- معهد القلب يجري 18 ألف عملية جراحية لشباب في سن العشرين

- الضغوط الحياتية أثرت على الخصوبة والإنجاب والاستقرار

- الأطباء يحذرون من أمراض أخرى تهدد الشباب لو استمر الكبت والتضييق

 

تحقيق- أحمد عامر

انتشر في الآونة الأخيرة العديد من الأمراض الخطيرة في قطاع الشباب، وطبقًا لإحصائيةٍ عن معهد أمراض القلب فإن المعهد أجرَى 18 ألف عملية جراحية في القلب لشباب في سن العشرين، هذا فضلاً عن انتشار أمراض الشيخوخة المبكرة وضغط الدم، وغيرها من الأمراض التي أصابت العمود الفقري لأي مجتمع.

 

أما الغريب والخطير في الأمر فهو أن هذه الأمراض انتشرت لعدة أسباب، أبرزها الكبت السياسي والتضييق على الحريات، طبقًا لما أكدته الدراسات والبحوث الاجتماعية والنفسية، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة عن أمراض عصر الحريات التي أصابت الشباب، وهل من الممكن أن تؤدي إلى مزيد من الكوارث؟!

 

في البداية يؤكد الدكتور محسن شاهين- استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية- أن ما يحدث الآن في مصر ضد طبيعة الأشياء، وأنه شخصيًّا يقع في حيرة عندما يفحص شابًّا في سن العشرين يعاني من تجاعيد الوجه والرقبة، وهو ما يتنافى مع أبسط قواعد الطب التي تقول إنها عملية فسيولوجية مرتبطة بالتقدم في السن.

 

ويضيف: إننا في حاجة ماسَّة لإجراء مزيد من الدراسات والأبحاث حول هذه الكارثة، فالضغوط التي يتعرَّض لها الشباب المصري تزيد من نسبة هرمونات الضغط المعروفة باسم "البرولاكتين" فتنشط عمليات الأكسدة وتموت الخلايا قبل أوانها، وتظهر علاماتٌ لا تتناسب مع هذه المراحل العمرية كالشيب المبكر الناتج عن القلق والتوتر المؤدي لموت الخلايا الملوَّنة بفروة الرأس؛ بسبب عدم وجود "الميلانين" المادة الضرورية لإمداد خلايا الشعر بلونه الطبيعي، كما يؤدي الإفراط في القلق إلى إفراز مادة كيميائية تعيد توزيع مادة "الميلانين" داخل الخلايا الجلدية، فيصاب بعض الشباب بالبهاق، وتتأثر النهايات العصبية بالمخ، وتزداد معها الالتهابات الجلدية وتقل قدرة الجروح على الالتئام بنسبة 40%.

 

أمراض القلب

ويرى الدكتور أحمد كمال مطاوع- أستاذ أمراض القلب- أن إصابة الشباب بأمراض القلب تحوَّلت إلى ظاهرة مخيفة بعد أن كان "القلب" مرض كبار السن، وفي السنوات الأخيرة تزايد عدد الشباب الذين يتردَّدون على معهد القلب من المصابين بأزمات قلبية وجلطات حادة بالشرايين التاجية؛ نتيجةً لتأثر القلب سلبًا بالضغوط العصبية والنفسية، بدايةً من ضغوط الدراسة والصراع من أجل الحصول على أعلى الدرجات، والبحث عن فرض عمل بلا جدوى، يضاف إلى ذلك الإفراط في التدخين والتلوُّث وعدم ممارسة الرياضة، ويكفي أن نعرف أن معهد القلب فقط أجرى في العام الماضي نحو 18 ألف عملية جراحية في القلب لشباب في سن العشرين!!

 

أما الدكتور محمد الداخل- أستاذ أمراض الذكورة بطب القصر العيني- فيرى أن ضغوطَ الحياة أثرت كذلك على معدل الخصوبة والقدرة الإنجابية للشباب، فالفراغ دفعهم لمشاهدة الأفلام الإباحية، فتدهورت قدراتهم الجنسية، وانعدمت لديهم الرغبة في تكوين حياة زوجية سليمة.

 

أما المتزوجون منهم فيعانون الضعف الجنسي؛ نتيجةً للعمل المتواصل يوميًّا لتوفير نفقات المعيشة؛ ولذلك تشكو نسبة كبيرة من السيدات المترددات على الطب الشرعي بطب القاهرة من هجران أزواجهن، والأرقام تشير إلى أن معدل الضعف الجنسي بين الرجال وصل إلى 26%، وفي بعض الدراسات يرتفع الرقم إلى 40%.

 

وتشير الدكتورة مديحة الصفتي- أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية- إلى أن شيخوخة الشباب أمرٌ متوقَّعٌ لفئة عمرية يسيطر على أغلب أفرادها الاكتئاب والإحباط من عدم تحسن الأوضاع، فنسبة البطالة وصلت إلى حوالي 35% وهناك 9 ملايين شاب وفتاة يعانون العنوسة، وتقول إنهم يشعرون بالزمن يسرق أعمارَهم، فأصيبوا بالعجز النفسي قبل العجز الشكلي، وحاول بعضهم الهروب من خلال الهجرة غير المشروعة أو الانتحار.

 

وتقول إن الصورة المحزنة تمثلت في اتجاه بعض حاملي شهادات الهندسة والصيدلة من الفتيات؛ للعمل كخادمات من خلال توزيعهن عن طريق مكاتب التخديم، بل إن المئات من حاملي الشهادات الجامعية تقدموا لشغل وظيفة خفير نظامي في إحدى القرى!!

