تحقيق- مروة مصطفى

قد لا نختلف على أنَّ للأمهات دورًا كبيرًا في متابعة أولادهن دراسيًّا، وهذه نقطةٌ ارتكز عليها المنادون بضرورةِ تعلُّم المرأة؛ على اعتبار أنَّ الأم المتعلمة يكون أولادها أكثر وعيًا وتفوقًا من أولاد غير المتعلمة، ولكن ما قد تختلف عليه بعض الأمهات وكان سببًا في مشكلاتٍ لأولادهن هو الأساليب الخاطئة في متابعتهم دراسيًّا، فأصبحن يحرصن على تلقين أولادهن المعرفة ولا يهتممن بإمدادهم بمفاتيحها، وهناك فرق بين أُمٍّ تُلقن أولادَها معرفةً جافةً وأخرى توجه أولادها وتشرف عليهم.

 

تقول سامية فتحي: يوميًّا أتشاجر مع ابني الطالب في الصف الرابع الابتدائي؛ لأنه يضع المذاكرة في نهاية جدوله الأسبوعي، ولا يبدأ فيها إلا بعد إلحاحي الشديد عليه، وعندما يسمع كلامي واكتشف خطأه أُعيدها له مرةً ثانيةً، فيؤديها كلها بصورة صحيحة، وقد تعوَّد على ذلك، وأنا لا أثق في أن أتركه بمفرده.

 

وتضيف عزة حسين: ابني في المرحلة الإعدادية، ومنذ دخوله المدرسة وأنا أجلس معه لأتابعَه في مذاكرته وأشرحَ له دروسَه، ولكنه الآن أدمن جلوسي إلى جانبه بحاجةٍ أو دون حاجة، فمجرد جلوسي معه يجعله يذاكر، وإذا قمت لأقضيَ أي شيء في المنزل يؤجل واجبَه لحين عودتي إليه، حتى إنه في مرة أجَّل حلَّ المسألة التي يعرف إجابتَها وانتظر عودتي، وما يشغلني الآن ليس هذا؛ ولكن المشكلة تكبر وأخشى عليه أن يفشلَ في حياتِه الاجتماعية مع الآخرين بدوني.

 

الامتحان

أما سهيلة محمود فتحكي لنا قصة ابنها الذكي سريع الفهم فتقول: أنا لا أفعل شيئًا مع ابني سوى (تسميعي) له فقط، ولكن مشكلته تظهر في الفصل وفي الامتحان، فنفس السؤال الذي يجيب عليه في المنزل أمامي يفشل في الإجابة عليه في المدرسة، وهذه المشكلة أعاني منها منذ سنوات وأخشى أن انسحب من حياته الدراسية فيسبب ذلك صدمةً له.

 

وعلى الوجه الآخر يقول محمود سيد- طالب بالثانوية العامة-: تعوَّدت منذ صغري أن أذاكرَ بمفردي.. لا لرغبتي في ذلك؛ ولكن بحكم ظروفي وانفصال أبي عن أمي وبقائي مع أبي الذي ليس لديه وقتٌ ليتابعَني دراسيًّا؛ لذلك قررت الاعتماد على نفسي من البداية، ولو لم أفعل ذلك لضعت وضاع مستقبلي، وما وصلت إلى درجاتي التي أحصل عليها الآن.

 

وينتقد محمد حسين زوجتَه التي تُولِي كلَّ اهتمامِها لأولادِها الكبارِ فقط، وتهمل ابنَها الصغيرَ التلميذَ في المرحلة الابتدائية، ومستواه الدراسي سيء للغاية، وكثيرًا ما اشتكت منه مُدرِّساتُه؛ لعدم أدائه الواجباتِ المدرسية، وعدم تجاوبه في الفصلِ كباقي أقرانه، وأحسُّ أن  التقصير من جانب البيت.

 

وتقول أميرة عصام- مُدرِّسة-: كثيرًا ما أطلب استدعاءَ أولياء أمور، وأطلب منهم الاهتمامَ بأولادِهم ومتابعتَهم دراسيًّا؛ لأن المتابعة في البيت تثبت ما أخذوه في الفصل، ومن خلال عملي لمست ذلك ولاحظت الفرقَ بين الطالبِ المُتابَع في البيت وقرينِه المُفتَقِد لتلك المتابعة.
متابعة الأب

 

ويوضِّح د. شحاتة محروس- أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة حلوان- أنَّ الطالبَ يحتاج إلى مَن يساعده في دراسته، وقد جرت العادة على أنَّ الأم هي التي تصطحب أولادَها في المذاكرة أكثر من الأب، ولكنَّ الذي سبب مشكلةً هو عدم فهم الأم أنها من أول يوم في المدرسة يجب أن تشرحَ له وتتركَه يعتمد على نفسه ويطبِّق ما شرحته له وتسألَه وتصححَ له، فينشأ على ذلك من البداية، ومن شبَّ على شيء شاب عليه، ولكن هذا بالنسبة للصغار.

