- الحاج عبد الله وزوجته لم يفوتا قيام الليل طوال 50 عامًا

- يوم أسبوعيًّا ينظف المنزل ويساعد زوجته في المطبخ

- فردوس عبد الرحمن تروي قصة فرحها في السجن الحربي

- "عايزة ترتاحي ريحيه".. شعار سر السعادة الزوجية

- حسن معاملتي لزوجي وأهله هو سر الاستمرار

تحقيق: فدوى العجوز ومروة مسعد ورشا سعودي

 

الآلاف من حالات الطلاق تحدث في أيامنا هذه، وتتعدد الأسباب في ذلك، إلا أنها تبدأ بمشكلة كبرت أو صغرت ليقع الطلاق بعدها أسرع من البرق.. والسؤال لماذا ازدادت نسب الطلاق في هذا الجيل عما قبله؟.. وهل كانوا يحيون حياة مثالية  ليس بها مشكلات لذلك استمرت مسيرة الزواج إلى عشرات السنين؟، أم أن المشكلات كانت موجودة؛ ولكن كانت دائمًا على حساب المرأة، وكان عليها أن تتحمل هي كل شيء دون الرجل؟، فما السر في استمرار مسيرة زواجهم دون غيرهم من الأزواج الجدد الآن؟، وكيف استطاعوا أن يحيوا حياة سعيدة كل هذه السنوات الطوال؟، وهل كانوا يتعرفون على بعضهم البعض قبل الخطوبة ليحبوا بعضهم قبل الزواج– كما يدعي البعض أنه شرط نجاح الزواج-؟

 

(إخوان أون لاين) التقى العديد من الأزواج فوق السبعين عامًا، والذين يحيون حياةً سعيدةً مع بعضهم البعض إلى الآن على الرغم من مرور أربعين وخمسين عامًا على زواجهم، لنتعرف كيف حافظوا على المودة والرحمة فيما بينهم طوال تلك السنوات وكيف حافظوا على زواجهم؟
بدايةً يحكي لنا الحاج عبد الله محمد (بالمعاش من مواليد 1942) قصته هو وزوجته، والتي تصغره بستة أعوام؛ حيث لم يرها طيلة فترة الخطوبة التي دامت لمدة ثمانية أشهر سوى مرة واحدة، ويبتسم ابتسامةً يختلجها الحياء، وهو يقول: إنه كان يذهب لزيارتها مرتين أسبوعيًّا عله يراها أو حتى يسمع صوتها، وهو ما لم يحدث؛ حيث كان أبوها وأمها فقط هما من يقابلانه, لتقاطعه زوجته وهي تهمس في أذنه أنها كانت تراه من (فتحة بالباب)، ثم يكمل قائلاً: تزوجنا وقد كنت أحسبني أتزوج زوجة؛ فوجدتها زوجةً وأمًّا وأختًا وابنةً وحبيبة، فقد تحمَّلت معي الكثير؛ حيث تركتُ وظيفتي أكثر من مرة وضاقت حالتنا المعيشية وقتها، ورغم ذلك لم تتبرم يومًا ما، بل إنها تعلمت الخياطة لتساعدني، وكانت تقضي أول النهار في تلبية احتياجات الأولاد، وتقضي الشطر الآخر في الخياطة، ثم أراها آخر الليل في أبهى زينة عروسة في ليلة زفافها؛ وذلك كله كل يوم.

 

ويضيف: "ولم تكن المادة فقط هي ما تحملتها لأجلي؛ بل تحملت أهلي وبرَّتهم؛ حيث كانت أمي شديدة جدًّا عليها ولكنها كانت تتحمل لأجلي؛ لدرجة أني أتيت يومًا من عملي وفوجئت بأن أمي قد كسرت لوحًا خشبيًّا فوق زوجتي؛ لأنها تأخرت عليها قليلاً؛ وحاولت زوجتي تصفية الموقف مع أمي بهدوء بحيث ستنكر ذلك الوقف بما لا يُفاقم المشكلة أكثر، والأكثر من ذلك أنها لم تخبرني، واكتشفتُ أنا ذلك الحادث قدرًا، فثرتُ وكنت أنوي الدخول في شجارٍ حادٍّ مع أمي، فنهتني زوجتي عن ذلك، وأخبرتني أنني لن أدخل الجنة سوى بأمي، وطلبت مني حينما أراها هكذا أن أُطيب خاطرها بكلمتين، وأن أبدي لها ضيقي من الموقف بهدوء دون أن أعقها أبدًا!".

