(7) أين أنت في أيَّام العَشْرِ من الصَّدقة؟

كان الحبيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجودَ النَّاس، ما في ذلك شكٌّ، لا يلحقُه في ذلك أحدٌ؛ لكنَّه في الأوقاتِ الفاضلة كان يتجاوزُ حدودَ الجُودِ المعهودِ عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى آفاقٍ لا يُحيطُ بها البشر.

فأين أنت في هذه الأيَّامِ الفاضلةِ من سَدِّ حاجة محتاج؟

أين أنت من إطعامِ جائع؟

أين أنت من كِسوة عارٍ؟

أين أنت من إخوانِك المسلمين المحتاجين الضعفاء؟


نحنُ على أبوابِ عيٍد مبارك، وقد جعل اللهُ من شعائره: ذبحَ الأنعام، وإطعامَ القانع والمُعْتَرّ: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. الفقراء ينتظرون هذا اليوم؛ لأنَّهم يعرفون أن أيدي الصَّالحين تمتدُّ فيه بالعطاء. والصَّالحون ينتظرونه؛ لأنَّهم يترقَّوْنَ فيه درجاتٍ عاليةً في العطاءِ والسَّخاء.

أنت إن أعطيتَ لم تُعطِ للمسكينِ، ولا للفقيرِ، ولا للمسجدِ، ولا للعملِ الخيري، أنت تُعطي لأكرمِ الأكرمين الَّذي يرُدُّ على المحسنِ إحسانَه أضعافًا: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾، وهو لا يرُدّ الإحسانَ بإحسانٍ؛ بل يرُدّ الإحسانَ الواحدَ بسبعمائةِ إحسانٍ؛ بل بألوفٍ وأضعافٍ مضاعفة.

فهل تعامل الله بالصَّدقةِ في هذه الأيَّام؟ أم تستجيبُ لنداءِ الشَّيطانِ الَّذي يقول عنه الرَّحمن جل وعلا: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً﴾، والشَّيطان لا يملك شيئًا؛ ولكن الرَّحمن يملك كُلَّ شيء: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

(8) أين أنت من تحسين الأخلاق في أيَّام العَشْرِ؟

لقد بُعث النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتمِّمًا لمكارم الأخلاق، داعيًا لأحمدِها وأرشدِها، مُوصيًا بحُسن الخُلُق سائرَ أصحابه وأحبَّته، فقد أخرج مالك أن مُعاذَ بن جَبَل -رضي الله عنه- قال: آخرُ ما أوصاني به رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وَضَعْتُ رِجْلِي في الغَرزِ أن قال: «أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ يَا مُعَاذُ بن جَبَلٍ».

وعَدَّ حُسنَ الخُلُق تمام البرِّ، فأخرج مُسْلم عن النَّوَّاسِ بن سَمْعَان الأنصاريِّ -رضي الله عنه- قال: سألتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البِرِّ والإثمِ، فقال: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ»... الحديث.

وعَبَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الدَّرجة العُليا، والأجرِ العظيمِ لحُسنِ الخُلُقِ، فيما أخرجه أبو داود وغيره، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».

ولِمَ لا؟! وحُسنُ الخُلُق هو أثقلُ ما يُوضَعُ في الميزانِ يومَ القيامة، فقد أخرج أبو داود، والتِّرمذيُّ وصحَّحه، عن أبي الدَّرْدَاء -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ».

وفي رواية التِّرمذيّ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ»، وفي رواية أُخرى للتِّرمذيّ: «وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ».

وأخرج التِّرمذيُّ وصحَّحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أ كثرِ ما يُدخِلُ النَّاس الجنَّةَ؟ فقال: «تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ».

وبيَّن النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكملَ المؤمنين إيمانًا، فقال -فيما أخرجه أبو داود، والتِّرمذيُّ وصحَّحه عن أبي هريرة رضي الله عنه-: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».

وها نحن نرى الانقلاب الدموي الفاسد يسعىلإفساد الأخلاق بكل ما أوتي من قوة، فأين أنت من التَّدرُّب على تحسين أخلاقك؛ والدعوة إلى حسن الخلق، والعمل على نشر الفضيلة في الأمة، وبخاصةٍ في هذه الأيَّام العَشْرِ؟!.

(9) أين أنت من صِلة الأرحام في هذه الأيَّام العَشْرِ؟

صلةُ الرَّحِمِ من أفضل الأعمال وأعظمِهَا أجرًا، وقد قَرَن الله تعالى قَطْع الأرحام بالفساد في الأرض، فقد أخرج الشَّيخان عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ! قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَذَاكِ». قال أبو هريرة: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾.

