- المؤيدون: التعقيم هو الحل حمايةً للمجتمع

- الرافضون: عدم الزواج مفسدة يجب درؤها

 

في تطور إيجابي في النظرة إلى فئة المعاقين بدأ المجتمع يتقبَّل فكرة زواج المعاق وحقه في تكوين أسرة، إلا أن هذا القبول لم يصل بعدُ إلى فئة الإعاقات العقلية؛ نظرًا لكونها تمتد إلى ما وراء الفعل لتشمل الإرادة أيضًا؛ ولذلك يصبح التساؤل عن حقِّ هذه الفئة في الحب والزواج مثارَ جدل واسع على مستوى أهل الطب وعلماء الدين الذين تصل اختلافاتهم إلى ما هو أبعد من ذلك؛ ليزدادَ الاختلاف اتساعًا عندما يصل الأمر إلى ما هو أكبر من المنع من الزواج والحب؛ ليدخل منطقةً جديدةً في مناقشة تلك القضية، ألا وهو التفكير في الحرمان من الغريزة الجنسية من خلال التعقيم!!

 

وقد أُثِيرت هذه القضية منذ سنوات قليلة وأخذت مساحةً غير قليلةٍ من اهتمام وسائل الإعلام واهتمام الأطباء وأهل الشرع، وقد دفعت القضيةُ أُمًّا ذهبت تستنجد بأحد الأطباء تطالبه بإيجاد طريقةٍ ما لتعقيم ابنتها المعاقة ذهنيًّا والتي كانت قد بلغت مرحلةَ المحيض وهي لا تملك القدرةَ العقليةَ للتصرف تجاه هذا الحدث الجديد الذي يتطلب عنايةً خاصةً واهتمامًا خاصًّا من ذوي الإدراك الطبيعي، فلجأ الطبيب إلى أهل الشرع يسألهم عن رأي الفقه ورأي أهل العلم، فكان لنا هذا التحقيق:

 

مؤيدون

يُعتبر الدكتور محيي الدين إبراهيم (أخصائي أمراض الخصوبة والعقم) من أشدِّ المتحمِّسين لفكرة تعقيم الحالات الحرجة من ذوي الإعاقات الذهنية، فيقول: "يتم إجراء عملية تعقيم للمعاق عندما تكون إعاقته من الممكن أن تُنقل وراثيًّا إلى الجيل القادم، وهذا الإجراء تم التفكير فيه منذ سنوات، ولكن لا يوجد بشكل قوي في المنطقة العربية، وعند إجراء هذه العملية لا بدَّ أن يوقِّع وليُّ الأمر على إقرار يوافق فيه على إجراء تلك العملية لابنه أو ابنته، ونخبره بأن مثل هذه العمليات تكون غالبًا غيرَ قابلة للتعديل، وعندها نقوم بإجراء العملية للشاب أو الفتاة، وهي- جراحيًّا- تُعتبر بسيطةً جدًّا، وتُجرَى للفتاة بالمنظار ودون تدخل جراحي".

 

ويضيف: "وأنا شخصيًّا مؤيدٌ لفكرة إجراء هذه العمليات بشرط التأكد بنسبة كبيرة من أن الإعاقة يمكن أن تورَّث للأجيال القادمة؛ لأننا بهذا سوف نحيي جيلاً جديدًا يعاني من مشكلة الإعاقة، إضافةً إلى مراعاة نقطةٍ مهمةٍ، وهي أن الأصلَ في الإنجاب الرعايةُ، وليس فقط مجرد تكوين أسرة بأية حال، وعندما يكون الأب والأم غير قادرَيْن على هذه الرعاية فما الهدف إذن من الإنجاب؟!

 

معارضون

وعلى الجانب العلمي أيضًا تمثِّل الدكتورة شهيرة سامي- أخصائية الأمراض النفسية بكلية طب قصر العيني- وجهةَ النظر العلمية المخالِفة لجبهة الدكتور محيي؛ إذ تقول: "إن الأمر يتلخَّص بالنسبة للمعاق ذهنيًّا في الغريزة الجنسية، فهي التي تحركه، فهو غير واعٍ ليطلب الزواج أو ليطمح إلى فكرة تكوين أسرة، وإن كان هذا لا يمنع شعوره بالغريزة، ويظل قرار الزواج في هذه الحالة مصدره الأهل الذين قد يفكرون في تزويجه، إما بدافع الاطمئنان عليه أو لاعتبار أن الزواج هو الأمر الطبيعي لأي شاب وفتاة، وأنا أؤيد زواج المعاق ذهنيًّا؛ لأن هذا حقه الطبيعي في حالات معينة، وهي الحالات المتقدمة نسبيًّا، والتي يكون فيها المعاق
متمتعًا بدرجة عالية من الاستقلالية أي يستطيع الاعتماد على نفسه في أهم احتياجاته، أما الحالات التي يكون فيها المعاق اعتماديًّا فلا؛ لأنه لن يكون قادرًا على تحمل أي مسئولية، وفي الوقت نفسه يجب مراعاة أن الغريزة الجنسية هي طاقة طبيعية موجودة بداخل المعاق؛ لذلك يجب شغل أوقاته بقدر المستطاع حتى لا تتحول هذه الطاقة إلى ممارسات جنسية خاطئة، وفي الوقت نفسه لا يجب بترها.

 

الشرع يعتصم بالأمل

وعلى الجانب الشرعي ترى الدكتورة آمنة نصير- الأستاذ بجامعة الأزهر- أن هناك رأيين في هذا الموضوع: الأول يقول بمشروعية زواج المعاق ذهنيًّا لأن هذا هو حق طبيعي له لا نستطيع أن نحرمه منه، والرأي الآخر يقول بعكس ذلك وهو أن نمنع زواج المعاق؛ لأنه غير مؤهَّل ولن يستطيع أن يتحمل مسئولية أسرة، وأنا شخصيًّا مؤيدةٌ للرأي الأول؛ لأن المعاقين ذهنيًّا لهم الحق في الزواج مثلهم مثل بقية أفراد المجتمع؛ وذلك لأن الجانب الغريزي عندهم لا يعرف الإعاقة، ومن ثَمَّ فإن تجاهلهم سينتج عنه عواقبُ وخيمةٌ؛ لذلك لا بد من السعي لزواجهم وذلك اعتمادًا على القاعدة الفقهية التي تقول "درء المفسدة مقدمٌ على جلب المنفعة".

 

وترفض د. آمنة نصير فكرةَ تعقيم المعاق ذهنيًّا، وتعلق على هذه النقطة قائلةً: "إن إجراء مثل هذه العملية للمعاقين غير جائزٍ شرعًا؛ لأنه لا يجوز حرمان المعاق من نعمة حباه الله بها، ولكن يمكن حل المشكلة بشكل آخر مثلاً إذا كان الأب والأم غير أصحاء بدرجة تجعلهم غير أمناء على تربية الأبناء، فيجب هنا تفعيل دور الأهل والأسرة الكبيرة والمجتمع والدولة؛ لأنهم كسائر البشر لهم الحق كل الحق في الحب والزواج والحياة الكريمة أيًّا كانت نظرة المجتمع لهم وأيًّا كان نوع الإعاقة، الأمر فقط يحتاج إلى وعي والوعي يحتاج إلى تغير، وكل أملنا أن تكون هناك نقطة ضوء على طريق العلم تجدِّد لهؤلاء المعاقين وأسرهم الأملَ في حياة طبيعية.

 

تحفُّظ..!!

وكذلك يقف الدكتور محمد السماحي- أستاذ أصول الدين بجامعة الأزهر- متحفِّظًا تجاه ما يراه بعض الأطباء من ترجيح فكرة تعقيم الحالات المتدهورة من أصحاب الإعاقات الذهنية، فيقول: "إننا نقيس هذه الحالة على الحديث النبوي الشريف "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاءٌ".

 

وبناءً على هذا الحديث فإن هناك خمس حالات فقهية يتراوح بينهن حكم الزواج في الإسلام، والذي قد يكون في أحوال معينة واجبًا، وقد يكون في أخرى مندوبًا، وقد يكون في أحيان أخرى مكروهًا، وفي أخرى مباحًا، وفي حالات خاصة قد يكون محرمًا، وهذا الأخير هو ما ينطبق على حالات الإعاقة التي نحن بصددها؛ إذ القاعدة في هذا الزواج المُحرَّم تقول إن التحريم هنا مرتبطٌ بغياب المقدرة على الإنفاق وما يعنيه ذلك من انتفاء إمكانية توفير الحدود الدنيا من الوسائل المعيشية الضرورية اللازمة للحياة الكريمة؛ مما قد يترتَّب عليه تجويع للأبناء القادمين وتشريدهم، هنا يصبح الزواج محرمًا بصفة مؤقتة حتى تتوفر الاستطاعة كما في حديث زواج الشباب الذي اعتبر الاستطاعة هنا شرطًا للزواج.

 

وكما أن الاستطاعة المالية ضروريةٌ للحياة الكريمة للأسرة الجديدة فإن الاستطاعةَ الذهنيةَ والنفسيةَ التي تحتاجها الأسرة في عائلها هي من الضروريات اللازمة في شخصية ربِّ البيت، والذي من المفروض أنه القائم على شئون أسرته؛ مما يعني حتمية توافر المؤهلات الذهنية والإرادية والصحية التي تعينه على تحمل مسئولياته المادية والمعنوية بالقدر الذي يضمن توافر حياة مستقرة وطبيعية للأسرة القادمة، ومن هذا المنطلق يتساءل الدكتور السماحي: هل لنا أن نُفتي بأن المعاق بحالة مرضية أو ذهنية حرجة يقع في شريحة الممنوعين من الزواج باسم الشرع؟!

 

وهنا تكون الإجابة بنعم ولكن بشروط، بمعنى أنه إذا ترتَّب على زواج هذه الحالة مشكلاتٌ كثيرةٌ كالتي ذكرناها سابقًا إضافةً إلى المشكلة الكبرى وهي احتمالية إنجاب أجيال معاقة.. في مثل تلك الحالات تتقرر الفتوى نتيجة تعاون واعٍ وأمين بين ممثلي العلم (وهم الأطباء) وممثلي الشرع (وهم العلماء)؛ لأن هذه التساؤلات الفقهية العلمية أصبحت كثيرةً وتحتاج إلى رؤية استباقية واعية من أهل الفقه وأهل العلم.

 

وبعد شهادة العلم بتأكيد خطورة نتائج زواج هذة الفئة على مستقبل الأجيال القادمة هنا يكون الحكم بالمنع من الزواج، والذي نرى أنه من الممكن أن يُحَال بينهم وبين الزواج ولكن بطريقة لطيفة، وبعيدًا عن فكرة التعقيم التي لا أرى لها مبررًا وذلك حتى لا نقطع على هؤلاء باب الأمل، إذ قد يَمُن الله عليهم بالشفاء يومًا ما.