أكد المربي عبادي مبارك أحد دعاة جماعة الإخوان المسلمين بمحافظة أسوان؛ أن قضية سلامة الصدر قضية مهمة في حياة المسلمين, وأن الإسلام أراد أن يقضي عليها في مهدها, وأن المعصوم صلى الله عليه وسلم قد عالج هذا المرض قبل أن يدخل في القلب, فيقول الرسول الكريم معلمًا أصحابه: "لا يُبْلِغْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ".

 

وقال مبارك، خلال اللقاء الأسبوعي للإخوان المسلمين بأسوان بمسجد عبد الرحيم تحت عنوان "سلامة الصدر"؛ إن هذا الخلق خلق عظيم من أخلاق الإسلام الحنيف, وإن سلامة الصدر مبلغ عزيز, والحرص عليه واجب, وبذل الأسباب للتحصل عليه وسلوكه فرض, وإن سلامة الصدر من أعظم أسباب دخول الجنة, وإن الإسلام نهى الإسلام أيضًا عن كل ما يوغر الصدور، أو ينشئ العداوات بين الناس, كالغيبة والنميمة ومثلهما مما يكدر الصفو، ويغير القلوب.

 

وأشار إلى أن القلب الأسود يفسد الأعمال الصالحة, ويطمس بهجتها ويعكر صفوها. أما القلب الأبيض فإن الله تبارك وتعالى يسوق إليه الخير سوقًا, وأنه ليس أسعد للمرء ولا أشرح لصدرِه ولا أهنأ لروحه من أن يحيا في مجتمعه بين الناس صافي القلب، صفي الروحِ، سليم الطباع، منسلاً من وساوس الضغينة، وحب الانتصارِ للذات والانتقامِ من الند، لَه سمو قلب يعلي ذكره ويرفع قدره، مهنئًا رضيًّا حينما يرى النعمة تنساق إلى أحد غيره، مدرِكًا فضل الله فيها على عبده، فتجدون لسان حاله يلهَج بقول النبيِ صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داوود وغيره: "اللّهُمََّ ما أصبحَ بي من نعمةٍ أو بأحد من خَلقِك فمنك وحدك لا شريكَ لَك، فلك الحمدُ والشّكر".

 

وأوضح أن سلامة الصدر تعني أن يفترض المؤمن حسن النية في كل تصرف يراه في أخيه أو إخوانه، ولا يتحرك بأية حركة ويبني أحكامًا على حركته إلا بعد التحقق والتأكد، بإعمال الدقة والفرز والتحليل والعلم واليقين، وسؤال أهل الذكر أو التخصص في المجال الذي يريد إثارته، ويعود على نفسه بالملامة والاتهام قبل ملامة واتهام الآخر.

 

وتناول سبل بناء المجتمع المسلم وكيف ربى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على أخلاق الإسلام، موضحًا جوانب من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف شئون حياته، وكيفية تعامله مع كل المشكلات والمسائل التي أحاطت بالمسلمين في هذا الوقت، وكيف ربى الصحابة على سلامة الصدر، وأنه طوق النجاة.

 

وأشار إلى أنه يجب على الإنسان المسلم سليم الصدر الفاهم، ألا يبرئ نفسه من التقصير، وأن يعتقد أن غيره من المسلمين أفضل عند الله تبارك وتعالى منه, مستشهدًا بقول بكر بن عبد الله المزني وهو واقف بعرفة ينظر إلى الناس: "لا إله إلا الله!، لولا أني فيهم لقلت: قد غفر الله لهم!", يقول الذهبي معلقًا على هذه العبارة في السِّيَر: "كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها, وأن يتهم نفسه بالتقصير".

 

وقال إنه يجب على المسلم أن يعلم أنه يتعامل مع بشر, ليسوا بملائكة ولا أنبياء, وإن البشر ليسوا معصومين, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ابن آدم خطاء. وخير الخطائين التوابون", وإنه لا بد أيضًا أن يعتقد المسلم أن السير إلى الله تعالى هو سير القلوب. "وكلنا يعلم أن الصديق أبا بكر رضي الله تعالى عنه، ما سبق أمة محمد بكثرة صيام أو صلاة, ولكن بشيء وقر في قلبه؛ وذلك لأن قلبه كان مفعمًا بالإيمان".

 

ونوه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا, ولكن ما اختلفت قلوبهم؛ لأن تلك القلوب قد شُدِّت بأسباب السماء, فلم يعد لتراب الأرض عليها من سلطان؛ لأن اختلافهم كان يُبتغَى فيه وجه الله وحده, فكانوا يتزاورون بعد اختلافهم, وكانوا يحب بعضُهم بعضًا.

 

ونصح الحضور بأن يحسنوا الظن بالآخرين، وأن تكون قلوبهم سليمة؛ "وذلك مع مراعاة أن نأخذ حذرنا, وألا ننسى قول الفاروق عمر رضي الله: لستُ بالخِبِّ، و لا الخِبُّ يخدعُني؛ وذلك لأن هناك بشرًا يلبسون الأمور على بعض الناس، ويستدرجونهم فيظن الناس أن هؤلاء الناس من الأخيار, فالله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ)، ويقول أيضًا: (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)".

