون من معين تلك السيرة العطرة ويتعلمون من حبيبهم المصطفى كيف يتعاملون مع  الأهل والولد  حتى أن الأسرة المسلمة في كل الحروب الصليبية وغيرها ظلت حصنًا حصينًا في مواجهة أي محاولة لتخريبها أو مجرد النيل منها وظلت الأسرة المسلمة هي المفرخ الرئيسي لإخراج الرجال والمجاهدين والأمهات الصالحات والزوجات القانتات.

 

وقد تعرضت الأسرة العربية المسلمة إلى هزات عنيفة ومحاولات مستميتة للإيقاع بها فيما وقع فيه الغرب من قبل، خاصّة بعد التنبه إلى أهمية تلك المؤسسة في إخراج نشء مسلم قادر على الأقل على الاحتفاظ ببعض القيم التي تغرسها فيه الأسرة .

 

 ولما كان مخططًَا لهذا المجتمع أن يتفكك وينحل تنفيذًا لتلك المخططات فقد اتجهت الأنظار وبقوة لتلك المؤسسة لمحاولة النيل منها بعدما وقعت قبلها مؤسسات كثيرة أو كادت منها دور المسجد ودور المدرسة والمعلم ودور العلماء وهيبتهم واحترامهم .

 

ومن الوسائل القوية التي استخدموها في ذلك كانت وسائل الإعلام التي قد طالت كل بيت ومنها التلفاز بفضائياته المتعددة والتي قدمت لفترة طويلة من الإسفاف الذي يدمر العقول والقلوب، ثم تلاه الإنترنت الذي كان السلاح الأقوى في كل بيت ووجد فيه الشاب والفتاة بغيته بديلاً عن الأب والأم "المشغولة" بعملها خارج البيت أو ربما تكون هي الأخرى مشغولة بوسيلة من هذه الوسائل، وأصبح الغالب على كل أفراد الأسرة أن ينزوي كلٌّ في مكان منفردًا بما يبث إليه من سموم وأفكار مفتوحة على عالم هو ليس محصن ضده بأية أفكار سوى الفراغ والثقافة السطحية .

 

ثم ها هي الفتاة المسلمة تجلس طيلة الوقت أمام التلفاز بما فيه من مسلسلات وأفلام تصور لها العلاقات الغير مشروعة على أنها الحب والإخلاص وتصور زواج الرجل من أخرى بالخيانة العظمى، وتصور أن الحياة الزوجية ما هي إلا مجموعة من كلمات الغزل بلا مشكلات يمكن أن تعصف بها إن لم تتصدى لها بجدية وتكون عندنا الرغبة القوية في الحفاظ عليها، فتترسخ بذهنها كل تلك المفاهيم دون أن تشعر ثم تبدأ هي في وضع مواصفات فتى الأحلام في خيالها بناءً على ما تشاهده كل يوم من تلك الأفكار، وتبدأ في رسم حياة الأوهام في مخيلتها حتى إذا جد الجد وأصبحت زوجة اصطدمت بواقع لم تتخيله ولم تُربّى عليه وهي أن لكل حياة مشكلات وعقبات وأنها يجب عليها أن تقدم بعض التنازلات كما على الطرف الآخر أن يفعل حتى يمكن أن تستمر المسيرة ويقبل كلٌّ منهما الآخر بميزاته وعيوبه، وها هي تراها في كل مشكلة وفي كل موقف تستعيد تلك الصورة من مخيلتها- صورة فارس الأحلام الذي وضعته لنفسها- فتجد أن هناك بونًا شاسعًا بين ما كانت تحلم به وبين ما تراه الآن فتحدث الصدامات وتهب الرياح ويحدث ما لا يحمد عقباه.

 

أما الشاب فلا يختلف كثيرًا عن الفتاة في ذلك فها هو يتخيل الزوجة الجميلة طول الوقت المرتبة المهندمة- كما يراها في الأفلام والمسلسلات- أو بما كانت تمنيه هي أثناء فترة الخطبة، وبعد الزواج تدخل المرأة في فترة الحمل والإنجاب وما يتبع ذلك من انشغال عن الزوج وحقوقه وإهمال ربما يكون في معظم الأحيان غير متعمد، فإذا بالزوج يقارن بين ما كان وبين ما هو كائن وإذا به يمد بصره هنا وهناك باحثًا عن تلك الصورة الجميلة التي وضعتها في مخيلته وسائل الإعلام التي تعرض المرأة حتى وهي في فراش الموت في أبهي صورة وفي كامل زينتها.

 

ويرفض الزوج الوضع الجديد وكذلك ترفض الزوجة الإصغاء للعقل ومحاولة تحديد المشكلة ووضع حل لها وينزوي كل منهما بعيدًا عن الآخر في عالم خاص به وتتسع الهوة حتى يحدث ما لا يحمد عقباه .