 

ويروي كيف أنها كانت تبيت ساهرةً؛ لتعد له طعامًا يأخذه معه العمل حتى يأكله ساخنًا، وكيف كانت وما زالت تصحو لتصلي معه قيام الليل، ثم تصلي الفجر، وذلك كل يوم، وتنتظره إلى أن يأتي من المسجد، ثم تعد له الإفطار بالرغم من أنها تقضي أغلب الليل ساهرةً من الألم الذي يعاودها لحظة تلو أخرى؛ ولكنها تتحمل ذلك كله راضيةً، وساعدته حتى كان من أبنائه المهندس والمدير والمدرس، وكذلك الدكتور.

 

ويؤكد أن مواقفها معه لا يستطيع أن يعدها قائلاً إنه لو خُيِّر بين مال الدنيا وزوجته لاختار زوجته.

 

والتقطت الحاجة أم محمد منه طرف الحديث وأكملت أنه لم يحرمها طيلة عمرها من كلامه الجميل؛ حيث كان دائمًا يوجه لها كلمات الشكر إما قولاً أو فعلاً، وكان يساعدها دائمًا لأكثر من يوم أسبوعيًّا في عمل المنزل حتى بعد أن مرَّ بها العمر الآن يغسل لها الأطباق، ويطبخ أوقاتًا أخرى كثيرة، ويحضر طلبات البقالة والخضار، وتبيَّن أنه بالرغم من ضيق المعيشة في البداية إلا أنه حينما أعطاه الله من الرزق الوفير كان يحضره كله بين يديها لتتصرف كيفما تشاء وتوضح أنه لا يسأل أبدًا عما فعلته بالنقود.

 

وتبين أنه لم يترك أي سببٍ لإدخال السرور على قلبها إلا أخذ به، فقد كان يدخر ليأخذها للمصيف كل عام، وكذلك يأخذها لأي متنزهٍ يسمع عنه، وتؤكد أنها زارت معه معظم مدن ومعالم مصر، وتُوضِّح أنه أكثر الناس صبرًا، فكما كانت تتحمله وهو غاضب فلا تجادله أو ترد عليه كان يفعل معها ذلك، وحينما كان يراها غاضبة يربت على كتفيها، ويبتسم ثم يتركها إلى أن تهدأ ثم يناقشها في الأمر بعد ذلك.

 

وعن تربية الأبناء توضح أنه يترك لها الأمر كله ولا يتدخل إلا إذا طلبت منه ذلك، غير أنه كان يساعد الأبناء دائمًا في المذاكرة، ويحل معهم ما يستجد من مشاكل في المدرسة أو مع الأصدقاء، وتبين أنه علَّم الأولاد من الصغر الاعتمادَ على النفس ومواجهة المشاكل بشجاعة، وخلق جوًّا من الديمقراطية الجميلة داخل المنزل؛ حيث دائمًا ما يخضع لرأي الأغلبية حتى لو خالف رأيه.

 

فرحي بالسجن الحربي

وتعرض فردوس عبد الرحمن خبرتها كزوجة لما يزيد عن 37 عامًا مع زوجها عاطف شاهين ولهما 5 أبناء، وهما من الرعيل الأول للإخوان المسلمين؛ حيث تقول تم عقد قراني في السجن الحربي وكان عمري 14 عامًا على يد الشيخ عبد الله الخطيب ثم تزوجت وكان عندي 18 عامًا، وكانت فرحتي أني تزوجتُ مجاهدًا من أبناء الإخوان الذين ضحوا بثمرة شبابهم في المعتقلات فأخلصتُ نيتي أن يكون بيتي بيتًا مسلمًا مجاهدًا، وأن أكون زوجةً تسعد زوجها وتُرضيه.

 

وتضيف: "أنا تزوجت بعد الثانوية العامة مباشرةً ثم أكملت دراستي في الكلية في سنوات زواجي فأتممت دراستي الجامعية، وكان معي 3 أولاد، وكان عمري 22 عامًا، وحصلت على بكالوريوس تجارة أعمال، وعلى الرغم من أني كنت صغيرة السن ولديَّ أطفال وأدرس في الجامعة غير متطلبات زوجي وبيتي إلا أني وبفضل الله استطعت تنظيم وقتي وترتيب أولوياتي ولم ينزعج مني زوجي يومًا ما".

 

وتقول: إن أكثر ما كنتُ أعاني منه في بداية زواجي هو أن زوجي لم تكن لديه أخوات بنات فلم يكن يعرف كيف تُفكِّر الفتيات، فكان كثيرًا ما يحدث بيننا مواقف كنت أظنها منه قسوة ولكنه كان يجهل كيف يتصرف فيها، ففي أول شهر زواج حدث خلاف بيني وبينه، فجلستُ مع نفسي وحدثتها وقلت لها "أنت الآن زوجته"، فإما أن  تكملي المشوار وتريحيه وتكوني زوجة مطيعة وصالحة أو لا.. فاخترت وقررت من البداية أن أكمل مع زوجي و"أريحه" وأتقبله كما هو وأطيعه فيما يأمرني به ومع الوقت أدركت أن هذا سر سعادة أي زوجة، وهو طاعة الزوج فيما تحب وتكره، وأخذت هذا الشعار طوال حياتى الزوجية "عايزة ترتاحي ريحيه".

 

وتستكمل الحاجة فردوس حديثها عن "فترة السعي"، فزوجي يسعى لتأمين الحياة الكريمة، وأنا أسعى للاهتمام بالأولاد وإحسان تربيتهم فكان شعاري "الدقة والإتقان" في نظافة البيت وفي تربية الأولاد في مذاكرتهم فكنت أتحمل عبء البيت والأولاد والدعوة، ولكن في مرحلة التربية الأولى أولوياتي للأولاد إيمانًا مني بأن السنوات العشر الأولى هي الأهم في تربية الأولاد ثم بعد ذلك انطلقي في دعوتك وعملك.

 

وتحكي عن أكثر القصص التي أثَّرت فيها أن رجلاً فتح الله عليه أبواب الرزق فجاءه أحد أصدقائه وقال له "أنت ربنا فتح عليك أوعى تتجوز على مراتك" فانتفض الرجل وقال: "مستحيل أتجوز عليها إنت متعرفش هي بتعمل معايا إيه.. دي كل ليلة قبل النوم تبوس رجلي، إزاي ممكن بعد كده أتجوز عليها؟"، فتعلمتُ من هذه القصة أن المرأة التي تُقدِّر تعب زوجها وتحترمه "وترجله" لن يكون منه إلا أن يرد لها الفضل و"يشيلها في عينيه".

 

سجدة كل صلاة

وتؤكد أنها طوال فترة زواجها لم تشكُ زوجها لأحدٍ قط ولم يشكُها هو أيضًا لأحد، بل كنا نحل مشكلاتنا بأنفسنا وبالاستعانة بالله، ثم بأهل الخبرة والثقة والأمانة ممن هم أكبر مني سنًّا ليعطوني من تجاربهم وخبراتهم.

 

وتعزو سبب اطمئنان بيتها ودفئه إلى قيام الليل، قائلةً: كان زوجي بارك الله في عمره دائمًا يوقظني لنقيم الليل معًا أو منفردين، ولكننا بفضل الله لم نقطع هذه العبادة طول فترة زواجنا، وكنا حريصين عليها كل الحرص، وكنت أخصص لزوجي سجدة كاملة أدعو له فيها في كل صلاة حتى وإن كنت غضبَى منه فيذهب الله عني كيد الشيطان.

 

وتحكي أسماء عبد الحليم زوجة لمدة 28 عامًا "هنا وسعادة" على حد تعبيرها، وأم لـ5 أولاد تقول: كانت نيتي وحلمي أن يكون بيتي على السنة، وأن أدخل الجنة بطاعة الله في زوجي ولم يكن تحقيقها لهذا الحلم سهلاً بل توالت الاختبارات علي لأثبت صحة نيتي، فقد تزوجتُ في بيت عائلة كبير، وكان لدي ما يقرب من 16 من (السلائف) زوجات إخوة زوجي وزوجات أبناء عمه، وبالطبع لا تسير الحياة على وتيرةٍ واحدة أبدًا فلم تخل الحياة من المشاكل مع بعضهن، ولكني كنت أصبر وأسامح حتى تمر الحياة، ولم أكن أخبر زوجي بكل ما يحدث من المشكلات حتى لا يتغير قلبه على إخوته وأهله والحمد لله زوجي كان وفيًّا وكريمًا، ويشد من أزري ويصبرني فكان يقول لي: "اعملي للآخرة، واجعلي رضا ربنا هدفك"، فكانت كلماته تخفف عني وتجعلني أُبسِّط الأمور ولا أقف عند الأمور التافهة، وعندما سألتُ زوجي في إحدى المرات، ما أكثر ما تحبه فيّ؟، قال لي: "أنتِ أطيب إنسانة خلقها الله"، فكان لهذه الكلمة تأثير السحر عليَّ فكنت أصبر وأتحمل من أجل هذه الكلمة الطيبة.

 

وتضيف كان أكثر شيء أنا حريصة عليه مع زوجي هو الصدق فلم أكذب عليه أبدًا حتى وإن أخطأتُ كنت أقول له الحقيقة وأعتذر، وكان زوجي يُقدِّر لي هذا، وتؤكد أن أهم شيء بين الزوجين من وجهة نظرها هو الصدق والثقة المتبادلة.

