على مدى أكثر من عام مني  الانقلاب العسكري في مصر بهزائم جزئية متكررة على مستويات عدة في طريق السقوط والرحيل ، استحضر فيه نفس مشاهد الستينات الدموية بصورة جنونية بشعة ، وكرر أخطاء الماضي الكريه بغباء ، وأضاف لها جرائم جديدة نكراء بقيادة العنف والإرهاب ، وكشف بوضوح عدم صلاحية حكم العسكر وخطورة تسييس الجيش ، ودق ناقوس الخطر مجددا الذي يتهدد المؤسسة العسكرية المصرية في قلب عقيدتها.


وللأسف ، شغلت مطالبات المراجعات الفكرية للحركة الإسلامية  وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين – ضحية كثير من الانقلابات والحكم العسكري /القمعي في كثير من البلدان العربية - حيزا كبيرا من تفكير بعض – وليس كل - المحللين ، الذين باتوا يكررون نفس المناشدات  في أوقات متقاربة بحيثيات متشابهة ، بنرجسية متطابقة تجعلنا نظن – وليس كل الظن إثما - أنهم يريدون حركة "تفصيل" أو جماعة "جديدة" بمواصفات محددة مسبقا في الزمن العسكري الجديد ! ، فيما غابت كثيرا في حدود اطلاعنا ذات المطالبات عن عصابات الاستبداد والانقلاب والعدوان في مصر والمنطقة بل والعالم.

إن المراجعات الفكرية ، ضابط مهم وحيوي لحماية الأفكار والمؤسسات وتطويرهما ، والوطني الحق هو من يقوم بها على أتم وجه حتي ولو طال الوقت ، ولكن أكثر من قام بها خلال المئوية الماضية هم الضحية دائما – ضحية السياسيات والقرارات - ، فيما بقى الجاني الخائن  المتصل بمجلس اسقاط الديمقراطيات الحقيقة الرافضة للهيمنة طليقا حرا يتفاخر بارتداء رداء المدنية والديمقراطية والحضارة علي جسد مليء بالعدوانية والعدائية والعنف والتخلف وازهاق الارادة الشعبية .

إن مصر في حاجة حقيقية لبذل هؤلاء المحللين جهدا فكريا وطنيا في توطين معاني ومباديء الشعار المبدع : "لاسياسة في الجيش ولا جيش في السياسة"في عقول العسكريين المنحرفين ، ووضع مرجعية عسكرية وطنية لتلك القيادات الضالة يعلنوا بها ومن خلالها النزول علي ارادة الشعوب ونبذ العنف المسلح والارهاب والمحاكمات العسكرية ضد المدنيين المعارضين الثائرين.

إننا نزعم أنه لو بذل هؤلاء البعض النرجسية أفكاره ، جهدا مماثلا أو أقل ، في التنظير في ضرورة اجراء مراجعات في صفوف الجناة ، لا الضحايا وفقط ، لكان ذلك أجدر فكريا وأصلح للوطن وأفضل للعالم الإنساني، فعصر الوحي انتهى ، ولم يذكر القرآن والإنجيل والتوارة أن العسكر هم الهة آخر الزمان ، ينقلبون فيطاعون

إن الضباط بحكم التكوين الثقافي والتدريب والمهام الدستورية الصحيحة الموكولة لهم ، من المفترض أنهم مطالبين بالمراجعات العسكرية  في الخطط والتحركات في مواجهة العدو الصحيح للوطن ، ولكن دخول أطماع الاستيلاء علي الحكم والسلطة علي عصابة من الضباط الخونة تلزمهم وتلزم دوائرهم التي تدعم حكم "الكاكي"أن يقدمون علي مراجعة فكرية عاجلة قبل فوات الآوان.

إن الحكم العسكري / القمعي انتهي زمانه مع انطلاق شرارة ثورة 25 يناير المستمرة حتى الآن ، وإن الانقلاب العسكري على اول رئيس مدني منتخب والتجربة المدنية الديمقراطية برمتها ،  لن يمكن العصابة من هزيمة الدولة المدنية والثورة السلمية مهما كانت عدد السلاح والجند المضللين فالثورة شعب يستكملها حتى ولو طال نضاله بعض الوقت ، والأجدى – في رأينا على الأقل - هو البدء في التخلى عن النرجسية العسكرية القميئة وعن الإحساس بالغرور المبني على نفاق سلطوي وحاشية مضللة وارهاب دولة ممنهج ، وكذلك  التخلى عن الشعور بحتمية الخلود في قصر الاتحادية المبني على أوهام البطش والخوف من العدالة ، وحدوث مراجعات فكرية لصالح المؤسسة العسكرية قبل فوات الآوان لتحديد الموقف من نقطتين على الأقل : الديمقراطية والارادة الشعبية والالتزام بدور المؤسسة الدستوري.

إن هذه المراجعات الفكرية مهمة جدا لإنقاذ المؤسسة العسكرية المصرية ، كمؤسسة وطن باقي لا شركة أشخاص فانية ، تحرص الثورة المستمرة وكل الوطنيين الاحرار على حمايتها من الانهيار المتوقع في ضوء العبث الحاكم ، وإن استمرار غض الطرف عن هذه الخطوة سواء ممن تبقى من العقلاء أو حتى من يبصر حقائق الأمور ومستقبلها ، سيؤثر سلبيا علي الوطن ومؤسسسته العسكرية.

لقد بات عبد الفتاح السيسي ومجلس ادارة انقلابه الكائن في الغرفة صفر ، عبئا علي المؤسسة العسكرية ككيان ومؤسسة وطنية وملك للشعب ، ونعتقد أن نجاح استكمال الثورة واسقاط الانقلاب العسكري أو الإقتراب من هذه اللحظة سيهيأ الأجواء لحدوث تلك المراجعات الحتمية للوطن والمؤسسة ، شاء من شاء أو أبى من أبى " فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ".