جُبِلَ الإنسانُ على التلبس بالحدث المعاصر والاهتمام به والاستغراق فيه، بحيث ينسيه ما قبله مباشرة؛ فضلاً عما هو أسبق.. والإنسان المصري ربما يزيد عن غيره في نسيان الماضي بما يحمله من إيجابيات وسلبيات، فمهما ذاق هذا الشعب من ويلات وظلم وقهر ثم سمع كلمة عاطفية أو شاهد عملاً مفيدًا أو تصرفًا نبيلاً نسي الذل والمهانة والقهر والاضطهاد.

 

وهذا ينسحب على ما نحياه الآن، فقد أصبح ما أنجزته الرئاسة في طي النسيان بعدما مرت عليه أحداث جسام، الحدث تلو الآخر، كل حدث منها يزلزل العقول والمشاعر، فلا تترك هذه الأحداث فرصة لاستيعابها أو متابعتها؛ فضلاً عن تحليلها أو الوقوف أمامها والمقارنة بينها وبين ما سبقها، ومحاولة استكشاف ما يمكن أن يقع مستقبلاً في ضوء الماضي وأحداث الحاضر.

 

عشنا أحداثًا كبيرة من شأنها أن تنسينا ما مضى بسلبياته وإيجابياته، بأفراحه وأتراحه: أحداث سيناء وما فقدنا فيها من نفوس عزيزة من جيشنا المجيد، عشنا أحداث مجلس الشعب والمحكمة الدستورية العليا.. عشنا أحداث القضاء الذي دخل معترك السياسة بما أثر على مهمته المقدسة.. عشنا مواسم الإفراج عن قتلة الثوار والمجرمين بحق مصر والمصريين.. عشنا أحداث قطار أسيوط وما فقدناه من أطفالنا اليافعين، عشنا مليونيات النخبة والفلول والمجرمين في ميدان التحرير وغيره.. عشنا الأحداث المؤسفة التي وقعت في محيط قصر الاتحادية.. عشنا أحداث حرق مقرات الإسلاميين وخاصة مقرات الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة.. عشنا أحداث الجمعية التأسيسية للدستور وعملها المستمر والمجاهد تحت القصف الإعلامي والسياسي.. عشنا أحداث استهداف بعض الرموز الوطنية ومحاولة قتلهم.. عشنا أحداث مسجد القائد إبراهيم.. وأخيرًا عشنا الحدث الأعظم وهو الاستفتاء على الدستور.. وغير ذلك من أحداث.

 

وإذا كانت هذه الأحداث العظام جديرة بأن تنسي الإنسان- واختلاف الليل والنهار ينسي– ما حدث من إيجابيات ومن سلبيات في أي مؤسسة أو ما وقع من أي شخص، فإننا ينبغي أن نذكّر أنفسنا بما أنجزته مؤسسة الرئاسة في فترة قصيرة لم تتجاوز ستة أشهر.

 

وإذا كانت للرئاسة سلبيات– وهو أمر طبيعي– مثل القرارات التي تصدرها ثم يتم التراجع عنها، إما بسبب عتوِّ الدولة العميقة التي يواجهها الرئيس ومؤسسته، وإما بسبب القضاء الذي دخل على خط السياسة، وإما بسببٍ من حسابات غير صحيحة لبعض القرارات من حيث الآثار والمآلات.

 

أقول: إذا كان ذلك كذلك فإن للرئاسة إنجازات وإيجابيات لا أظن أن مؤسسة رئاسية عربية أنجزتها في هذا الزمن القصير، وتذكُّرها والتذكير بها يعطينا الأمل، ويزيد من ثقتنا في مستقبل مشرق لهذا الوطن.

 

من هذه الإنجازات: القرار الأبرز الذي اتخذه الرئيس بتفكيك المجلس العسكري وإحالة كبرى قياداته للتقاعد؛ فأصبحت مصر لأول مرة منذ قرون دولة مدنية دستورية قانونية حقيقية بعد أن جثم العسكر على صدرها ردحًا من الزمان.

