كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل شهر شعبان بالفرح والسرور ويدعو الله فيقول: "اللهم بلغنا رمضان" لأن شعبان يقربنا من شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ويكثر من الصيام في شعبان بما لا يكثر في غيره من شهور العام، حتى روى البخاري ومسلم بسندهما عن عائشة رضي الله عنها واللفظ لمسلم: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يصوم حتى نقول : لا يُفطرُ، ويفطرُ حتى نقولَ : لا يصومُ، وما رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استكمل صيامَ شهرٍ قطُّ إلا رمضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ منه صيامًا في شعبانَ".

 

وهي تهيئة إيمانية قلبية للاستعداد لشهر رمضان، فصار شعبان كأنه نافلة رمضان، كما يتهيأ المسلمون بالنوافل لصلاة الفريضة.

 

والآن كيف نستعد لرمضان في أنفسنا إيمانيا لمواجهة الهوى والشيطان، وسياسيا لمواجهة الانقلاب ودعم الشرعية، أما الاستعداد إيمانيا فقد  خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ثم رده إلى أسفل سافلين، ووضع الإنسان في اختبار قال عنه سبحانه: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) (الإنسان:2)، وقال سبحانه: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد:10)، فالإنسان خلقه الله من طين، ونفخ فيه الروح، وميزه عن سائر المخلوقات بالعقل، فمثَّل الطينَ الهوى، ومثلت الفطرة الروح، وصار الإنسان بين هوى يشده إلى الأرض بطينها ووحلها: (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) (الأعراف:من الآية176)، وصارت الفطرة تشده إلى أعلى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم: من الآية30)، والعقل يفكر ويقدر، وينظر ويدبر، ويختار ما بين إجابة الهوى، أو الاستجابة لنداء الفطرة، وليس كل الهوى حراما، فهوى الإنسان أن يأكل ليعيش ويقوى للعبادة، لا ليأكل مال اليتيم وكسرة الفقير، وهوى الإنسان في النكاح أن يتناسل ويبقى النوع الإنساني على الأرض، لا ليهتك الأعراض وتختلط الأنساب، وهوى الإنسان أن يتكلم الكلام ليقول الحق، ويصلح بين الناس لا الكذب والبهتان، وهوى الإنسان أن يغضب لنصرة الحق لا اندفاعا نحو الظلم والطغيان، وجاء الشيطان ليلتحم بالهوى فيزيده إسرافا وبدارا نحو الشر من الإنسان إضرارا بنفسه قبل أسرته ومجتمعه وعالمه، فأدركته عناية الرحمن، وأنزل الله القرآن وفرض شعيرة الصيام، ليعود للإنسان الميزان، ويعين عقله على الترجيح بين نداء الفطرة وأوامر الرحمن، في مواجهة إغواء الهوى والشيطان، فصار الصيام ركنا أساسيا في توازن الإنسان، وتغيير ما بالنفس أولا، ثم الأسرة والمجتمع والأمة بعدها ومعها؛ كي يصدر الإنسان في أفكاره وأفعاله وأقواله عن عابد لله عز وجل، خليفة لله في أرضه، داعيا إلى الحق، آمرا بالعدل، ناشرا للبر، متحركا بنور الله كما قال سبحانه: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122)، وهنا يجب أن نتوقف أمام خصائص أنفسنا التي خلقها الله تعالى وركَّب فيها شهوات أربعة قوية هي: "البطن والفرج والكلام والغضب"، وفرض الله الصيام ليكون - مع بقية العبادات - آلية التغيير الإيمانية العملية في الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، ووضع ربنا لذلك سننًا وفرائض عملية؛ لتعين الإنسان على نفسه إصلاحا وتغييرا، وتقويما وتحسينا، فإذا ما جد بالإنسان السير إلى الله، واعتبر الصيام شعيرة تحبها النفس، ويعظمها القلب كما قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32)، فإن الإنسان من أول شعبان سوف يهرع إلى الصيام بالنهار، والقيام بالليل نافلة قبل رمضان، ويضاعف ذلك الإيمان في رمضان ارتقاء طبيعيا، ويستمر بعد رمضان في برامجه الإيمانية من صيام وقيام، وذكر وقراءة للقرآن، وبذل وإنفاق في سبيل الله، وعمارة لبيوت الله، ويظل هذا أدبه ودأبه حتى يأتي قدر الله كما قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99)، فإذا جاء اليقين فإما باب الريان لا يدخله إلا أصحاب الإيمان من الصائمين، وتلك منازل أصحاب اليمين، أما منازل الصديقين والمقربين فلهم مقامات أعلى وأرقى وأسنى نستشف ذلك من دليل الإشارة في الحديث النبوي الذي رواه البخاري بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: "الصوم لي وأنا أجزي به"، فإن كان الصوم له سبحانه، وهو يجزي به فهناك حقا ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