 

وضرب الشيخ للحضور أمثالاً وصورًا لسلامة الصدر، فقال: "إن المثل الواضح في هذا الأمر، ما علمناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ, إِذْ قَالَ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، قَالَ: فَاطَّلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ مَاءِ وُضُوئِهِ، مُعَلِّقٌ نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَاطَّلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ مَرْتَبَتِهِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَاطَّلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ مَرْتَبَتِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ إِنِّي لا أَدْخُلُ عَلَيْهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُئْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَحِلَّ يَمِينِي فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ، وَكَبَّرَهُ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ، فَيُسْبِغَ الْوُضُوءَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنَّى لا أَسْمَعُهُ يَقُولُ إِلا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلاثُ اللَّيَالِي، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ وَلا هَجْرٌ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلاثَةِ مَجَالِسَ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَاطَّلَعْتَ أَنْتَ فِي تِلْكَ الثَّلاثِ مَرَّاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ, فَأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِكَ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَبِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، وَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ، "غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي غِلاًّ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا أَحْسِدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ"، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لا نُطِيقُ.

 

كما ضرب مثالاً لسماحة صدر أم المؤمنين السيدة عائشة التي تقول: دعتني أم حبيبة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موتها فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت -أي عائشة-: غفر الله لك كله وحللك من ذلك، فقالت أم حبيبة: سررتني سرك الله، تقول عائشة: وأرسلت أم حبيبة إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك. انظر إلى تصافي القلوب في صفوف النساء!. ما أحلى هذه القلوب إذا اجتمعت على المحبة وحرصت على تنقية القلوب من الغل والحقد والحسد!.

 

وأشار إلى أن أشياء وأمور مانعة لسلامة الصدر؛ فمثلاً الاختلاف في وجهات النظر وطريقة سير العمل قد تؤدي إلى الخلاف في الآراء والتصورات إلى اختلاف القلوب وجفوتها وامتلائها بالشحناء، فليس شرطا أن يوافقك الناس بكل ما تريد؛ "فإما أن توافقني وإلا فأنت عدوي"!، و"أنت معي وإلا فأنت ضدي"!. خطأ أن نأخذ هذه القاعدة في حياتنا؛ لأن كل إنسان له وجهة نظر. المهم أن نتفق في الأصول. أما في الفروع والخلاف فيها اختلاف وجهات نظر، فقد ذكر الذهبي في السير قال: قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى!، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟! انظروا للنفوس, ألا يسعنا ما وسعهم؟!

 

وقال إن التنافس أمر محمود، لكنه قد يتعدى إلى الحسد والغل على الآخرين، خاصة بين الأقران؛ لذلك يقول الذهبي: "استفق ويحك، وسل ربك العافية؛ فكلام الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب وقع فيه سادة، فرحم الله الجميع"؛ فالتنافس مطلوب، لكن بطبيعة البشر قد يصل إلى قلب قرينك أو زميلك شيء من الحقد عليك، فانتبه لهذا الأمر!. وليس هذا الكلام على إطلاقه؛ فهناك من الأقران من يهتم بقرينه بل ويفضله على نفسه؛ فهذا هشام بن يوسف يقول: "كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا"؛ فهذه صورة جميلة لحال الأقران المنصفين، بل وهناك صور كثيرة ولله الحمد والمنة.

 

وأشار إلى أن التناصح قد يكون سببًا للحسد والحقد؛ فبعض الناس لا يحتمل النصيحة، فيبدأ بالكيد للناصح والتفتيش عن عيوبه وبثها، مع أنك حرصت على أن تكون الوسيلة صحيحةً, بانفراد بينك وبينه، وبالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، ومع ذلك وجد في نفسه شيئا عليك، ولا يزال يتحرى ويبحث عن أخطائك، حتى يرد الصاع صاعين, مضيفًا أن نتراحم ونتسامح في أعمال التجارة والبيع والشراء والتعامل مع الآخرين: (ورحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى وإذا اقتضى) كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

واختتم المحاضرة بحثِّ الحضور على الصبر, وأن يتحملوا ويصبروا على أذى الناس ويكون لهم قدوة في رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الذي تحمل الأذى وصبر، وإن الله مع الصابرين؛ فكلما صبرت زاد أجرك عند الله تبارك وتعالى, وإذا لم تستطع أن تصبر فتصبَّر، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله تبارك وتعالى, يقول الله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فلا بد أن يكون الصبر والاحتساب عند الله تبارك وتعالى, وكذلك أن يصفح الإنسان عن أخيه وأن يكون صفحًا جميلاً, وأنه بعد أن تصفح لا يكون شيء في قلبك له, ولا يعقبه بقايا من غل أو حسد لأحد من المسلمين يقول الله: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).