تحقيق: مروة مصطفى

عندما تتكلم الأرقام فإنها لا تحتاج إلى تعليق؛ لأنها الأقدر على توصيف المشكلة، ووفقًا للإحصائيات التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر تبيَّن وجود 9 ملايين عانس في مصر من الإناث، وهناك مليون ونصف المليون عانس في السعودية، والظاهرة متفشية في الوطن العربي كله.

 

وكان من الحلول المقترحة لحل هذه المشكلة الدعوة إلى تعدد الزوجات، في مصر مثلاً هناك خمسة آلاف رجل يجمعون بين 4 زوجات من بينهم أساتذة جامعات، ومليون مصري يجمعون بين زوجتين فقط، وينتشر التعدد في بعض مناطق الوطن العربي ويعتبر شيئًا عاديًّا دون استنكارٍ على اعتبار أنه يُسهم في حل مشكلة العنوسة التي تواجهها بعض المجتمعات، والسؤال: ما مدى إمكانية نجاح التعدد في حل مشكلة العنوسة؟ وما رأي الزوجات؟

 

تقول أسماء محمود (23 سنة): أخاف أن أمنع زوجي من الزواج من أخرى ثم أقف بين يدي الله يوم القيامة وأنا لا أجد سببًا لمنعه سوى غيرتي وأنانيتي، وعلى الرغم من موافقتي على زواجه من أخرى فأنا أرفض أن أكون زوجةً ثانيةً.

 

"لما أموت أبقى حل المشكلة" كان هذا رد رانيا أحمد (26 سنة)، وأضافت أنه شيءٌ طبيعي أن أغارَ على زوجي، فهذه غريزةٌ في كلِّ امرأة، لذلك أنا أرفض زواجَه من أخرى في حياتي مهما كانت الأسباب، وإن أصرَّ على رأيه فالطلاق في نظري أفضل.

 

زوجتُ حبيبي

أما زينب سيد (42 سنة) فكانت نموذجًا نادرًا من النساء، وهي تقول: طلبتُ من زوجي أن يتزوجَ إحدى قريباتي التي تعدَّى عمرها الـ35 ولا ينقصها من الطباع الحسنة شيءٌ، فتألمت لوحدتها ولقلق أهلها عليها، فطلبتُ منه ذلك، ولكنه رفض رغم إلحاحي الشديد عليه، وأنا أتألم أكثر لرفضه منها، وأنا كامرأة أعرف جيدًا ماذا يشكل الرجل بالنسبة للمرأة!

 

وعلى النقيض تقول هند محمود (33 سنة) رغم أنني لم أتزوج إلى الآن إلا أنني أرفض أن أكون زوجةً ثانيةًَ، علمًا بأن ظروفي تتطلب تقديم بعض التنازلات من جانبي، وقد أوافق على الزواج من أرمل أو مطلق أما أن أبنيَ سعادتي على تعاسةِ أخرى فهذا فوق استطاعتي.

 

مروة المراغي (30 سنة) وافقت على التعدد، ولكن بشروطها، فقالت: إن الحالة الوحيدة التي تجعلني أوافق على زواج زوجي من أخرى هي وجود تقصير من جانبي تجاهه، وأعلم أن ذلك قد يسبِّب لي مشكلات نفسية، إلا أن هذا من حقه طالما أنا مقصرةٌ، ولكن لأن يتزوج لحل مشكلة العنوسة فلماذا زوجي وحده؟ إن فكَّر في حل المشكلة لامرأة سيتسبب في زيادة عدد المطلقات بامرأة جديدة!!

 

أين المشكلة؟

وعن رأي الرجال قال محمد مصطفى (29 سنة): رغم أنني متزوج إلا أنني لا أمانع في الزواج من أكثر من واحدة، فأنا على استعداد أن أتزوجَ مرةً ثانيةً وثالثةً ما دمتُ قادرًا على ذلك، ولو أن زواجي سيحل مشكلةً فأنا على أتم استعداد لأن أشاركَ في الحل.