 

ومنها حركة الإقالات والتعيينات الواسعة التي اتخذها في الجيش نفسه؛ بحيث أعاد هيكلته بما يضمن أن يعزز وظيفة الجيش وهي حماية حدود البلاد والإسهام في تعزيز الأمن الداخلي مع وزارة الداخلية.

 

ومنها إقالة رؤساء هيئات كبيرة وتعيين غيرهم مثل: قناة السويس، وهيئة الرقابة الإدارية، والبنك المركزي، وغيرها.

 

ومنها الزيارات التي يقوم بها الرئيس للمحافظات كل جمعة؛ حيث يلتقي فيها جموع الشعب؛ يتعرف إلى مشكلاتهم، ويقترب من همومهم، ويتخذ من الإجراءات ما يتناسب وحاجاتهم وما تسمح به ظروف الواقع.

 

ومنها زيادة المعاشات والرواتب لبعض قطاعات الدولة مثل: المدرسين وأساتذة الجامعات وغيرها.

 

ومنها: أن الرئاسة لم تعد فردًا حاكمًا بأمره لا راد لحكمه ولا معقب لقوله، وإنما أصبحت على يد الرئيس محمد مرسي مؤسسة، فيها نائب للرئيس، ومستشارون، ومساعدون، ومتحدث باسمها، وفيها أجهزة متكاملة.

 

ومنها الحوارات الواسعة بين ألوان الطيف السياسي التي قادها الرئيس محمد مرسي ونائبه العظيم الذي يستحق التقدير والتكريم، هذه الحوارات التي حاصرت الفتنة التي كادت أن تحرق الأخضر واليابس، وأطفأت بركان الانقسام والاستقطاب الذي أحدثه المال الحرام الذي يتدفق من الداخل والخارج، فتمخضت عن حلول للأزمة، وعن تعيين الأعضاء التسعين لمجلس الشورى.

 

ما سبق كله في كفة وما أنجزته الرئاسة في ملفها الخارجي في كفة أخرى؛ حيث الزيارات التي قام بها الرئيس ومؤسسة الرئاسة لدول عربية وآسيوية وأوربية، والكلمات التي ألقاها في منتديات عدة، منها: قمة عدم الانحياز، وهيئة الأمم، والتي أحدثت ضجة كبرى في العالم لفتت أنظاره، وكانت حديث الساعة وشغله الشاغل.. وليس ما نتج عن الزيارات أقولاً وكلمات أبهرت العالم فقط، وإنما اتفاقيات اقتصادية، واستثمارات تدفقت على مصر لم تأخذ حقها بسبب الأحداث السياسية وصراع النخبة التي ابتلى الله بها مصر.. هذه الزيارات أعادت لمصر دورها الإقليمي والدولي، وأصبح لها مكانة وكلمة.. ناهيك عن موقف مصر من أحداث غزة الأخيرة، والتي ألجمت العدو الصهيوني، وأرغمت أمريكا على الهرولة لمصر استجداءً لوقف صواريخ المقاومة حتى يخرج الصهاينة من الأزمة وهم يحفظون ماء وجوههم.. ولا شك أنه كان لموقف مصر الأخير من غزة أثر مباشر في تآمر داخلي وإقليمي وعالمي على مصر تمخضت عنه الأحداث التي سبقت الاستفتاء مباشرة.

 

إن تذاكر وتذكر إنجازات الرئاسة والتذكير بها لمما يبعث على التفاؤل، ويضاعف في نفوسنا جرعة الأمل، ويرسم على وجوهنا بسمة الفأل الحسن.. وإن مستقبلاً زاهرًا ينتظر مصر، التي ستقود الأمة العربية والإسلامية إلى حيث يجب أن تكون.

 

----------

[email protected]