 

ومن هنا وجب الاستعداد من شعبان، قبل الميعاد في رمضان، فلا ندع القلوب في صدأ وغفلة، وقسوة وظلمة، فيأتي رمضان وقد صعب على صفحاته أن تستقبل نفحات الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، وما يلي بعض الواجبات الإيمانية والسياسية:

 

أولا: الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل أن يقي أهل مصر من هذه المحنة، وأن يكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار وأن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يحقن دماء المصريين عامة والمسلمين خاصة، وأن نتواصى بذلك في ساعات الإجابة ومظانها، وأن يكون هذا سلوكا عاما لكل المخلصين.


ثانيًا: على أهل العلم في جميع أنحاء العالم الإسلامي في كافة المؤسسات الرسمية والهيئات الرسمية والأهلية والمجامع الفقهية والشخصيات الاعتبارية وغيرها أن يقوموا بواجبهم في دعم الشرعية والتحذير من إعانة الانقلابيين بأي وسيلة سواء إعلامية أو غير ذلك ولو بكلمة، وأن كل قطرة دم أو إفساد ينشأ عنها؛ فإنهم يتحملون جميعًا وزرها وإثمها هم ومن أعانهم بأي وسيلة، وأن يكون ذلك من خلال جميع المناشط الدعوية والمنابر ووسائل الإعلام المختلفة.

 

ثالثًا: على جميع قيادات العمل الإسلامي في مصر وخارجها من كافة الفصائل الدعوية، أن يدركوا خطورة تفرقهم وتنابزهم، وأن يقدموا مصلحة الأمة الكلية وحقن دماء أبنائها على المصالح الجزئية والمكاسب الآنية، وأن يدركوا أنهم واقفون أمام الله عز وجل فرادى، وأنهم مسئولون عن تقصيرهم وتنازعهم وتقديمهم حظوظ أنفسهم على واجبات أمتهم، وعليهم مراعاة أن تكون تصريحاتهم قوية وواضحة في دعم الشرعية ورفض الانقلاب.

 

رابعًا: على الفضائيات والمواقع الإسلامية وأصحاب الصفحات الكبرى على مواقع التواصل الاجتماعي أن يعطوا هذه المسألة أولوية كبرى من برامجهم ومشاركاتهم واهتماماتهم.

 

خامسا: التفاؤل والثقة في الله عز وجل وأنه سبحانه لن يخذل عباده، وأنه سبحانه لايصلح عمل المفسدين، وبث الأمل في نفوس الناس، وأنه سيكون بإذن الله يوم انكسار للشر وأهله ويوم عزة للحق وجنده.

 

أسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بمجامع قلوبنا، وأهداب نفوسنا إلى ما يحبه ربنا ويرضى من خلال بوابة التقوى وهي ثمرة الصيام كما قال تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: من الآية 183)، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (القمر:54-55)، كما نتضرع إليه سبحانه أن يحفظ بنا مصرنا من كيد الخائنين، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف: من الآية21)، وغدا نبتسم مرات، واحدة عندما يفشلون وثانية وثالثة عندما نستقبل رمضان ونفرح مرتين لما رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه".