"نناشد جمهورنا يقتل الجزائريين الموجودين في مصر، عندنا جزائريين في مصر نرحلهم نموّتهم".. هكذا وجه الصحفي المقرب من أمن الدولة أحمد موسى حديثه إلى الشعب المصري في نوفمبر عام 2009م ليقتلوا الجزائريين المقيمين بالقاهرة بسبب مباراة كرة قدم بين مصر والجزائر، وما قيل وقتها عن اعتداءات جزائرية على الجمهور المصري في السودان.

 

ما أشبه الليلة بالبارحة.. هذا الصحفي ورفاقه اعتلوا منصة التنظير والتأصيل وراحوا يدعون لسفك دماء من يختلف مع منهجهم عقب الانقلاب العسكري الدموي في 3 يوليو، وأصبح كل من يرفض الانقلاب مستباح الدم.

 

"الجيش ينزل يروح يجيب العيال بتاعة المقطم دي يخبطهم طلقة مدفع ينزل على دماغهم في ستين داهية أي كلب بيقف جوه المقطم بيقتل المصريين" هكذا وجه المذيع يوسف الحسيني نداءه للجيش ليقضي على جميع الإخوان، والعجيب أن أحمد المسلماني مستشار الرئيس المغتصب للسلطة كان حاضرًا هذا اللقاء ولم يستنكر دعوات الحسيني التحريضية، والأعجب من ذلك هو قول المسلماني"

 

الرئيس مرسي مسئول عما يجري في مصر أنا قولت الكلام ده مرات عديدة، قبل وبعد 30 يونيو أن رئيس الدولة مسئول عما يجري بما فيها دماء الطرف الآخر لإنه في النهاية قائد هذه السفينة بكاملها فأيًا كان من أتباعه أو خصومه هو مسئول عن كل الدماء "أدان المسلماني نفسه.. فهذه كلماته قبل أن يصبح مستشارًا للرئيس– الطرطور- واعترافه أن السلطة هي المسئولة عن كل الدماء، وهو ما يعني في الأعراف المهنية أن يُحمّل المسلماني مسئولية دماء الحرس الجمهوري والمنصورة والنصب التذكاري وبور سعيد للسلطة الانقلابية التي هو جزء منها.

 

المشعل الذي أضاء

 

هذا الإعلام الدموي الفاشي التحريضي هو الذي قال عنه الرئيس المعين من قبل حكومة الانقلاب الدموي عدلي منصور في أول خطاب له يوم 4 يوليو 2013 "إن الإعلام كان مشعلا أضاء الطريق للشعب وكشف سوءات النظام السابق"!

 

لنستعرض بعض تحريضات وأخلاق ما يُسمونهم "نخبة" و"رموز الحركة الوطنية" والمثقفين"، لنري أنهم عنصريون وفاشيون حتى النخاع ويتعطشون لسفك دماء من يختلف معهم، ولنعرف حقيقة المشعل الذي يسفك الدماء ويشعل الحرائق في ربوع الوطن.

 

حلمي النمنم: "خلونا نتكلم بصراحة ونبطل الرومانسية مفيش ديمقراطية ومفيش مجتمع انتقل إلى الأمام بدون دم، فيه دم نزل ودم هينزل قضيتنا إن إحنا منعملهاش حرب أهلية ومنعملوش دم غزير لكن لا بد نكون عارفين فيه فاتورة هتدفع مفيش بلد خد حريته وديمقراطيته بالمجان فكرة الرومانسية اللي إحنا قاعدين فيها لأ".

 

محمد الغيطي: "من يقرأ في تاريخ الأندلس سيعلم أن الإخوان المسلمين كانوا سبب سقوط الأندلس، دول يتحطوا في زبالة التاريخ. ملعون أبو مرسي. ملعون أبو الإخوان".

 

لميس الحديدي: أهالي المنطقة رمسيس والعباسية لقنوا حازمون درس صعب شوية عندما قامت مظاهراتهم، عايزين نقول إن أهالي هذه المنطقة يعرفوا يصدوا هذه الهجمات".

 

أحمد موسى: "لو الناس المسئولة في البلد هتقعد تطبطب يبقي مفيش ثورة قامت إذا الرئيس والحكومة مش عارفين ياخدوا إجراءات في مواجهة البلطجة يقعدوا في بيوتهم إذا وزير الداخلية مش قادر يحمي ظباطه والمواطنين يقعد في بيتهم يا وزير الداخلية اتعامل مع الإخوان كتنظيم إرهابي مسلح تعامل معهم بقوة التسعينات. انسى المجتمع الدولي في التسعينيات محدش فتح بقه. مفيش مخلوق يطلع يكلمني عن مصالحة انسوا. تحدثوا عن مواجهة تنظيم إرهابي مسلح وقاتل وإجرامي وبعدين تتصفي الناس دي ثم نبدأ نتكلم عن المصالحة بعد خمس ست سنين. الهدف الأول مواجهة التنظيم الإرهابي الإخواني. مش عايز اسمع مسئول في البلد بيتكلم عن المصالحة. نزل قواتك رجالتك جنودك إنهي موضوع رابعة العدوية أيا كانت الخسائر ومتبصش ع المجتمع الدولي يتحرق المجتمع الدولي، النائب العام لازم يتحرك فورًا ويطلع بيان بفض ما يجري في رابعة العدوية والنهضة فورًا".

 

الفاشية

 

الإعلام المصري الآن (الحكومي والخاص) يحتوي كمية من العنصرية غير مقبولة في أي شرع أو ملة أو عرف، فهو يستخدم نفس وسائل الصليبية العالمية والفاشية النازية "من ليس معنا فهو ضدنا". لم يكتف هذا الإعلام بالتحريض على قتل من ينتمي لجماعة الإخوان والتيارات الإسلامية وإنما امتدت العنصرية والفاشية لتشمل الأشقاء الفلسطينيين والسوريين.

 

مصطفى الجندي عضو جبهة الإنقاذ "الغريب مالوش مكان في الشارع ولا في الحارة يطلع بره ياخدوه لو م الشرقية يودوه الشرقية لو م الغربية يودوه الغربية لو من سوريا أو فلسطين أي دولة غير مصرية إعدام".

 

توفيق عكاشة: "بقول لكل السوريين اللي قاعدين في مصر رسالة تحذير تتضمن 48 ساعة الشعب المصري جاب كل العناوين اللي إنتوا قاعدين فيها واللي مأجرين شقق واللي قاعدين في دمياط الجديدة واللي قاعدين في مدينة السادات واللي قاعدين في 6 أكتوبر كل العناوين الشعب المصري جابها وبيدخلكوا في المهلة الـ 48 ساعة إذا قعدتوا مع الإخوان بعد 48 ساعة الشعب هيطلع يدمر بيوتكم عناوينكم كلها موجودة الشعب هيطلع يدمر بيوتكوا".

 

عمرو أديب عن الفلسطينيين: "الناس دي تستحق اللي هي فيه وتستحق إن هي تنتهي، الخواجة الإسرائيلي سلام يا عمي".

 

شماتة القتلة

 

قتلت الداخلية والبلطجية أكثر من مائتي مواطن وجرحت آلاف إصاباتهم متفاوتة بين الخطيرة والمتوسطة يوم فجر يوم 27 يوليو بزعم أنهم احتلوا كوبري 6 أكتوبر.. كانت الشماتة هي شعار القتلة.. وزير الداخلية في مؤتمره الذي عقده راح يوزع الابتسامات ويسخر من المعتصمين، وزاد بأن قواته هي التي ضربت بالرصاص الحي!.

 

تجاهلت فضائيات الكذب مذبحة النصب التذكاري، وهي ذات الفضائيات التي أقامت الدنيا ولم تقعدها يوم حدوث مشاجرة في قنا عام 2011 نتج عنه جرح أذن أحد المسيحيين، فادعى الإعلام أن السلفيين أقاموا "حد الودن" وقطعوا أذن القبطي! وهي أيضًا ذات الفضائيات التي أقامت حفلة تطبير يوم أحداث الخصوص التي قتل فيها أربعة من المسيحيين بعد كتابة عبارات مسيئة للإسلام على أحد جدران المعاهد الأزهرية وقتل مسلم، وهي مرة ثالثة ذات الفضائيات التي روعت المجتمع عقب مقتل أربعة من الشيعة منهم "حسن شحاتة".. هذه الفضائيات تجاهلت مقتل أكثر من مائتي مواطن وكأن شيئًا لم يكن!

 

الإجرام الإعلامي في التعامل مع مذبحة النصب التذكاري دفع المذيع يسري فوده الذي يعمل بقناة رجل الأعمال نجيب ساويرس أون تي في ليقول: "أسجل تحفظي وحزني الشديدين لما أراه من تناول إعلامي ضار سواء من خارج مصر أو من داخلها، بما في ذلك القناة التي أعمل بها، إلا من رحم ربي".

 

إعلام يرتكب جرائم جنائية

 

وحول ما يفعله المنتسبون للصحافة والإعلام ودعواتهم للقتل، قال الإعلامي حازم غراب: بداية أنا لا أسمى هؤلاء "إعلاميون" ولا أعتبرهم "صحفيون، فهم فئة تطالب بالإقصاء وتري أن الخلاف مع الآخر يستحق أن يكون موجبًا لقتله، وقد استمعت لأحدهم فقد اعتباره كصحفي ويجب على النقابة طرده، وهو حلمي النمنم الذي دعا صراحة للقتل خلال المؤتمر الذي بثته قناة أون تى في على الهواء.

 

وتابع غراب: هذا الصحفي السابق يطالب بإسالة كثير من دماء الشعب المصري بزعم الديمقراطية، والغريب أن النيابة لم تتخذ بحقه أي إجراءات، في حين تم حبس واعتقال وتلفيق تهم لـ خيرت الشاطر ومهدي عاكف ومحمد سعد الكتاتني ورشاد البيومي وحازم أبو إسماعيل وعصام سلطان وأبو العلا ماضي، واتهامهم بالتحريض على القتل دون أي دليل، وعلى الجانب الآخر يظهر أشخاص في فضائيات ويدعون صراحة للقتل والإبادة بحق تيار سياسي ومع ذلك فهم طلقاء ولا تستدعيهم النيابة.

 

وأضاف غراب: لا بد أن نؤكد أن هذا ليس إعلامًا وإنما أبواق دعاية سوداء لمنظمات تهدف لتفكيك الوطن وتحرض على قتل الأبرياء حتى أن المذيع يسري فوده الذي يعمل بقناة أون تي في استنكر مذبحة النصب التذكاري ولم يتحمل أن يري هذه الجريمة.

 

من جهته قال الإعلامي بدر محمد بدر: دعني أتحدث بوضوح، ما يحدث الآن هو جرائم جنائية وتحريض على القتل ترتبط بدوافع سياسية من قبل تيارات تنتهج الإقصاء والتخوين، وهذه الجرائم لا بد أن تواجه بحسم.

 

وأضاف بدر: إن مسئولية المجازر التي حدثت يتحملها هؤلاء الذين مارسوا التحريض والدعوة لاستباحة الدماء وإزهاق الأرواح، وتابع أن هذا التحريض الفج يهدف لمساندة الانقلاب والاستبداد.

 

ودعا بدر كل من لديه ذرة من ضمير أو خلق أن يكف عن التحريض على قتل الأبرياء والمتظاهرين السلميين.

 

الإعلامي السوداني عادل النيل يعلق على ازدواجية الإعلام المصري قائلا: الإعلام المصري تعامل مع كثير من التصريحات والأقوال بصورة ساذجة وملفقة, وهي حالة اتسم بها هذا الإعلام منذ تناوله كشف خلية "حزب الله" التي لم يحسن إدارتها إعلاميًّا فكشفت عورته المهنية وارتزاق القيمين عليها, وهناك إعلاميون شباب نشئوا في أحضان عهد الرئيس السابق مبارك وبعد الثورة انقلبوا عليه مئة وثمانين درجة, وأصبحوا ثوريين بالشتم والسباب من دون أي غطاء أخلاقي وأصبح أصغر إعلامي يتطاول على من هم أكبر منه من دون موضوعية أو احترام للآخر, وذلك على نموذج ما حدث من أحد متحدثي التيار الشعبي, وهو شاب صغير السن, طلبت منه مذيعة استضافته في برنامجها التعليق على ما ذكره المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع في رسالته الأسبوعية التي يوجهها كل خميس إلى أعضاء الجماعة وأنصارها, وقال فيها: "إن ما فعله السيسي في مصر يفوق جرما ما لو كان قد حمل معولا وهدم به الكعبة المشرفة حجرا حجرا", ووصف الرجل بأنه مريض نفسي وعقلي بحاجة إلى مراجعة طبيب.

 

وسذاجة التعليق والوصف قائمة على إساءة الفهم لما ذكره المرشد الذي يستند إلى حديث صحيح نصه "لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل المسلم", ولذلك فإن ابتسار المعاني والكلام يدل على ضحالة فكر الطرف الثاني وهو الأمر الشائع في فهم مجريات الأمور, ويمكن القطع بأنه لم يستطع الربط بين الحديث واقتباس المرشد, وذلك ما يعبئ وعي العامة بأفكار ساذجة واستخلاصات منقوصة تشكل قناعات سلبية لا تليق بالنخبة التي للأسف تمثل قادة رأي وبدلا من التشويه كان الأحرى توجيه خطاب تصحيحي للوعي الجمعي يرتفع بمعرفة المصريين إلى الحد الأدنى المعرفي والفكري بتحولاتهم السياسية ومعرفة قادتهم.

 

الجهل وحده يخدم الإعلام المصري الحالي الذي يفتقد المهنية وينتشله من مستنقع الوضاعة والارتزاق وبيع الضمائر, لأن انهيار الثورة المصرية الحالي وانكشافها الفكري سببه الإعلام وخيبة النخبة المصرية في إدارة الدولة ورفع سقف الوعي المصري إلى مستوى وقيمة دولتهم التي تتم مزايدة عليها تجعلها جمهورية موز تقضي جموعها أيامها في الشوارع بحثا عن حقوقها, ما إن ينال تيار حقه على حساب آخر, يخرج الآخر إلى الشوارع والميادين يطالب أيضًا بحقه في تدوير الحالة والعملية السياسية, والخاسر في النهاية مصر.