ينشغل الكثير من الناس بالبحث عن عيوب الديمقراطية دون الانشغال الجدي بالبديل المناسب لتمثيل الشعوب، ونسمع كلامًا كثيرًا أن الديمقراطية كفر بواح؛ وإذا سألت كيف؟ يقول بعضهم لأن فلسفة الديمقراطية تقوم على حكم الشعب بالشعب وللشعب، وهذا يخالف مبدأ الحاكمية "إن الحكم إلا لله"، والحاكمية ضد حكم الأغلبية لأن الآية تقول: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام:116)، وأقول إن هذا الكلام مغلوط ولا يصلح القياس على شعب غالبيته مسلمة تدين بدين الإسلام الذي يرسي منظومة قيم وأخلاق ومبادئ تعكس عدالته ووسطيته وتميزه.

 

وأن هذه الآية المقصود بها بلاد الكفر لا بلاد الإسلام، فهل اعتبر هؤلاء أن مصر من بلاد الكفر؟!، كيف والمادة الثانية من الدستور تقول: "دين الدولة الإسلام، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"؟

 

وبالمناسبة لا يختلف في ذلك مسلم ولا مسيحي معتدل يعرف أن الإسلام يعطيه كامل الحق في  العبادة والشعيرة وقوانينهم المنظمة لشئونهم كافةً؛ سواءً قوانين الأسرة أو غيرها لأن الشعب المصري في غالبيته شعب متدين تدين وسطي لا يميل  إلى التطرف سواءً كان مصدره مسلمًا متشددًا أو مسيحيًّا متطرفًا؛ فالتطرف والتشدد ليس من سمات شعب مصر.

 

ثم إذا كانت الأغلبية لا تُعبِّر عن الشعب فهل تعبر عنهم الأقلية؟! الأغلبية البرلمانية صاحبة حق داخل البرلمان في مناقشة القوانين والدستور والرقابة- وهذه الأغلبية منحها الشعب، فالشعب أعطى للحزب ذي الأغلبية سلطةً تشريعيةً فكيف يُنكر هؤلاء أن الشعب مصدر السلطات؟!!، والأغلبية في النظام البرلماني تشكل الحكومة وهي سلطة تنفيذية فهل لو حصل هؤلاء على الأغلبية فهل سيرفضون تشكيل الحكومة باعتبار- حسب منطقهم- أن الشعب ليس  مصدر للسلطات؟. 

ثم ما الخوف الذي ينتاب الجميع من الديمقراطية؟!!!!.

 

الديمقراطية هي الآلية الوحيدة للتداول السلمي للسلطة وإلا البديل الثورة والانقلاب المسلح والاقتتال.

 

أفهم أن يقول البعض إننا سوف نرفض تشريعًا يخالف الصحيح الصريح من الدين وسوف نقوم بتوعية الشعب لرفضه دون الدخول في فكرة الانقلاب أو الثورة أو غير ذلك.

 

أما في غير الصحيح الصريح؛ "فأنتم أعلم بأمور دنياكم"، يقرره مجلس الشعب بالأغلبية المطلقة بقوانين أو تشريعات، ثم هناك قاعدة تقول: "حيثما كانت مصالح الناس فثمَّ شرع الله"؛ وأخرى تقول: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"، إلا إذا اعتبر هؤلاء الشعب المصري كله على ضلالة وهم الوحيدون على الحق.

 

ينبغي علينا أن ندقق في التصريحات، فمن غير الممكن أن أتحدث عن قبول الآليات ورفض الفلسفة؛ لأن الفلسفة هدفها التداول السلمي للسلطة، إلا إذا رغبت في الاستئثار بالسلطة وديمقراطية السلم "ديمقراطيه المرة الواحدة"، ولأن الفلسفة تأكيد أن الشعب مصدر السلطات، وهي بذلك تؤكد مدنية الدولة، أرجو ممن ينشغل بالهجوم على الديمقراطية أن ينشغل بنفس الجهد والطاقة للبحث عن بديلٍ حضاري مناسب.