في كتابه (حصار مكة، الانتفاضة المنسية في أقدس الأماكن الإسلامية وولادة القاعدة) يرى ياروسلاف تروفيموف، أن الأسلوب الذي تم التعامل به مع «حركة جهيمان» هو الذي أفضى في نهاية الأمر إلى ولادة تنظيم القاعدة.

 

وحركة جيهمان العتيبي كما لا يعرف القارئ الشاب جرت في فجر القرن الهجري الخامس عشر، غرة المحرم هـ 1400= 20 من نوفمبر 1979م ، حيث قام المذكور ومعه عشرات من الأتباع بالتحصن داخل الكعبة ومعهم بعض الأسلحة الخفيفة ،وأعلنوا ظهور المهدي المنتظر وبايعوا واحدا منهم بالخلافة وأكدوا الانقلاب على حكم آل سعود الفاسد ، الموالي للغرب ، المعادي للشريعة الإسلامية حسب بيانهم .

 

استمر حصار جهيمان ومن معه نحو أسبوعين ، واستصدر ت الحكومة السعودية فتوى شرعية بجواز اقتحام الحرم المكي ، ودخلت المدرعات والمجنزرات ساحة الكعبة ، وسالت الدماء أنهارا ، وأسفر الهجوم عن مقتل 250 ، وإصابة نحو 600 ، ونجا جهيمان وعدد من أتباعه تم إعدامهم في أربع مجموعات توزعت على أربع مدن كبرى في المملكة.   

 

يشير الكاتب الروسي إلى أن المعالجة الدموية للأزمة كانت من وراء إنشاء تنظيم القاعدة في أفغانستان من خلال مقاومة الاحتلال السوفياتي ، وكان يمكن كما رأى بعض المحللين توفير الأرواح وعدم تلويث الحرم الشريف بالدماء وجنازير المدرعات وأحذية الجند . وكان من الممكن استسلام المتحصنين بعد إرهاقهم بالحصار ، وقلة الزاد ، ثم إن أسلحتهم لا تعدو أن تكون بنادق صيد لا تؤثر تأثيرا كبيرا ، ولكن السلطة آثرت أن تعمق الجراح والآلام والضغائن ، فتولدت عناصر أشد تطرفا وعنفا وأكثر انتشارا وحضورا .

 

ماحدث من معالجة دموية لحادثة جهيمان ، هو ما تتبعه الحكومات المستبدة في العالم العربي المبتلى بطغاة أشرار لايعرفون إلا الدم والنار والقتل والتعذيب والبوابات السوداء مع فشلهم الذريع في بناء اقتصاد أو مجتمع تتاح فيه الكفاية بمعناها الحضاري ، في الوقت الذين يسجدون فيه للصليبيين واليهود الأشرار من دون الله . ولك أن تمر بعينيك في أرجاء الوطن العربي لترى شلال الدماء يتفجر على أيدي هؤلاء الطغاة في العراق وسورية ومصر وليبيا والسعودية والصومال واليمن ولبنان فضلا عن فلسطين الأسيرة !

 

لم يسأل الحكام الظالمون ولا أبواقهم المأجورة في الإعلام والصحافة : لماذا ؟ وكيف ؟ لا يعرفون هذا السؤال أبدا ! ولكنهم يركزون على السؤال : من ؟ وماذا ؟ لم يسألوا لماذا ظهرت داعش أو الدواعش في أرجاء بلاد المسلمين ؟ وكيف تشكلت هذه العناصر التي تبيع أرواحها ودماءها دون تردد لمحاربة الحكومات المستبدة والغزاة القتلة ، ثم تسيطر على أراض أو مناطق ترتكز عليها وتنمي قوتها وتواجه ما حولها وتكسب مزيدا من الأراضي ، وتمثل نموذجا ينبهر به الشباب المسلم في أرجاء العالم على  اختلاف لغاتهم وجنسياتهم  ؟

 

إن غرور القوة الغبية لدى الحكام الطغاة المستبدين ( بالمناسبة فهم مهزومون دائما أمام العدو !) يجعلهم لا يقتربون من السؤال : لماذا ؟ وكيف ؟ لأنهم يعتقدون أن دفن الضحايا ، تغييب الأسرى وراء الأسوار وتعذيبهم ؛ سيصنع لهم عالما مليئا بالبهجة والسرور ، ويتناسون أن الدماء تظل حية تلفحهم بشواظ الحقيقة المرة لتقتص من إجرامهم وطغيانهم .

