بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلينَ، سيدِنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.. وبعدُ!!

 

أيها الإخوةُ والأخواتُ..

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

منذ فترةٍ، وشَعبُنا يَتململُ من قيودِه، ويُزحزِحُ الأثقالَ الجاثمةَ على صدرِه، كي يستنشقَ نسيمَ الحريةِ، ويتحركَ لبناءِ نهضةِ أمتِهِ- كما تتحركُ الشعوبُ الحيَّةُ- لينقِذَها من مهاوِي التخلفِ والضَّيَاعِ الذي تَعيشُ فيهِ، إلى مَراقِي التقدمِ والصعودِ، الذي يليقُ بها كأمةٍ سبَقَت العالمَ كلَّه في مضمارِ الحضارةِ بآلافِ السنين.

 

ومِنْ هُنا جاءَ الحِراكُ السياسيُّ معبِّرًا عن هذه الرغبةِ الشعبيةِ، ونزلت الجماهيرُ إلى الشارِعِ؛ لترفَعَ صوتَها عاليًا مدوِّيًا؛ لِيسمعَهُ الجاثِمون الصُّمُّ، ولِيُغيِّروا مسارَهم نحوَ الإصلاحِ العامِّ، وعلى رأسِهِ الإصلاحُ السياسيُّ، ولكنَّ السلطةَ تعاملت مع هذه الرغبةِ الشعبيةِ العارمةِ بأسلوبين:

1- إطلاقُ الوعودِ الورديةِ العريضةِ، كما تمثَّل في برنامجِ الرئيسِ للإصلاحِ السياسيِّ.

2- الالتفافُ على هذه الوعودِ لإجهاضِها؛ باستخدامِ سلطةِ التشريعِ، وسلطةِ التخويفِ، وتَمثَّل هذا في مظاهرَ كثيرةٍ.

 

فإذا كانَ مِن أخصِّ خصائصِ القاعدةِ القانونيةِ أن تكون مجردةً وعامَّةً- كما يقولُ فقهاءُ القانونِ- فإذا ما توخَّتْ مَنْحَ شخصٍ أو فئةٍ مَيْزَةً، وحرمانَ آخرينَ منها.. فإنها تكونُ انحرافًا بالقانونِ والتشريعِ، وهو ما فعلتْهُ السلطةُ، ابتداءً من تعديلِ المادةِ 76 من الدستور، الذي فصَّلَها على أشخاصٍ وأوضاعٍ دونَ غيرِهم، وأفرغَها من مضمونِها الذي يَتَطَلَّعُ إليه الشعبُ، ومِن ثمَّ استحقَّتْ وصْفًا كبيرًا من أساتذةِ القانونِ الدستوريِّ بأنَّها (خطيئةٌ دستوريةٌ).

 

ثم تجلَّى هذا الانحرافُ في تعديلاتِ قانونِ الأحزابِ، ومباشَرةِ الحقوقِ السياسيةِ، فقد أحدثَ تعديلُ قانونِ الأحزابِ تعديلاتٍ شكليةً، لا تؤثرُ في جوهَرِهِ الذي يحرمُ كلَّ الشرفاءِ من أبناءِ هذا الوطن من تكوينِ أحزابِهم، كما يمنعُ ويرفضُ الاعترافَ بجماعتِنا (كبرى الجماعاتِ شعبيةً) إلا بعدَ أن يرضَى عنَّا الحزبُ الحاكمُ، وهو ما نرفُضُه ونأْبَاه، ويكفينا شَرَفًا اعترافُ جماهيرِ الشعبِ بنا.

 

وأما قانونُ مباشَرَةِ الحقوقِ السياسيةِ فقد نقلَ رئاسةَ اللجنةِ العُليا المُشرِفةِ على انتخاباتِ مجلسِ الشعبِ مِن وزيرِ الداخليةِ إلى وزيرِ العدلِ، نقلَها على الورقِ فقط، ولذلكَ لم نجدْ لها أثرًا في الواقعِ!! ثم لماذا الإصرارُ على بقاءِ الإشرافِ على الانتخاباتِ في يدِ السلطةِ التنفيذيةِ وهي إحدى القوى المنافِسةِ فيها؟! والأصلُ أن ينتقلَ الإشرافُ للسلطةِ القضائيةِ المحترَمَةِ المحايِدةِ!!

 

واليومَ نلتقي لِنبحثَ ونُدينَ انحرافًا جديدًا بسلطةِ التشريعِ، وانقلابًا على وعودِ الإصلاحِ، والمتمثِّلِ في إصدارِ قانونٍ بتأجيلِ انتخاباتِ المحلياتِ لمدةِ عامَين، بدلاً من إجرائِها في أبريلَ المقبلِ، ولَنا على هذا القانونِ عدةُ ملاحظاتٍ:

- أنه مقدَّمٌ مِن رئيسِ الجمهوريةِ شخصِيًّا وليس مِن الحكومةِ؛ لإجبارِ جميعِ أعضاءِ الحزبِ الوطنيِّ في البرلمانِ على الموافقةِ عليهِ، وإلا فَمَنْ يَتَحمَّلُ غضبَ الرئيسِ؟!!

 

- أنه تَمَّ تمريرُه من مجلسِ الشورى إلى مجلسِ الشعبِ بسرعةٍ شديدةٍ، وأقرَّه الأخيرُ في جلسةٍ واحدةٍ، بينما تتعثَّر القوانينُ الضروريةُ للشعبِ والوطنِ سنينَ عديدةً في الأدراجِ والأضابيرِ، وأوضحُها مثالاً قانونُ السلطةِ القضائيةِ، الذي ينتظرُ الرضا الساميَ منذ خمسةَ عشرَ عامًا، والتعديلات القانونية لمنعِ حبسِ الكُتَّابِ في قضايا النشرِ.

 

- أنَّ هذا التأجيلَ جاءَ في أعقابِ الانتخاباتِ البرلمانيةِ، التي فازَ فيها 88 عضوًا من الإخوانِ المسلمينَ، وتمَّ إسقاطُ 40 مرشَّحًا منهم، كما جاءَ في اعترافِ الدكتور أحمد نظيف- رئيسِ مجلسِ الوزراء- في حديثِهِ لمجلة الـ(نيوزويك) الأمريكيةِ، ومِن ثَمَّ فإننا نعتقدُ أنهم لجأوا إلى هذا التأجيلِ خشيةَ تكرارِ نفسِ النتيجةِ في انتخاباتِ المحلياتِ.

 

- أن هذا التأجيلَ جاءَ أيضًا في أعقابِ ظهورِ نتائجِ انتخاباتِ المجلسِ التشريعيِّ الفلسطينيِّ، الذي يُعدُّ مؤشِّرًا على رغبةِ الشعوبِ العربيةِ والإسلاميةِ في الإصلاحِ على طريقِ الإسلامِ.. وهنا أُوجه نداءً إلى السيدِ عمرو موسى- الأمينِ العامِ للجامعةِ العربيةِ- بالعملِ على إنشاءِ صندوقٍ شعبيٍّ لدعمِ فلسطين تحت إشرافِ الجامعةِ العربية.

 

- أنه يَصبُّ في اتجاهِ توريثِ الحكمِ لشخصٍ معيَّنٍ، ويَحرِمُ جميعَ الفصائلِ والأفرادِ من الحصولِ على مؤهِّلاتِ مجرَّدِ الترشيحِ لمنافَسَتِهِ، التي اشترطتْها تعديلاتُ المادةِ 76 من الدستور.

 

- أنه جاء في أعقابِ اعترافِ أحدِ أقطابِ النظامِ في مجلسِ الشعبِ، بأنَّ الفسادَ في المحلياتِ قد وصلَ (لِلرُّكَبِ)، ومؤدَّى هذا أنَّ القانونَ يَحمي الفسادَ ويُبقِيه، وأنَّ كلَّ دعاوَى الإصلاحِ التي تدَّعِيها السلطةُ إنما هي كذبٌ وخِداعٌ؛ ولذلك فلا غَرْوَ أنْ تَغرقَ العبَّارةُ (السلام 98) أو يغرقَ الوطنُ، أو تسقُطَ الحكومةُ في مواجهةِ كارثةِ "أنفلونزا الطيور" التي لا تستطيع أن تواجهها بمفردها دون ثقةِ الشعبِ بها، ودون مكافحةِ الفساد، ما دامَ حكامُنا جاثِمينَ على السلطةِ؛ ولذلكَ فإنَّني أُحَيِّي كلَّ مَن رفَضَ إقرارَ هذا القانونِ الظالمِ، سواءٌ كان منَّا أو مِن غيرِنا.

 

أيها الإخوةُ والأخوات..

إنَّ مظاهرَ الانحرافِ الواسعِ بسلطةِ التشريعِ هي التي تفسِّرُ لنا سرَّ استماتةِ النظامِ للحصولِ على أغلبيةِ ثُلثَيْ أعضاءِ مجلسِ التشريعِ، بكلِّ الوسائلِ غيرِ الأخلاقيةِ وغيرِ القانونيةِ وغيرِ الإنسانيةِ، وكذلكَ سِرَّ تمسُّكِهِ بقانونِ الطوارئ، الذي يُخوِّلُه سلطةَ الاعتقالِ، والإحالةَ إلى محاكم استثنائيةٍ، فمنذُ أيامٍ قلائلَ تَمَّ تحويلُ الأستاذِ الدكتور "حسن الحيوان"- أستاذُ أمراضِ الصدرِ بكليةِ الطبِّ بجامعةِ الزقازيق- وشَخصَين معَه إلى محكمة أمن الدولةِ العُليا (طوارئ) بتهمةِ البلطجةِ أثناءَ الانتخاباتِ، في الوقتِ الذي تَمَّ فيه تجاهلُ جرائمِ بعض أجهزة الشرطةِ، التي وصلَت إلى حدِّ القتلِ والعدوانِ على القُضاةِ، وكذلك بلطجةُ أنصارِ مرشَّحي الحزبِ الوطنيِّ.

 

أما استخدامُ سلطةِ التخويفِ لوأْدِ أملِ الناسِ في الإصلاحِ فتمثَّل في:

- استخدامِ القسوةِ المفرطةِ في التعاملِ مع المتظاهرين، إلى حدِّ انتهاكِ أعراضِ النساءِ، والأدهَى من ذلك هو حفظُ التحقيقِ مع مقترفِي هذه الجرائم.

 

- اعتقالِ نحوِ ثلاثةِ آلافٍ من الإخوانِ المسلمين أثناءَ التظاهراتِ السلميةِ، واعتقالِ ألفٍ وأربعمائةٍ آخرين أثناءَ الانتخاباتِ البرلمانيةِ، والعودةِ إلى المحاكمِ الاستثنائيةِ.

 

- التصادمِ مع السلطةِ القضائيةِ والمرشَّحِ للتصعيدِ بسببِ رفضِ إقرارِ قانونِ السلطةِ القضائيةِ المعتَمَدِ من جمعيتِهِم العموميةِ منذُ سنةِ 1990م، وإدخالِ تعديلاتٍ سريةٍ عَلَيه، تهدف إلى تفريغِهِ من مضمونِهِ، وإبقاءِ السلطةِ القضائيةِ أسيرةً تحت هيمنةِ الحكومةِ، وتحويلِ أربعةٍ من أفضلِ المستشارين للتحقيقِ، ومنْعِ الدعمِ الماليِّ عن نادِيْهم حتى يدخلَ في بيتِ الطاعةِ الحكوميِّ!!

 

وإنني من هذا المكانِ أُوجِّه التحيةَ والإعزازَ والتقديرَ لقضاءِ مصرَ الشامخ في وقفته ضد الاستبداد، وأُعلِنُ للجميعِ أنَّ القضاةَ هم حماةُ العدلِ، وحماةُ الحقِّ، وحماةُ الشعبِّ، وقد آنَ الأوانُ للشعبِ أن يَردَّ لهمُ الجميلَ، وأنْ يتقدَّمَ ليحميَهم مِن تَغَوُّلِ السلطةِ التنفيذية وبَطشِها، ومِن تهديدِها لهم بالحرمانِ، فيقتطعَ من قُوتِ أبنائِهِ إذا اقتضى الأمرُ ليحفظَ عليهم كرامتَهم، ويُغنيَهم عن الحاجةِ المقرونةِ بالابتزازِ والمساومةِ، ونحن أوَّلُ مَن يلتزمُ بهذا.

 

ومن هذا المكان أيضًا أُوجه إلى الإدارةِ الأمريكيةِ هذه الأسئلة:

- هل يمكن أن يصدقَكُم أحدٌ وأنتم تُعاقبِون الشعبَ الفلسطينيَّ على اختيارِه الحرِّ الديمقراطيِّ؟

- وهل ما زلتم مصممينَ على احتلالِ العراقِ رغم الفشلِ المدوِّي؟

- ولماذا الكيلُ بمكيالين في قضيةِ "السلاحِ النوويِّ"؟

- وهل تمنعون شعبًا مسلمًا من الحصولِ على الطاقةِ النوويةِ للأغراض السلمية بينما تدعمون حكوماتٍ صهيونيةً متتاليةً بَنَتْ ترسانةً نوويةً عسكريةً (مائتي رأس)؟!

- لقد اعترفتُم بخطأ دعم الديكتاتورياتِ لمدة ستين سنةً في المنطقة.. فهل آنَ أوانُ الاعترافِ بالخطيئةِ الكبرى في حقِّ شعبِ فلسطين؟!

 

وإلى أوروبا والغرب..

حول الرسومِ الكاريكاتيريةِ أقول إننا دعاةُ حقٍّ وسلامٍ وحبٍّ وتعاون.. فلماذا تغرسون الكراهيةَ ضد نبي الإسلامِ في نفوسِ شعوبكم وتلاميذِ المدارسِ لديكم؟! ولماذا تصممون على دمغِ الإسلامِ بالإرهابِ ووصمِ المسلمينَ بالإرهابيين؟! وهل هذا يؤدي إلى سِلْمٍ وأمنٍ وتعاونٍ دولي؟!
وإلى المسلمين في كل مكان أقول:

- تحيةً لغضبةِ الشعوبِ، وننادي بأن تظلَّ سلميةً وألا تنجرفَ إلى العنفِ.

- وأَمَلٌ أن تتجهَ الطاقاتُ للبناءِ والتعميرِ وإرساءِ قيمِ الإسلامِ الحق في الشورى والعدلِ والحريةِ والمساواةِ واحترامِ الأديانِ والثقافاتِ لتتغير صورةِ المسلمين في نظرِ العالمين ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

 

أيها الإخوة والأخوات..

في نهاية كلمتي أحب أن أؤكد على أمرين:

الأول: أنَّ النظامَ ليستْ لديه نيةٌ للإصلاحِ، ولا إرادةٌ للتغييرِ، ولا رغبةٌ في التخلِّي عن الاستبدادِ، أو التصدِّي للفسادِ، وإلا فأينَ وعودُ الإصلاحِ؟ وأين البرنامجُ الزمنيُّ لتنفيذها؟

 

الثاني: أنَّ طريقَ الكفاحِ طويلٌ، وأنَّنا ما زِلْنا عندَ بدايتِهِ؛ ولذلك فإنني أدعو كلَّ الأحزابِ والقُوى السياسيةِ والوطنيةِ أن ترتفعَ على خلافاتِها، وأن توحِّدَ صُفوفَها، وأن تتعاونَ فيما بينَها على ما فيه مصلحةُ الشعبِ والوطنِ، وهذِهِ أيديْنا ممدودةٌ للجميعِ للتصدِّي للاستبدادِ والفسادِ..﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: من الآية 2).

والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.