بسم الله الرحمن الرحيم

هناك قواسمُ مشتركةٌ تتفق عليها كلُّ القوى الشعبية مهما اختلفت رؤاها ومناهجُها، يأتي على رأس هذه القواسمِ قضايا الحرِّيات وحقوق الإنسان، لذلك فنحن نرى حراكًا سياسيًّا منذ ما يزيدُ على عام يهدف إلى تحقيقِ الإصلاحِ السياسي، كمدخلٍ ضروريٍّ للإصلاح العام، ويتضمن هذا الإصلاحُ تحقيقَ الفصلِ والتوازنِ بين السلطاتِ؛ حتى لا تجورَ إحداها على السلطتين الأخريَيْن كما هو الواقع الآن، ومن هنا فقد أصبح تعديلُ قانونِ السلطةِ القضائية بما يحقِّق استقلالَها عن السلطةِ التنفيذيةِ مطلبًا من القضاةِ، قادَهُ ناديهم المنتخب، ومطلبًا شعبيًّا التماسًا للعدلِ والأمنِ والحرية، ولكن من درجوا على الاستبداد والحكم المطلق والاستهانة بحقوق الإنسان وحرياته، تصدوا لهذا المطلب، وكادوا يعصفون بقادةِ نادي القضاة، لولا تضامن كلِّ فئاتِ الشعبِ وفصائله، ونزول المناضلين منهم إلى الشوارع رغم علمهم بما ينتظرهم من بطشٍ أمني وصل إلى حدِّ الضربِ والسحلِ والاعتقال، ونال الإخوانَ المسلمين النصيبُ الأكبر من هذا الظلم، والآن يقبع ما يزيد على ستمائة شخصٍ منهم في غيابات السجون.

 

لذلك فنحن نناشدُ كلَّ ذي فكرٍ حرٍّ، وضميرٍ حيٍّ، وقلمٍ شريفٍ يقدِّس أمانةَ الكلمة، كلَّ إنسانٍ يشعر بقيمةِ الإنسانية ويؤمن بحقوقِ الإنسان.. أي إنسان مهما اختلفَ معه في الرؤيةِ، وأولها الحرية، الحرية للجميع، وكلَّ من يقدِّم مصلحةَ الوطن على مصلحةِ الفئة، كلَّ من يحترم المبادئَ فيكيل بكيلٍ واحد.. نناشد هؤلاء جميعًا من المفكِّرين والمثقفين والصحفيين والمحامين وأساتذة الجامعات والفنانين والمهنيين، أن يقفوا بجانب المعتقلين جميعًا، سواء كانوا من الإخوان أم من غيرهم، وأن يستخدموا كلَّ ما يملكونَ من وسائلَ مشروعةٍ، وألا يهدأَ لهم بالٌ حتى يتمَّ الإفراج عن هؤلاءِ المحبوسين ظلمًا وعدوانًا، ولا سيما وأنهم كانوا يسعون لهدفٍ نبيلٍ محل إجماعٍ شعبيٍّ، ألا وهو حمايةُ واستقلالُ أرقى وأنزه الرجال.

 

وهذا المطلبُ إنما هو واجبٌ شرعي ووطني، فواجبُ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، وواجب نصرة المظلوم والظالم يفرض ذلك، فنصرةُ المظلوم تقتضي الوقوفَ معه ورفعَ الظلم عنه، ونصرةُ الظالم تقتضي منعَه من الاسترسالِ في ظلمِه، وإلا فإنَّ الفتنةَ تعم الجميعَ ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: من الآية25).

 

وهذا الواقع يؤكد ضرورةَ إصلاحِ قانونِ السلطةِ القضائيةِ بما ينقل تبعيةَ النيابة العامة من السلطةِ التنفيذيةِ إلى السلطةِ القضائية، فهي الآن- في ظل تبعيتها للسلطة التنفيذية- تحبس الناس حبسًا احتياطيًّا يمتد إلى أشهرٍ عديدةٍ على ذمةِ التحقيق، في حين أن التحقيقَ ينتهي في يوم أو يومين، وبذلك يتحوَّل الحبس الاحتياطي إلى عقوبة، نسأل اللَّهَ أن يكشفَ الغمةَ عن هذه الأمةِ ويفكَّ عنها الكربَ.. إنه سميعٌ مجيب.

 

محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

القاهرة في: 9 من جمادى الأولى 1427هـ= 5 من يونيو 2006م