 

وتقول أسماء: أنا لم أترك بيتي أبدًا فكنت إذا غضبتُ وحدث خلاف بيني وبين زوجي ذهبت إلى المسجد أصلي وأبكي وأدعو وأمكث فيه ما شاء الله لي ثم أعود لبيتي هادئة النفس مطمئنة، وتحكي أنها في إحدى الخلافات بينها وبين زوجها، وكان خلافًا كبيرًا طلبت من زوجها أن يترك هو البيت ويذهب إلى بيت أهله وعندما أهدأ أنا سآتي لإحضارك!! فخرج زوجي من البيت حتى لا تزداد الأمور سوءًا، وبعدما هدأت عاصفة الغضب ضحك زوجي على ما قلته وقال لي إنه زاد حبه لي لأنني لم أترك بيتي كما تفعل بعض النساء.

 

ليته يعود

وتذكر إحدى القصص التي أثَّرت فيها أنها في إحدى الأيام وجدت امرأة تبكي بشدة وحرقة فسألتها عن سرِّ بكائها فقالت: "في إحدى الليالي طلبني زوجي للفراش فكنت متعبةً فاعتذرتُ له، وفي اليوم التالي في موعد عودة زوجي للبيت تجهزتُ له وأعددتُ له الغداء وبدل أن يأتي هو جاء أحد زملائه يخبرني بوفاته".. فبكت وقالت مات زوجها منذ أكثر من 20 عامًا وتتمنى أن يعود نصف ساعة حتى ترضيه، "وهذه القصة جعلتها حريصة على إرضاء زوجها وطاعته دائمًا".

 

"و. ف" تقول: دام زواجي ما يقرب من 32 عامًا، زوجي طبيب ولي 5 أولاد وعشت خلال أعوام الزواج لحظات سعادة ولحظات حزن كما هو الحال لأي زوجين، وكان هدفي ونيتي قبل الزواج هو إقامة بيت مسلم مترابط، وكانت فترة زواجي الأولى هي الأصعب بالنسبة لي لأنها كانت بداية التعارف الحقيقي بيني وبين زوجي، فكانت فترة اكتشاف كل منا لطباع الآخر وميوله وما يحبه وما يكرهه، فغالبًا كان يحدث بعض الخلاف في بداية الزواج، ولكن بعد ذلك أصبحت الحياة أكثر استقرارًا ودفئًا ثم جاءت فترة الانشغال؛ أنا مشغولة بتربية أولادنا ودراستهم وزوجي مشغول بتحصيل الرزق وتأمين حياة كريمة لنا، فكانت هذه الفترة في حياتها فترة عملية جدًّا ومضغوطة، أما بعد أن كبر الأبناء وأصبحت الحياة أكثر هدوءًا واستقرارًا، وهدأت العواصف الزوجية، أصبحتُ أنا وزوجي كل منا يفهم الآخر قبل أن يتحدث.

 

وتحكي أنه في إحدى المرات حدث خلاف بين زوجي وأحد أقاربي فخيرني زوجي بين أن ننتقل للعيش في بيت أسرته في الريف أو أن ننفصل، وزادت حدة الخلاف بيننا وخرج زوجي إلى عيادته وتوجهتُ أنا إلى ربي فتوضأت وصليت ركعتين قضاء حاجة وبكيتُ وأكثرتُ من الدعاء، ثم في موعد وصول زوجي تزينتُ وأعددتُ له العشاء كالمعتاد كأنَّ شيئًا لم يحدث واستقبلته بابتسامتي المعتادة، فما كان منه إلا أن قال لي اجلسي لأتحدث معكِ وقال لي: "بعد أن خرجتُ من البيت توضأت وصليت قضاء حاجة وشعرتُ بأن فكرة الانتقال إلى بيت أهلي فكرة غير صائبة"، وغيَّر رأيه نهائيًّا وقضينا ليلتنا وكأنَّ شيئًا لم يحدث والحمد لله.

 

وتضيف "و ف" أن أكثر ما كنت أحرص عليه طوال فترة زواجي شيئين الأول: احترامي لزوجي وهو أيضًا يبادلني نفس الاحترام، فلم نتلفظ  بكلمة خارجة، والشيء الثاني هو حسن معاملتي لأهل زوجي حتى إنني كنتُ أقرب لهم من زوجي نفسه، وهذا جعل لي مكانة عظيمة في قلب زوجي وأهله، فكنتُ أحرص على إرضاء أهله أكثر من حرصي على إرضاء أهلي أنا، لأن أهلي سيغفرون لي التقصير ويلتمسون لي العذر، أما أهل الزوج فلا، مشيرةً أنني علمت بناتي ألا تكنّ أندادًا لأزواجهن، وإذا غضبت إحداهن فلا تثأر لنفسها بل ترجع لله ولسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخالف هواها لأن الشيطان لا يريد للبيت المسلم أن يستمر فهو له بالمرصاد.