 

ناصر محمد (35 سنة) كان رأيه في صالح الزوجة الأولى، فقال: لا يبحث الرجل عن امرأة غير زوجته إلا في حالة افتقاده لراحته في بيته، ومهما كانت عيوب هذه الزوجة فإن التجربة أثبتت أن الزوجةَ الأولى لا تُعوض، وأنا شخصيًّا كان لي تجربةٌ مشابهةٌ فقد تزوج أبي امرأةً ثانيةً وترَكَنا، وعندما اشتد عليه المرض رجع إلى أمي ليموت عندها.

 

أما عبد الرحمن علي (44 سنة) فيحكي تجربته قائلاً: تزوجت وعمري 38 سنة، والآن أولادي في الحضانة وأولاد أصدقائي في الإعدادي، ولم يكن زواجي متأخرًا لأي سبب سوى أن نظام العائلة يرفض تزويج شبابها مبكرًا، وبينما أنا أندم الآن على ضياع عمري أمامي فأرى مأساتي تتكرر مع 9 شباب من نفس عائلتي رغم توافر الإمكانات المادية لديهم، أظن أن الاهتمام بتزويج هؤلاء أهم من تفكيري في الزواج بأخرى.

 

حكمة تشريع

يقول الدكتور أيمن مهدي- رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية جامعة الأزهر بطنطا-: لم يشرِّع الله عزَّ وجلَّ تشريعًا إلا لحكمةٍ وضرورةٍ ففي بعض الأحيان يكتشف الزوج عدم قدرة الزوجة على الإنجاب مثلاً أو عدم قدرتها على إعطائه حقوقه، ففي هذه الحالة يكون أمام بديلين، إما أن يُطلقها وإما أن يتزوج عليها، وأحلَّ الله التعددَ لصالح المرأة في الأساس قبل أن يكون في صالح الرجل، وما شوَّه شكلَ التعدد هو أن البعض عدَّدوا بغير داعٍ ولا مبرِّر، وإذا اشترطت عليه الزوجة الأولى في عقد الزواج ألا يتزوجَ عليها فليس له حق الزواج عليها، فالمؤمنون عند شروطهم: "وخير ما وفيتم به من العهود ما استحللتم به الفروج"، ولكن في الأصل ليس إذنها شرطًا للزواج عليها، والضرر في هذه الحالة نسبي ويتفاوت من امرأةٍ لأخرى.

 

ويضيف: المرأة عمومًا معروفٌ عنها حب الامتلاك، ولو وافقت على أن تساعد أختها فإن لها أجرها عند الله؛ لأنها تفرِّط في جزءٍ من حقها، ولو رجعنا إلى العهود الماضية سنجد أن قديمًا كان الأصل التعدد أما الآن فلا، ونحن الآن نرى مشكلات عمَّت بها البلوى، والمجتمع كله عليه دور لاحتواء هؤلاء الشباب ليس بالتعدد، ولكن بتيسير نفقات الزواج التي كانت سببًا في إعراض الكثير من الرجال عن الزواج حتى وصل عددهم إلى حوالي 5 ملايين رجل عزب، فالأَولى أن ننشئَ جمعيةً لتسهيل زواج هؤلاء، ولو استطعنا حل مشكلة هؤلاء سنحل جزءًا كبيرًا من المشكلة الأساسية، وهناك نوع آخر من الرجال إمكاناته المادية متاحة، ولكنه يُعرض عن الزواج لأسبابٍ أخرى لو اقتنع هؤلاء بضرورة زواجهم ولو مليون رجل منهم فقط سنحل 35% من مشكلات الفتيات بدون اللجوء إلى التعدد أو غيره من الحلول، وأعتقد أن الحل يكون بعرض النماذج التي تعدى عمرها 40 عامًا وهم الآن بدون زواج، وأصبحت الاختيارات أمامهن محدودة، لو يدرك هؤلاء حجم الخطأ الذي ارتكبوه في حقِّ أنفسهم ونشروا تجربتهم على الشباب الصغير سيصبح ذلك كفيلاً لتغيير أفكاره والرجوع عن رأيه من عزوفٍ عن الزواج.