وفضلًا عن كون صلة الرَّحم محبَّة للأهل، وسببًا في بركة الرِّزق والعُمر، وتعجيل الثَّواب؛ فقد جعله النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحبَّ الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله، فقد أخرج ابن أبي عاصم، وأبو يعلى، عن رَجُل من خَثْعَم أنَّه قال: يا رسول الله.. أيُّ الأعمال أحبّ إلى الله -عزَّ وجلَّ-؟ قال: «إٍيمَانٌ بِاللهِ تَعَالَى». قال: يا رسول الله.. ثمَّ مَهْ؟ قال: «ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ».

وقد رأيت كيف سعى الانقلاب الدموي الخاسر إلى تمزيق الروابط الاجتماعية بين أبناءالأمة، بل بين أبناء الأسرةالواحدة، حتى قسم الشعب شعبين، بل - وبكل أسى وأسف- يريد أن يجعل الرب الواحد ربين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

فاحرص -أخي المسلم الكريم- على اغتنام هذه الأيَّام المباركة؛ لتصل رحِمَك؛ وبخاصة ما انقطع منها لأيِّ سبب. واعلم أنَّ الوصل لا يعني أن تصل أولئك الَّذين يصلونك ويجاملونك؛ بل الوصل الحقيقيّ هو وصل من قطعوك، أو قطعت بينك وبينهم الظروف أو الخصومات أو الانقلاب، فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ؛ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا».

فلتحرص على صلة رحمك في هذه العَشْرِ المباركة، جعلنا الله وإياكم من الواصلين.

(10) أين أنت من إعداد الأُضحية؟

هذه الشَّعيرة الكريمة هي في أصلها تَشَبُّهٌ بأبي الأنبياء خليل الرَّحمن إبراهيم -عليه السَّلام-، حين فَدَّى الله ولده سيِّدنا إسماعيل من الذَّبح بكبش عظيم أنزله إليه فذبحه الخليل بيده؛ ليكون ذلك تصديقًا لرؤياه؛ وذلك في قصة الذَّبح المعروفة المشهورة.

وقد داوم النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذه الشَّعيرة الكريمة، وحثَّ عليها؛ إعلانًا بالشُّكر لله على نِعَمه، وتوسِعَة ومواساة للفقراء والمساكين، وتقرُّبًا مُخْلَصًا لله ربِّ العالمين، على حدِّ قول الله تعالى: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ﴾.

والأُضحية من أفضل القربات، وأعظم الشَّعائر التي يمارسها المسلم في أيَّام العيد الأكبر؛ إعلانًا بشُكر نِعمَة الله، وامتثالًا لأمر الله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾.

وقد روي في فضلها آثارٌ حِسانٌ، منها: ما أخرجه ابن عبد البَرِّ، والخطيب، عن ابن عبَّاس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَفَقَةٍ بَعْدَ صِلَةِ الرَّحِمِ أَفْضَلُُ عِنْدَ اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ».

وأخرج عبد الرَّزَّاق، وابن عبد البَرِّ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا أيُّها النَّاس.. ضَحُّوا، وطِيبوا أنْفُسًا؛ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ تَوَجَّهَ بِأُضْحِيَتِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ إِلَّا كَانَ دَمُهَا وَفَرْثُهَا وَصُوفُهَا حَسَنَاتٍ مُحْضَرَاتٍ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ الدَّمَ وَإِنْ وَقَعَ فِي التُّرَابِ فَإِنَّمَا يَقَعُ فِي حِرْزِ اللهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وأخرج التِّرمذيُّ وحسنه، عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».. قال التِّرمذيُّ: ويُروَى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في الأُضحية: «لِصَاحِبِهَا بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ». ويُروَى: «بِقُرُونِهَا».

فهل أعددت نفسك وميزانيتك لأداء هذه الشَّعيرة الكريمة على الوجه الأكمل، فاخترت أفضلَ الأضاحي وأسمنَها وأغلاها وأنفسَها، كما كان حبيبك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل؟

أخرج الشَّيخان عن أنس -رضي الله عنه- قال: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ (وفي رواية: أَقْرَنَيْنِ)، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وفي لفظ لمسلم: وَيَقُولُ: «بِاسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ».

وعند ابن ماجه، وأحمد، عن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أسأل الله العظيم أن يتقبل نُسُكَنا، وأن يغفرَ ذُنوبَنا، إنَّه جَوادٌ كريم.