في مثل هذه الأيام من عام 1948 سقط أول شهيد لجماعة الإخوان المسلمين في (خان يونس) من أرض فلسطين، لتبدأ بعدها معارك طاحنة بين أبناء الجماعة من ناحية وجيش الصهاينة من ناحية أخرى، ما يمثل ملحمة جهادية، غُيبت- للأسف- عن تاريخ الأمة نكاية في الجماعة التي فضحت العروش العربية التابعة وجيوشها العاجزة المتهالكة..

 

- في 10 من مارس 1948م، سافر الفوج الأول من متطوعي الإخوان المسلمين للتدريب في معسكر قطنا السوري، ثم الزحف إلى القدس. وقد تقرر أن تسافر تلك الكتيبة الإسلامية عن طريق الميناء البحري في بورسعيد. وقد ودَّع الإمام البنا المسافرين في موكب مهيب استيقظت على تكبيراته وتهليلاته مدينة بورسعيد التي خرج أهلوها عن بكرة أبيهم لتحية المجاهدين. وقد استُقبل هذا الفوج في سوريا استقبالاً شعبيًّا رائعًا، وكان في مقدمة مستقبليه المراقب العام للإخوان في سوريا الأستاذ مصطفى السباعي.

 

وفي 23 من مارس سافر الإمام البنا إلى دمشق لتفقد هؤلاء المتطوعين.

 

- وفي 6 من أبريل 1948م سقط أول شهيد من متطوعي الإخوان، في (خان يونس)، قبل دخول كتيبته (الكتيبة الأولى للمتطوعين) أولى معاركها مع اليهود، إذ وردت أنباء- والكتيبة ما زالت تتلقى دروسًا عسكرية في إحدى مدارس خان يونس- أن دورية يهودية تحوم حول القرية وتطلق النيران بشكل عشوائي على الأهالي، فخرجت مجموعة لملاقاة تلك الدورية، وعادت بجثة الأخ فتحي الخولي، من إخوان السيدة زينب، وقد تم دفنه في مقابر خان يونس في جنازة عسكرية.

 

- وفي 10 من أبريل 1948م، خاض الإخوان أولي معاركهم مع العدو الصهيوني، ويقتحمون فجر ذلك اليوم مغتصبة (كفار ديروم) التي تتحكم في الطريق بين (خان يونس) و(غزة) عند دير البلح.. لكن لقلة خبرتهم بالحرب، ولجهلهم بإمكانات العدو وقعوا في أخطاء كلفتهم 46 شهيدًا، غير ثلاثين جريحًا آخرين.. وقد انتقلت تلك القوة الجريحة إلى معسكر (النصيرات) بعد انسحابها؛ لتنضم إلى قوات الإخوان تحت قيادة اليوزباشي محمود عبده الذي اكتفى بمحاصرة تلك المغتصبة الخطرة عن بُعد.

 

- 14 من مايو 1948م: قوات متطوعي الإخوان يستولون على قافلة يهودية كانت قادمة إلى مستعمرة (كفار ديروم)، تشمل 11 عربة مصفحة وونشًا ويقتلون جميع أفرادها. كان المتطوعون قد قاموا بأسر جاسوس عربي أثناء اقتحامهم تلك المغتصبة وقد ضبطوا معه جهاز لاسلكي، وعن طريق الجهاز التقطوا خبر قدوم القافلة إلى المغتصبة، فأرسلوا قوة استولت عليها، وكان من بين الغنائم: أسلحة وذخائر كثيرة ومواد غذائية وملابس.

 

- 15 من مايو 1948م: المرشد العام حسن البنا يرسل برقية إلى الزعماء العرب المجتمعين في (عالية) بلبنان، يعدهم فيها بما وعد من- قبل في كلمته في مظاهرة مصر الكبري لتأييد فلسطين في ديسمبر 1947م- بإدخال عشرة آلاف مجاهد كدفعة أولي إلى فلسطين.

 

- 26 من مايو 1948م: رجال الإخوان المسلمين المتطوعون في حرب فلسطين يبدءون في الزحف على (رامات راحيل) إحدي المغتصبات الصهيونية الخطيرة، فهي تقع على ربوة عالية، وتتحكم في الطريق الرئيسي الذي يصل بيت لحم بالقدس، وقد فشل الجيش الأردني أكثر من مرة في اقتحامها. في منتصف ليل هذا اليوم ارتجت الأرض تحت دوي المدافع التي فجرت حقول الألغام واشتعلت الحرائق بالمغتصبة، وقد قاوم اليهود مقاومة عنيفة، لكن فدائيي الإخوان كانوا أكثر تصميمًا على التخلص من المغتصبة، فعمدوا إلى أبراجها فحولوها إلى أنقاض، وعكفوا على الخنادق فطهروها. لقد خسر الإخوان في هذه المعركة تسعة من الشهداء والجرحي، وقد أذهل الأبطال ما وجدوه داخل المغتصبة من خيرات ومؤن مكدسة. أما عدد القتلى من اليهود فقد كان كبيرًا؛ إذ وجد تحت الردم ما يزيد على المائتين، عدا من تم إجلاؤه من الجرحي والقتلى.