 

تصحيح المفاهيم

يقول المهندس علي إسماعيل- مسئول لجنة التعدد في جمعية التبشير- فكرة إنشاء لجنة للتعدد تبدو غريبةً ومختلفةً، إلا أنها مباحةٌ، وخصصت الجمعية لجنةً للتعدد، حيث إنه لا يفهم إلا في ظل الإسلام، والشريعة أقرته ووضعت له أطرًا عامة وقواعدَ تحكمه، أهمها العدل بين الزوجات ثم الكفاءة والقدرة على الإنفاق وأحيانًا يكون التعدد حلاً لكثير من المشكلات، وهذا التشريع كان ضمانًا لحقوق المرأة وحفظها، فهو أفضل من الطلاق لكثير من الحالات.

 

ويضيف: ولكن أحيانًا تحتدم الخلافات ليصبح آخر العلاج الكي، ويكون الحل الوحيد في الطلاق، فكان إنشاء اللجنة محاولةً منا لحلِّ مشكلة العنوسة لنطاقٍ عريضٍ من الفتيات قد تخطى سنهن الأربعين، ومن جانب آخر حل لمشاكل بعض المتزوجين ومحاولة للمحافظة على بعض البيوت، والتعدد ليس الحلَّ الوحيدَ للعنوسة، ولكنه أحد الحلول المساعدة.

 

إلا أن المجتمع اعترض على التعدد واعتبره إهدارًا لحقوق المرأة وفهمه البعض الآخر أنه حق مطلق للرجال، وكلا المفهومين خطأ، ونظرته قاصرةٌ عمت البلوى على مجتمعنا، ورأينا قضايا إثبات النسب وقضايا التشهير تكتظ بها المحاكم لأننا ضيَّقنا على أنفسنا فضيَّق الله علينا، وأصبح لدينا شباب متعب تفكيره خاطئ لا يهتم إلا بالشكليات والمظاهر الكاذبة، والمفاهيم الخاطئة تحتاج إلى تصحيح، ونحن بحاجة لتفهيم أولادنا أن التشريعات الإلهية لها حكمةٌ من إصدارها فاعتبره البعض سبة في حق الإسلام، وإنما هو في الواقع مفخرةٌ من مفاخره، ولكن بدون إفراط أو تفريط في فهم الأحكام والتشريعات، وإذا تكاتفت الأيدي وتوحدت الجهود سنحل المشكلة لهؤلاء الشباب، ليس بالتعدد وحده ولكن بغيره من الحلول أيضًا.

 

وتؤكد ليلى محمد- مؤسسة إحدى لجان- الزواج أن البناتِ توافق على التعدد حتى لو كان سنها صغيرًا؛ لأنها تخاف من حمل لقب عانس، فتفضل لقب الزوجة الثانية، وفي نفس الوقت فإن الأهالي يرفضون حرصًا منهم على استقرار حياة ابنتهم، ولكن هناك بعض الأسر الملتزمة التي توافق لأنها تفهم أن هناك حكمةً من التشريع وتعتبر مشكلاته عادية، من دافع الغيرة الطبيعية.

 

وتضيف: هناك حالات تعدد ناجحة، وحالات أخرى فشلت، فالتعدد ليس حلاً في مطلقه بدليل أن كثيرًا من علمائنا رفضوا التعدد؛ لأنهم ليسوا في حاجة إليه، وخلال عملي قابلت نماذج كثيرةً ومختلفةً في التفكير، فمثلاً أذكر لكم موقفًا كان مع رجل طلب مني أن أزوجه لوجود مشكلات بينه وبين زوجته، فمن الناحية الدعوية طلبت أن أجلسَ معها لعلنا نحل المشكلة، ولكنه رفض، فتوقعت أن التقصيرَ قد يكون من جانبه، وتجنَّى في حكمه عليها، وهذا نموذجٌ من الفهم الخاطئ للشرع، وكثيرًا ما يشترطون عليَّ أن تكون امرأة جميلة ولها ذمة مالية لتنفقَ على نفسها؛ لأنه ليس على استعداد للإنفاق عليها، أعتقد أن هذه النماذج هي التي أعطت الانطباع السيئ حول تشريع التعدد.