 

ما الحل؟

 

إذن فيمكن أن نحدد الآن أسباب المشكلة ونضع بعض أهم النقاط التي تؤدي إليها حتى نستطيع أن نضع حلولاً مناسبة لتلك الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا الشرقية التي تقدس النظام الأسري وتحترمه :

 

السبب الأول: هو الأسرة ذاتها، الأب الذي ينشغل عن أبنائه بالعمل وتحصيل المال وهو يظن أنه بذلك قد أدى ما عليه دون أن يتابع ابنه وأفكاره ودون أن يطمئن على صحبته ودون أن يشاركه همومه وأوقات فراغه، ودون أن يسأل عن صحبته ودون أن يدخل عليه حجرته القابع فيها بالساعات الطوال أمام الكمبيوتر أو التلفاز ليطمئن ماذا يشاهد ابنه، أو يناقشه فيما يراه ويدع التلفاز يربيه ويغرس فيه قيمه الهدامة، ويدع أصدقاء السوء يبثونه ما يحملون من أفكار ثم هو يفاجأ في نهاية المطاف أن ابنه ليس من كان يريد أو يتمنى فهو يحسب أنه حينما يعمل بجد ويجلب له المال الذي يريد، فقد أدَّى ما عليه من واجبات تجاهه، حتى إن الابن حين يحتاج إلى والده ليستشيره في أمر يخصه أو قضية تشغله فنجد الأب المنهك معرضًا عن ابنه لا يستمع إليه باهتمام، فينصرف الابن مكسور النفس ليبحث عن الاهتمام في أحضان أخرى، أحضان الإعلام بوسائله المختلفة والشارع باتجاهاته المتعارضة المتلاطمة فينتج إنسانًا هشًّا لا ينكر منكرًا ولا يعرف معروفًا.

 

كذلك الفتاة وما يحدث معها مع والدتها المشغولة هي الأخرى عنها ربما بالعمل أو بأشياء تراها في جملتها مهمة مع أن الأهم هو تربية تلك الفتاة التي ستكون أمًّا هي الأخرى عن قريب، ونجد أن كل أفراد الأسرة لا يجمعهم إلا الاسم وأوقات النوم، فنجد الفتاة التي ستكون زوجةً عن قريب وأمًّ المستقبل الذي نرجو أن يكون أفضل وهي لم تنل القسط الوافر من التربية فكيف نطلب منها أن تحتمل زوجًا يختلف عنها في الطباع تحتمل ظروفه الصعبة وتشاركه فيها وتحمل عنه همه وتطيعه في غير معصية أو كيف نطلب منها أن تربي أطفالاً ينبني عليهم مستقبل بلادنا العربية الإسلامية؟

 

السبب الثاني: وسائل الإعلام كما قلنا، والتي سخرت نفسها لجذب ذلك الشباب الغض بكل الوسائل مشروعة كانت أو غير مشروعة.

 

السبب الثالث: الحكومات التي صرَّحت لتلك الوسائل بذلك الانتشار المخيف دون رقابة على المواد التي تقدم لأطفالنا وشبابنا ونسائنا، وتدخل إلى حجرات نومهم، وكأنَّ الأمر متعمد أو متفق عليه.

 

السبب الرابع: الجمعيات الأهلية والدعاة والمربين في المدارس، وعدم إعطاء ذلك الموضوع حقه مع أنه من الأهمية بمكان بحيث يمكن أن يهدم الأمة أو يقوم بها وينهض.

 

تلك هي أهم أسباب المشكلة من وجهة نظري وربما هناك أسباب أخرى متفرقة تتغير من بيئة إلى بيئة ومن بيت إلى بيت إلا أن وضع الحلول الآن أصبح سهلاً وأذكر منها:

 

أولاً: الاهتمام بالأسرة المسلمة وتوعية الأم والأب حول أهمية التربية وإعطاء الوقت الكافي للأطفال في البيت، وتخفيف الأعباء عن الأم العاملة التي اضطرتها الظروف الاقتصادية الصعبة إلى الخروج للعمل والسعي على الرزق، وتخفيف الأعباء عنها من قبل الحكومات.

 

ثانيًا: عمل حملات مضادة ضد تلك الوسائل المفسدة ومحاولة ملء فراغ الأولاد والبنات بما هو نافع ومفيد خاصّة في أوقات الإجازات الصيفية؛ فمثلاً الأولاد يمكن أن تكون فترة الإجازة هي فترة تدريب على الرجولة بالعمل والتدريب على أي حرفة فالأمم الناهضة لا وقت لديها لمثل هذه التفاهات التي تعرض في وسائلنا أما الفتيات فيمكن تعليمهن أمور إدارة المنزل ومشاركة الأم كل صغيرة وكبيرة في أمور البيت لتعليمها وتدريبها.

 

ثالثًا: على العقلاء من بلادنا العربية جميعًا أن يجتمعوا وتتضافر جهودهم لعمل جمعيات خيرية ودروس مسجدية وقنوات فضائية مضادة وإنشاء صحف ملائمة لإعداد جيل قادر على تحمل المسئولية، وليس ذلك الجيل الهش الهزيل الذي لا يستطيع معه وهو زوج أن يتحمل مذاق الطعام إذا نقص ملحه مرةً أو تتحمل الزوجة رائحة عرق زوجها، وهو عائد من عمله مكدود.

 

وها هي دعوة مني بأن الأمر جلل، وأن الأمر خطير فانتبهوا يا أولي الأبصار، فالأسرة المسلمة على حافة الهاوية.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.