 

- 11 من يونية 1948م: الإخوان يعترضون على الهدنة الأولى أو الكارثة العظمي- كما أسموها- للحرب في فلسطين، إذ بينما المجاهدون يوجهون ضربات مركزة ضد العدو في كثير من المناطق، وبينما يعدون أنفسهم للوثوب على القدس الجديدة، إذ بالدول العربية تقبل الهدنة الأولى، وتصدر أوامرها لجيوشها- التي كانت في انتصار ساحق- بوقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع تبدأ يوم 11 من يونية 1948م، وتلك كانت حيلة يهودية وخيانة دولية وعربية أوجدت لليهود مخرجًا لاسترداد أنفاسهم وتنظيم صفوفهم.

 

ولم يدخر الإخوان وسعًا في تقديم النصيحة للحكومة، بألا تنخدع وتقبل الهدنة.. إلا أن نصائحهم كانت أشبه بصرخة في وادٍ!!.

 

- 17 من يوليو 1948م: قوة صغيرة من متطوعي الإخوان في حرب فلسطين، تتمكن من تحرير قرية (العسلوج) من أيدي اليهود، كانت القوة بقيادة الأخ الملازم يحيي عبد الحليم، من إخوان القاهرة، وكان اللواء المواوي قائد الجيش المصري الرسمي قد كلف معاونيه بتحرير تلك القرية التي احتلها اليهود، فأرسلوا لذلك تلك القوة الإخوانية الصغيرة من جهة الشرق، وقوة أخرى كبيرة من الجيش من الغرب، تعاونها جميع أسلحة الجيش.. إلا أن تلك القوة الكبيرة لم تنجح في تحرير القرية من اليهود؛ بسبب الروح المعنوية المتدنية لجنود الجيش المصري وقتذاك، أما مجموعة الإخوان فقد استطاعت طرد اليهود شر طردة من البلدة؛ نظرًا لروحهم القتالية العالية ولرغبتهم الشديدة في الاستشهاد كما وصفهم اللواء المواوي أمام إحدي المحاكم التي حاكمت الإخوان فيما بعد.

 

- 18 من أغسطس 1948م: قائد قوات متطوعي الإخوان في (صور باهر) محمود عبده، يمنع العدو الصهيوني من احتلال جبل المكبر ويكبده وإخوانه خسائر فادحة.. ففي هذا اليوم بدأ اليهود يزحفون تجاه هذا الجبل، بقوات وآليات لا حصر لها؛ آملين الاستيلاء على هذه المرتفعات وطرد الإخوان منها؛ لما تمثله من قيمة دفاعية مهمة لمن يضع يده عليها.. وقد فوجئ الإخوان باستماتة العدو في معركته معهم لاحتلال الموقع، وكانت قواته هائلة، ومدافعه ترسل حممًا على مواقع الإخوان، وكلما صد الإخوان موجة من موجات العدو فوجئوا بغيرها من إمداداته التي لا تنقطع.. فتصرف القائد البطل سريعًا، وأمر فصيلة من جنوده بالالتفاف إلى اليمين وقطع الطريق على العدو، وفي الوقت نفسه أمر المدافعين عن الجبل بالانسحاب المنظم، فظن العدو هلاك القوة المدافعة عن الجبل، فلما تقدمت قواته فوجئوا بحمم مدافع الإخوان تنصب عليهم من كل ناحية.. فحاولوا التراجع إلى القدس، ففوجئوا بقوة من الخلف تصيبهم جميعًا.. ثم تقدم الإخوان نحو القدس، فضربوا حصارًا حول دار الحكومة التي تقدم نحوها الفارون من اليهود.. وقد قُتل في هذه المعركة من اليهود ما يربو على المائتين.

 

- 19 من أكتوبر 1948م: قوات الإخوان المتطوعة في حرب فلسطين تستولي على مرتفع شاهق يُعرف باسم (تبة اليمن) بعد معركة ضارية مع قوات العدو الصهيوني.. وقيادة الجيش المصري تصدر أمرًا بتسمية هذا المرتفع باسم (تبة الإخوان المسلمين).. فقد نجحت قوات العدو في الاستيلاء على تلك التبة، وبدأت في تحصين دفاعاتها، آملة في الاستقرار في هذا المرتفع ومن ثم تهديد المناطق المحيطة به، ورأت قيادة الجيش المصري ضرورة تطهيرها، فانتدبت لذلك قوات الإخوان، ولم تمر ساعة حتي نجحت هذه القوات في الإجهاز على القوات اليهودية وتكبيدها خسائر فادحة، والاستيلاء على كثير من الذخيرة والمعدات.

