شيء مثير للعجب والدهشة أن ترى مناضلاً قاد بلاده نحو التحرر مضحيًا بعمره وأمنه وماله، ويتمنى الهزيمة لبلاده!!!

هذا ما لفت نظري أثناء قراءتي لمذكرات "ألبرت لوتولي" زعيم حزب المؤتمر الأفريقي وهو الحزب الذي خلفه في رئاسته "نيلسون مانديلا" وقاد البلاد نحو التحرر.

حيث قال "أنا من المتحمسين لكرة القدم، وأعترف بأني كلما شاهدت مباراة لكرة القدم بين فريق جنوب أفريقي- وكان البيض يسيطرون على الأندية وسائر مرافق الحياة- وبين فريق زائر، تمنيت أن يكون الفوز من نصيب الفريق الزائر، وهو نفس شعور كافة أصدقائي الأفارقة"!!!

ما الذي أوصله لهذا الشعور؟ أليس الوطن "حضن" ؟!!

نعم هذا ما ينبغي أن يكون في الأوطان التي تحترم حقوق مواطنيها.

ولكن حين توظف كل مؤسسات الدولة بما فيها الرياضة والفن..... لخدمة نظام حاكم وليس لخدمة وطن، حين يكون حتى فريق كرة القدم من البيض ويتم إقصاء السود بغض النظر عن الكفاءة.

فمن السذاجة، بل من عدم الإنسانية أن نطالب السود أن يشجعوا فريق بلادهم.

البيض كانوا يعلمون من السود تلك المشاعر، وكانوا يتهمونهم في وطنيتهم، ويعتبرون مقاومتهم للتمييز العنصري تخريبًا للوطن، ويطالبون السود بالاندماج كمواطنين من الدرجة الثانية بلا حقوق، والعودة إلى "حضن الوطن".

 والسود يكافحون نظام التمييز بكل قوة لأنهم يريدون "حضن الوطن".

وبعد حين، وبعد أن حدث ما كان الناس يرونه مستحيلاً، أثبت السود أنهم أكثر تحضرًا ورأفةً ورحمةً وحرصًا على سلامة الوطن من البيض.

إن علاقة المواطنين بالوطن، كعلاقة الأب بابنه، والابن بأبيه.

ففي لحظة ضيق قد يدعو الوالد على ولده، ولكنه يكره من يقول: آمين. لأنه دعاء من وراء القلب، وضد الفطرة.

وقد يشكو الوالد عقوق ولده، ويكون الوالد نفسه سببًا في عقوق ولده.

إننا بالانسياق خلف خطاب الكراهية المبرمج والذي يؤديه في الواجهة الذئاب العاوية في أجهزة الإعلام، نخرق سفينة الوطن، ونفكك نسيجنا الاجتماعي.

وحين يتحول الوطن إلى قوم يغنون ويرقصون، وقوم يئنون ويصرخون، فلا تتحدث عن وطن.

ولم ولن ينهض وطن أبدًا... على عذابات وأنات طائفة من شعبه.

لم ولن ينهض وطن أبدًا... بالرقص والغناء والشعارات الجوفاء.