لا يهتز يقيني بانتصار ربيع العرب في جولته القادمة فقد أشرقت شمسه قبل أي إعلام يناصر ثوراته ولن تغيب بسكوت أي إعلام.


لكن تبقى الحقيقة أن الثورات تحتاج- قدر إمكاناتها- أن تواجه الدكتاتوريات بأدوات تُسمع صوتها بشرط أن تسيطر بنفسها على هذه الأدوات.. فأي إعلام عربي- ولو توفرت له بعض الحرية- هو إعلام حكومي.. بينما الشعوب لا إعلام لها.. فحتى القنوات الخاصة في مصر أو غيرها تبين أنها مملوكة للأنظمة وإن تركت أرباحها للموالين لها ممن يطلقون تلك القنوات مقابل ولائهم للأنظمة وعملهم وفق توجهاتها..


ولما كانت التجربتان المصرية والتونسية نموذجين للثورة والثورة المضادة، ولإعلام الثورة وإعلام الثورة المضادة فإن أهم ما يستخلصه أي منصف هو أن بناء إعلام عربي حر أصبح ضرورة لا غنى عنها إذا ما أردنا أن يحقق ربيع العرب إنجازا حقيقيا في تغيير الظروف السيئة التي تحيا فيها شعوبنا..

إذ أكدت التجربتان على أن الثورة في معناها الحقيقي هي تغيير جوهري في أنظمة الثقافة التي تجذرت فيها مفاهيم تميل لتقبل الأبوية والوصاية والدكتاتورية والقلق من التغيير وتجنب مواجهة الصعاب؛ ليصبح تغيير الانظمة السياسية الدكتاتورية والتخلص من التشريعات المقيدة للحقوق والمحاصرة للحريات أمرا ذا قيمة..

وعلى ذلك أصبح الإعلام ضرورة لنجاح ثورات العرب لبناء شخصية العربي واستعادته ثقته بقدرته على التغيير ورسم المستقبل بحرية دون وصاية من دكتاتور أو تبعية لدول؛ كما أصبح ضرورة لاستعادة وعي الشعوب بأن طريق الدكتاتورية الذي يمنح استقرارا زائفا لن يؤدي إلا إلى فقدان المستقبل ومزيد من التخلف والتبعية وتبديد الثروات.

ومع تسليمنا بأن شعوبنا لم تتعود أن تبني بنفسها مشروعات تواجه بها مشروعات الدكتاتوريات؛ التي سعت– تحت زعم الاشتراكية – لتأميم المشروعات الخاصة وقتل المبادرات الفردية ومحاصرة الملكات المبدعة، لمنع شعوبها من السيطرة على أي مشروع استراتيجي خصوصا الإعلام.. ثم لما فتحت الباب للقطاع الخاص جعلته تحت سيطرتها ورقابتها ولم تفتح مجال الإعلام أو أي من مجالات الاقتصاد الاستراتيجية إلا لتابعين فاسدين من الموالين للدكتاتوريات إلا استثناء وفق أمثلة نادرة..

إلا أن الحجم الكبير للجاليات العربية بالخارج – والتي هجرت وطنها بسبب ما يعانيه من ظلم وخلل بموازين العدالة - يعطي شعوبنا فرصة هائلة لاستعادة المبادرة لبناء قدراتها في حرية بعيدا عن جدار الخوف الذي تقيمه الدكتاتوريات وقيود الرقابة الأمنية التي تنكل بكل صاحب رأي أو مبادرة؛ مستفيدة من العقول العربية المبدعة التي تزخر بها تلك الجاليات والمواهب التي تحتاج حرية وفرصة لتغرد بصوت العرب ولأجل العرب..

وبالتالي فإن واجب ملايين العرب في الخارج أن يقوموا بالواجب الذي يصعب على العرب في بلادهم أن ينجزوه، وهو:

1- تأسيس مشروع لإعلام العرب باكتتاب عام بين الجاليات العربية في الخارج.

2- أن يمتنع على أي شخص أو شركة أو جهة أن تمتلك حصة حاكمة في الشركة، بحيث تبقى الإدارة الفنية للوسائل الإعلامية المملوكة للشركة بعيدة عن التوجيه سوى في الاتجاه الذي يقره المكتتبون بوثيقة إطلاق تلك الوسائل.

3- أن لا يُسمح لأي من الحكومات أو الهيئات العامة بتملك أي حصة بالمشروع ، ليكون بحق مشروعا للشعوب العربية.

4- أن تتنوع الوسائل المملوكة للشركة ابتداء من الموقع الإخباري إلى القناة الفضائية مرورا بالصحف الورقية والإلكترونية بلغات ثلاثة أولها العربية ثم الانجليزية والفرنسية.

5- أن يجري فصل تام بين الملكية والإدارة بحيث يتوفر للمشروع أفضل العقول العربية بالخارج ، ولإدارة الوسائل الإعلامية أفضل الإعلاميين العرب.

6- أن يضع المكتتبون بالإضافة لعقد تأسيس الشركة وثيقة ملزمة لإدارة الشركة وللوسائل الإعلامية التي تطلقها فيما بعد تتوافق مع مبادئ وأهداف الثورات العربية وعلى رأسها:

• توعية الشعوب العربية بقيمة الحرية وضرورة رفض الدكتاتورية بكافة أنواعها (سياسية وفكرية واجتماعية)

• توعية الشعوب العربية بقيمة العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة بين كافة المواطنين دون تمييز بسبب الرأي أو الدين أو الانتماء أو المكانة أو الأصل أو أي سبب آخر.

• توعية الشعوب العربية بتلازم الدكتاتورية السياسية والفساد الإداري والمالي الذي يبدد ثروات الشعوب ويضع مستقبل الأجيال القادمة في مهب الريح.

• توعية الشعوب العربية بقيمة الكرامة الإنسانية في منح المواطن العربي الثقة في نفسه والاعتزاز بملكاته.

• مناصرة قضايا الشعوب العربية في مواجهة محتليها أو مستغليها أو منتهكي حقوقها أو دكتاتورييها.

• منح الشعوب العربية منبرا إعلاميا مملوكا لها لإعلان رأيها الممنوع في بلادها وللتعبير عن آمالها وطموحاتها بعيدا عن ضغوط الخوف والرقابة والتشويه الذي يميز الإعلام الذي تهيمن عليه الدكتاتوريات..

وأخيرا.. أوقن أن العرب في الخارج – خصوصا رعايا دول الربيع العربي – قادرين على إنجاز أي مشروع يؤمنون به خصوصا بناء إعلامهم الذي يعبر عن الآمال الحقيقية للشعوب العربية.. خصوصا في تلك اللحظة التي تتعطش فيها ثورات العرب لإعلام يعبر أمالها في مواجهة ماكينة الإعلام الدكتاتوري التي لا تكلّ وصمت الإعلام الغربي الذي لا تجذبه سوة صورة مقنع يذبح رجلا أبيض..