 

- 15 من نوفمبر 1948م: قوات الإخوان المتطوعة في حرب فلسطين تبدأ في تموين قوات الجيش المصري المحاصرة بالفالوجا.. إذ نجح العدو في إرغام قوات الجيش على إخلاء منطقتي أسدود والمجدل، والإيقاع بقوة كبيرة حاصرها في الفالوجا، وقد دام هذا الحصار حتى نهاية الحرب، تعرض المحاصرون أثناءه لمحن شديدة وهجمات متواصلة من العدو.. وهذا ما دفع قوات الإخوان إلى التخطيط للتخفيف عن إخوانهم المحاصرين، فبدأوا في تنظيم قوافل لنقل المواد التموينية اللازمة لهذه القوات.. وقد تسللت هذه القوافل عبر الصحاري الواسعة التي يسيطر عليها العدو، وتعرضت في طريقها الطويل لكثير من المآزق والأخطار، وكم من مرة اصطدمت هذه القوافل مع دوريات العدو واشتبكت معها في معارك دامية، استشهد بسببها عدد منهم وجُرح وأسر آخرون.

 

- 23 من ديسمبر 1948م: أعضاء الإخوان المتطوعون في حرب فلسطين يحررون التبة (86) التي فقدها الجيش المصري.. إذ رغم قرار حل الجماعة، وما كان يصل المجاهدين من أنباء مثيرة عن الإرهاب الحكومي ضد إخوانهم وممتلكاتهم، فإن ثلاث مجموعات من الإخوان هاجمت قوات العدو التي استولت في وقت سابق على هذا المرتفع المهم الذي كان يمثل بالنسبة لهم نجاحًا في عدم عزل حامية غزة وتكرار مأساة الفالوجا.. وقد ظلت مدافع الإخوان تقذف الموقع بقنابل الدخان حتى أحالته إلى ظلام حالك، ثم تسللوا ليشتبكوا بالقنابل والأيدي مع أفراد العدو وداخل خنادقهم، وما هي إلا لحظات حتى بدأت مصفحات العدو في الانسحاب المذعور، وأخذ الإخوان يطاردونهم، وقام آخرون بتطهير الموقع.. فكانت خسائر العدو فادحة، ووُجد من بين قتلاهم (كولونيل) روسي يحتل مركزًا مهمًّا بالجيش اليهودى. وقد سقط من الإخوان في هذه المعركة عدد كبير بين شهيد وجريح.

 

- 14 من فبراير 1949م: أوامر حكومية بالتحفظ على مجاهدي الإخوان في حرب فلسطين، بعد سحب أسلحتهم وتجميعهم في معسكرات خُصصت لهم في رفح بعد نهاية الحرب وإعلان الهدنة.. كان هؤلاء الأبطال قد واصلوا الجهاد رغم علمهم بحل جماعتهم، فلما آلت الأوضاع إلى ما آلت إليه، وتحولت الحرب إلى مفاوضات ومساومات، المنتفع منها هو العدو الصهيوني- امتلأت نفوسهم كراهية ومقتًا لتلك الحكومات الموالية للمستعمر، والتي أدت سياساتها الفاسدة إلى تعريض كرامة الأمة والجيش للذلة والمهانة؛ في وقت كانت تستأسد فيه على خيرة أبنائها، بسجنهم ومصادرة أموالهم. وبينما هم على هذه الحال إذ جاءهم نبأ اغتيال الإمام البنا، وكان وقع خبر استشهاده أليمًا على الجميع.. وحاول قادة المتطوعين معالجة الأزمة التي يمر بها إخوانهم، فأقاموا في معسكرهم هذا حفل تأبين للإمام الشهيد.. وما إن انتهي الجميع من حفل التأبين حتي صدرت الأوامر باعتقال جميع المجاهدين. وبعد ما يقرب من شهر ونصف الشهر من التحفظ عليهم في معسكر رفح- سيق الأبطال إلى معتقل العريش والطور ليبقوا فيهما أكثر من سبعة أشهر أخرى.. ولما بدأت الحكومة في الإفراج عنهم عُوملوا بطريقة مهينة كأنهم من عتاة الإجرام، فكان يُلقي بالواحد منهم ليالي في سجون الأقسام (كعب داير) ثم يُرسل إلى بلده بعد ذلك في حراسة مشددة ومهينة.

 

- 24 من فبراير 1949م: في هذا التاريخ تم توقيع هدنة رودس؛ لوقف الحرب على جميع جبهات فلسطين، ودعوة الأطراف في النزاع الفلسطيني إلى الدخول في مفاوضات مباشرة أو عن طريق الأمم المتحدة. وتنفيذًا لهذا القرار تم الاتفاق على وقف القتال بالجبهة المصرية في 7 من يناير 1949م، وجرت المفاوضات في رودس في الفترة: 12 يناير حتي 24 فبراير 1949م، وتم توقيع الهدنة بين مصر وإسرائيل، وبناءً عليه تم سحب قوات المتطوعين، ومن بينهم الإخوان، من جبهات القتال، بل- للأسف- تم تجميعهم في معسكر واحد تمهيدًا لاعتقالهم بناءً على قرار من الحكومة (المصرية)!!، وقد كانت الهدنة بالنسبة للصهاينة فرصة لالتقاط الأنفاس؛ ولوضع يدها على ما خططت لاحتلاله من أرض فلسطين.