 

لا يعنيني أن تكون داعش على صواب أو خطأ ، ولكن يعنيني نشأتها وتطورها ومستقبلها ، لايهمني أن تكون معتدلة أو متطرفة بقدر ما يهمني دلالة وجودها في في مكان ما وفترة ما ، وإلى أين سينتهي بها المطاف ؟ لا يشغلني هل هي فقاعة ستنتهي في لحظة ما أو إنها ستؤسس لمنهج جديد يودي بمنهج الحكام الظالمين وينهي وجودهم . الذي يعنيني هو:

 

ماذا جاءت داعش لتحارب الثورة السورية وتدعم الطاغية بشار الأسد ، وفي الوقت نفسه تذهب إلى العراق وتواجه الإرهاب الشيعي الذي تقوم به عصائب الحق وفيلق بدر وجيش المهدي وجيش المختار: التابع لحزب الله اللبناني ولواء أبو الفضل العباس وغيرها ، وينحاز إليها سنة العراق المظلومون ، وتستولي على مساحة تقرب من مساحة بريطانيا العظمي!

 

لايغيب عني في هذا السياق أن هناك داعش أخطر وأشد قسوة ووحشية هي داعش اليهودية التي ترعى الحكام العرب الطغاة ، وتوجههم لخدمتها وبسط هيمنتها . داعش اليهودية التي تحركت باليهودية جهرا وصراحة وبعثت العبرية وأقامت كيانا متوحشا على أشلاء آلاف الفلسطينيين الأبرياء ، وعشرات القرى والمدن الفلسطينية التي دمرتها ، ومئات المذابح التي نفذتها ضد فلسطينيين عزل على مدى سبعين عاما ، ووجدت تشجيعا ومساعدة ومساندة من داعش الصليبية في لندن وباريس وواشنطن وبرلين وغيرها .

 

المفارقة أن العالم الصليبي اليهودي الذي يحتشد اليوم ضد داعش المنسوبة للإسلام ، لم يقل كلمة ضد داعش اليهودية وهي تقصف بطائراتها المتقدمة مدارس الأونروا والمساجد والمستشفيات والجامعات والبيوت الآمنة ، بل كان مؤيدا ومشجعا لداعش اليهودية وهي تقتل المئات من الأطفال والنساء والعواجيز ، ولم يقل مرة واحدة لداعش اليهودية كفي عن القتل والتدمير ، بل كان يباركها ويرسل إليها بالأسلحة والذخائر والوقود والمساعدات الاستخبارية، فضلا عن الدعم الدعائي غير المحدود .

 

اليوم تتجمع داعش الصليبية وداعش اليهودية لتمزيق الممزّق من بلاد العرب ، وترسل أسراب الطائرات بحجة ضرب داعش المنسوبة إلى الإسلام فتتل آلاف المسلمين الأبرياء ، وتسلح الأكراد بأفضل الأسلحة تمهيد لانفصالهم وبناء الدولة الكردية الكبرى التي تضم إلى أكراد العراق أكراد سورية وتركيا وإيران . بل يذهب رئيس فرنسا الصليبي الدموي إلى أربيل ليقابل الشيوعي ابن الشيوعي مصطفى البرزاني بوصفه رئيس دولة ، قبل أن يذهب إلى بغداد وحكامها الطائفيين القتلة ، ويعلن بالفم الملآن عن مشاركة بلاده في تدمير بلاد المسلمين .

 

حذّرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية  ومجلة "ماذر جونز" mother jones الأمريكية من "حرب صليبية" ثانية يقودها الرئيس أوباما هذه المرة ضد تنظيم داعش بدعوى حماية الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط، وقال الكاتب ديفيد أغناطيوس :" إن أمريكا لن تذهب هذه المرة إلى حرب صليبية بمفردها، إنما ستكون مدعومة من قبل تحالف دوليّ فيه دول عربية وإسلامية! وأضاف الكاتب : إن تنظيم داعش هو الإرث الأميركي في العراق، وبعد ظهور تلك الدولة في العراق وسوريا تتظاهر الولايات المتحدة بأنها تقاتلها دفاعا

 

عن حقوق الأقليات!داعش الصليبية هي صانعة داعش اليهودية وهي التي تبنت كما أشارت الصحيفة المذكورة منهج الحرب الصليبية على الإسلام، وأدت إلى انطلاق حركات التمرد والحروب الأهلية ونمو المليشيات المتطرفة وانهيار هياكل الدولة العراقية ،وضمنت ظهور داعش على كوكب الأرض .