 

 لكن المشكلة تزداد حدتها فعلاً مع الطلبة الأكبر سنًّا، فمثلاً طالب في المرحلة الإعدادية كوني أطلب من أمه أن تنسحبَ من حياته الدراسية بعد تعوده على وجودها فقد يسبب ذلك صدمةً له، وننصحها هنا بالانسحابِ التدريجي؛ أي تتركه دقيقةً وتأتي تكلفه بمسألة لمدة 5 دقائق وتعود إليه، وهكذا وتمدح في إنجازه لهذه المهام أو تعاقبه عندما يتمرد على هذا الأسلوب، ويجب أن تعلمَ الأم أن كلَّ مشكلة يواجهها ابنُها في المذاكرة لها أسبابُها، فمثلاً السرحان قد يكون له أسبابُه، مثل عدم الاستقرار الأسري أو عدم تقدير مجهوده أو معاملته معاملةً سيئةً، والتدليل الزائد كذلك يؤدِّي إلى نفسِ العواقب، فكلنا نعلم أن تهيئة الجو المستقر لأولادنا يساعدهم على التحصيل الجيد، وإن كنَّا حمَّلْنا الأمَّ مسئوليةَ مذاكرةِ الأولاد، فهذا لا يجعلنا نغفل دورَ الأب، فانسحابه من حياة أولاده الدراسية لا يسبب مشكلةً؛ لأن الأمَّ تعوِّض دورَه، أما انسحابُه من حياتِهم كليةً فهذا ما يؤثِّر التأثيرَ السلبيَّ، فيجب أن يتابعَهم الأب، ويسأل عن دراستِهم، حتى ولو بالسؤال فقط.


غير صحية اجتماعيًّا

وعن التأثيرات التي يسببها هذا السلوك تقول د. فاطمة عبد الستار- أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر: إنَّ التنشئةَ الاجتماعيةَ أساسُ حياة الطفل، ويُستفاد منها في كافة مجالات الحياة؛ فهي التي ترسم لنا صورةَ مسئولِ الغد وصانع المستقبل، ومن الملاحظ كثيرًا شكوى الأمهات بضرورة وجودهن مع أولادهن في فتراتِ المذاكرة، وتلك عادةٌ غير صحيةٍ اجتماعيًّا، فهذا يبعدهم عن الاعتمادِ على أنفسهم، ويرسِّخ داخلهم الإحساسَ بالتكاسل والاعتماد على الغير لقضاء المهام، ورغم أننا في السنواتِ الأولى للتنشئة نتقبَّل هذه الحميمية والارتباط، إلا أن ذلك قد يمتد في غالب الأحيان إلى حياتهم المقبلة، فنجد الواحد منهم غيرَ قادرٍ على اتخاذِ قراراتِه بعد ذلك عند زواجِه ومع أولادِه، وسيتسبب هذا الارتباط في فقده استقلاليته، ويفشل في تكوين شخصيةٍ متميزةٍ، ويصبح بلا مشاركةٍ فعالةٍ اجتماعيًّا على الأقل في تربيته لأولاده تربيةً سويةً، ففاقد الشيء لا يعطيه.

 

سن الإدراك

وتوضح الباحثة هدى أحمد أن هناك فرقًا بين أُمَّين، إحداهما تهتم بأولادها وتتابعهم دراسيًّا، والأخرى لا تهتم بهذا الجانب، طبعًا الأولى أفضل، وهناك فرقٌ أيضًا بين أُمَّين، أمٍّ تتابع أولادَها دراسيًّا بدون إفراط أو تفريط في الاهتمام وأمٍّ أخرى شُغلها الشاغل حياتهم الدراسية، وأيضًا الأولى أفضل، فالأم الواعية هي التي تضع أيدي صغارها على أساسيات المذاكرة، وتبدأ الأم في الانسحاب تدريجيًّا في سن الإدراك، والذي يبدأ من الصف الثالث إلى الخامس الابتدائي، بحيث يصل إلى المرحلة الإعدادية وهو قادرٌ على تحمل مسئولية نفسه على الأقل دراسيًّا، ولكن هناك بعض الطلبة المستهترين وليس علاجهم البقاء معهم عند المذاكرة؛ ولكن يكون بتكليفهم بواجباتٍ والأشراف على إنجازها، فإن أنجزها الابن يستحق أن يُثاب عليها، وأن قصَّر فيها فيُعاقب بحرمانه من شيء يُحبه، وهذا التصرف رغم بساطته فإنه يبث الثقةَ في أنفسهم ويهيئهم للاعتماد على النفس فيما بعد، ولكن علينا ألا نغفلَ أهميةَ التواصل بين البيت والمدرسة؛ فقد يكون التواصل حلاًّ لما أَثَرْناه من مشكلاتٍ، ولكن لا يمكن حلها من جانبٍ واحد فقط، وهنا يظهر دور مجالس الآباء وأهمية متابعة الطالب في المدرسة.