 

ويضيف الدكتور فكري عبد العزيز- استشاري الأمراض النفسية والعصبية وعضو الجمعية العالمية للطب النفسي- أن شبابَنا يشعرون بالعجز بعد أن أصبحوا يحتاجون إلى المساعدة من فئات أقل منهم في القدرات والمؤهلات، وترتَّب على ذلك تفشِّي الشعور بالعدوانية، وأغرَقَ الشبابُ نفسَه في التبلُّد والسلبية، واتجه للإدمان للهروب من الواقع.

 

موضحًا أن البطالة تُعدُّ من أخطر الأمراض في هذا العصر التي تصيب الشباب بالعديد من الأمراض الأخرى؛ حيث تبين أن حوالي 90% من المتعطِّلين أعمارُهم أقل من 30 سنة، كما أن البطالة تكاد تنحصر في المتعلمين؛ حيث إن 98.3% من المتعطلين حاصلون على شهادات دراسية من مراحل مختلفة.

 

البطالة والجريمة

وتشير د. إيمان الشريف- أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث- إلى أن بعضَ الشباب يعاني ضغوطًا اجتماعيةً ونفسيةً نتيجةَ التفكك الأسري وسوء التنشئة، سواءٌ تعرض الأبناء للعنف الزائد أو التدليل الزائد من الأسرة، كما أن هناك بعضَ المظاهر السلبية لدى بعض الشباب، مثل الإقبال على التدخين في الأعمار الصغيرة، وهو المدخل الرئيسي لتعاطي المخدرات؛ حيث تشير نتائج بعض الدراسات الإحصائية إلى أن 58% من إجمالي المتهمين في جرائم القتل العمد والضرب المحدِث لعاهة والضرب المفضِي إلى الموت والسرقة بالإكراه من الشباب؛ حيث إن 77.8% من مرتكبي جريمة السرقة بالإكراه من الشباب، ويرجع ذلك إلى الفقر نتيجة البطالة التي يعانيها الشباب.

 

جرائم المخدرات

أما الدكتور إمام حسين- أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث- فيقول: إن ظاهرة المخدرات تُعتبر واحدةً من أخطر القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع؛ لما لها من آثارٍ صحيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ سلبيةٍ، سواءٌ على الفرد المدمن نفسه أو على أسرته أو على المجتمع بأسره.

 

ويأتي السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع الشباب لتعاطي المخدرات أو حتى التجارة فيها؟ والإجابة تتمثَّل في مدى المعاناة التي يعيشها الشباب في ظل مجتمع باع ثروتَه الحقيقيةَ وأمل تقدمه وهم الشباب.

 

ويضيف حسين أن هناك من الإحصاءات التي تعطي مؤشراتٍ عن حجم هذه الظاهرة وانتشارها بين الشباب؛ حيث إنه من خلال التوزيع النسبي للمضبوطِين في قضايا المخدرات فإن حوالي 55.4% من إجمالي المضبوطين في قضايا المخدرات من الشباب في الأعمار من 18- 29 سنة، أي ما يزيد على نصف إجمالي المتهمين ومعظمهم في مراحل التعليم المختلفة.

 

كما أن حوالي 35.4% من المتهمين عاطلون عن العمل ومعظم هؤلاء أيضًا يوجدون في مرحلة الشباب.

 

الثورة المعلوماتية وتطويع العقول

ويقول الدكتور أحمد مجدي حجازي- رئيس قسم الاجتماع بآداب القاهرة-: إن العصرَ الراهنَ اتسم بثورة معلوماتية عابرة للقارات، وثورةٍ معرفية نقَّالة لا تعرف الحدود، وتقنيةٍ فائقةِ الدقة في الاتصالات، فإنه عصر الكلمة والصورة القادرتَين على تطويع العقل وتخدير الشعوب في سبيل تحقيق أممية رأس المال، ولقد تطورت المعرفة العلمية بشكل مذهل وغيَّرت من ثوابت كادت تكون حاكمةً لمنهجية الفكر الاجتماعي، وإن الثورة المادية التي حدثت لم تستطع ثورةٌ أخلاقيةٌ ودينية وروحية معاصرة أن تجاريَها وتتوازنَ معها، ولقد أحسَّ البشر أنهم يفتقدون ذواتَهم الروحية تدريجيًّا ويتحوَّلون إلى أشياء تباع وتُشترى؛ حيث تعقَّدت مواقف الحياة وتحطَّمت معظم القيم والقواعد الأخلاقية أمام اجتياح المادة، ولقد زادت البطالة، وانعدم الأمن، وتدهورت أوضاع البيئة، وتفشَّى الكثير من أمراض العصر، وانتشرت الرشوة والوساطة والمحسوبية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى شيوخ ظواهر العنف والاغتراب لدى الشباب.

 

مؤكدًا أنه من أخطر الأمراض الاجتماعية شيوعًا ظاهرة الزواج العرفي، وكثرة المشكلات الناجمة فيها؛ حيث تزايدت هذه الظاهرة بين طلبة الجامعات، وهذا ما أكدته نتائج بعض الدراسات من أن حوالي 78% من عينة المبحوثين أكدوا أن الزواج العرفي ظاهرة منتشرة بين طلبة الجامعات.