- لماذا يكره الأولاد الذهاب إلى المدرسة في الإجازة؟

- عودة القسم المخصوص ضرورة لاكتشاف المواهب.

 

تحقيق- تسنيم محمد

تعالوا نتخيل أن جميع المدارس فتحت أبوابها لأبنائنا من الأطفال والشباب خلال الإجازة الصيفية من خلال أنشطة ترفيهية مفيدة ووسائل جذب مختلفة، أو بمعنى آخر أصبحت مدارسنا أنديةً صيفيةً تعمل على تكوين شخصية الطفل وصقل مواهبه وتنمية قدراته وتوجيهه بأفضل الوسائل الرياضية والثقافية والدينية، حيث يستمتع أبناؤنا بقضاء وقت الفراغ بصورة نافعة، فالإجازة الصيفية سلاحٌ ذو حدَّين، إما أن نستغلَّها استغلالاً مفيدًا أو نُلقي بأبنائنا إلى ما يسلب عقولُهم ويضلِّل أفكارهم، وهذا بدوره يجعلنا نتساءل: ما الدور الذي يجب أن تقوم به المدرسة خلال الفترة الصيفية للإفادة من طاقات الشباب والأطفال؟ وهل النشاط الصيفي بمدارسنا موجود الآن بالصورة المطلوبة؟

 

نمطية المدرسة

 

تؤيد سمية عبد الفتاح (ربة منزل) فكرة النشاط الصيفي بالمدارس، ولكنها تقول إذا لم تكن الأنشطة المدرسية خلال فترة الإجازة جذابةً ومشوقةً لكل طفل وشاب فسيرفضها الأبناء؛ لأنهم سيشعرون أنه لا جديد من نمط اليوم الدراسي وسيكون هذا عامل طرد لهم، مما يضطرهم إلى البحث عن نشاط آخر بعيدٍ عن روتين ونمطية المدرسة وإلا اتجهوا إلى الشارع ليتلقفهم أصدقاء السوء وتبدأ رحلة الانهيار الأخلاقي والقيمي وما يتم غرسه في المدرسة يتم خلعه في الشارع.

 

وتقول نادية شاهين (مدرسة تربية دينية بإحدى المدارس الإسلامية) إنه مع بداية الصيف يتم توزيع الأنشطة بين المدرسين والمدرسات، فيقوم المدرسون بالإشراف على الأنشطة الخاصة بالبنين وتشرف المدرسات على الأنشطة الخاصة بالبنات، ومن أبرز الأنشطة الصيفية بالمدرسة تحفيظ القرآن الكريم من خلال برنامج زمني تعده جماعة القرآن بالمدرسة، هذا بالاضافة إلى الأنشطة الأخرى مثل الكمبيوتر وتعليم اللغة وتعليم الفتيات الأشغال اليدوية وأعمال المنزل إلى جانب الأنشطة الأخرى الترفيهي.

 

أما رضا صلاح (محاسب) يذكر أن مدرسته كانت تقوم بأنشطة رياضية ولكنه كان يشعر بالملل ليس من الأنشطة، ولكن من المدرسة نفسها، ويقترح بديلاً لهذا وهو أن تقوم المدرسة بإعداد برنامج صيفي بمساهمة الوزارة وإقناع أولياء الأمور يتم من خلاله إشراك الأطفال والشباب في النوادي الرياضية أو في مراكز الشباب.

 

ويقول يوسف حمدي (الصف الثاني الابتدائي) بإحدى المدارس الخاصة: لقد أخذت الإجازة ولن أذهب للمدرسة، وبكلمات صادقة معبرة قال يوسف: الكرة مقطوعة في المدرسة كيف سألعب؟ ويوجد العديد من أجهزة الكمبيوتر في المدرسة، لكن المعلمة لا تسمح لنا إلا بالرسم على الكمبيوتر، وأنا لا أحب الذهاب إلى المدرسة، وأفضل المصيف عند البحر.

 

أما أحمد إسماعيل (الصف الأول الثانوي) بإحدى المدارس الحكومية يقول: لا يوجد أنشطة صيفية في مدرستي رغم أن المدرسة تفتح أبوابها طوال فترة الصيف، ولكن توجد مجموعات تقوية فلا يذهب إلا من له دور ثان في إحدى المواد الدراسية، والمكتبة أيضًا مفتوحة، ولكنني بصراحة لا أحب القراءة، ومللت منها في الدراسة، أنا أحتاج إلى اللعب مع الأصدقاء.

 

وتؤكد فاطمة فضل- المشرف العام بمجموعة من المدارس الخاصة- أن الأشطة المدرسية بالصيف تتميز بأنها أكثر ترفيهية من أنشطة الفصل الدراسي؛ حيث تكون وسائل الجذب أقوى من خلال رحلات الجوالة ومعسكرات الشباب، ومن هنا يشعر الأبناء أن المدرسةَ في الإجازة أصبحت ناديًا رياضيًّا ترفيهيًّا يمارسون فيه الهوايات المختلفة.

 

وتضيف: إن هناك فائدةً كبيرةً تعود على الأبناء والآباء من خلال هذه الأنشطة، فمشكلة الآباء في الإجازة هي كيف يقضي الأولاد وقت فراغهم ويستغلون طاقاتهم المهدرة في الشقاوة والنزاع وإثارة المشكلات مع الآخرين، وبالتالي فمن شأن هذه الأنشطة الترفيهية إعادة التوازن النفسي في البيت.

 

الفقراء ليسوا على أجندة المسئولين.. بهذه الكلمات بدأت أمل السيد (موظفة) تتحدث قائلة: لدي أربعة أطفال جميعهم بالمرحلة الابتدائية بمدرسة حكومية، تغلق هذه المدرسة أبوابَها في الصيف، وبعد نزاع وشجار الأبناء اليومي وطبعًا صراخي الذي يصل لكل الجيران من حولنا يخرج أولادي إلى الشارع لتبدأ رحلة أخرى من العذاب، ولهذا أرجو من المسئولين تعميم فكرة النشاط الصيفي بمدارس الحكومة أسوةً بالمدارس الخاصة لتستثمر طاقات الأطفال وتشغل أوقات فراغهم.

 

عنوان بلا محتوى

وتقول ميرفت محمد أم لثلاثة أبناء بمدرسة للغات أن النشاط الصيفي بالمدرسة مجرد عنوان كبير، والمحتوى ليس بنفس القيمة الفنية أو الثقافية المعلن عنها، كما أنه ليس بالكم والكيفية التي أتمناها لأبنائي، فالنشاط المتكامل غائب من الأنشطة الصيفية بالمدرسة.

 

وتضيف أن النادي الصيفي بالمدرسة مكلف جدًّا، حيث يبلغ إشتراك الطالب 300 جنيه، فماذا أفعل وأنا لدي ثلاثة أبناء، هذا ليس بالنسبة لي فقط ولكن لجميع أولياء الأمور، فالناس تنتظر الإجازة لتستريح من مصاريف الدراسة وأعبائها، ولا أنكر أن هناك أنشطة تقوم بها المدرسة مجانًا للطلبة كتعليم اللغة وتحفيظ القرآن الكريم ولكن الطلاب في الإجازة لا يحتاجون لأشياء تُفرض عليهم، كما أنهم يحتاجون أكثر للأنشطة الترفيهية.

 

أما رشا كرم- أخصائية نفسية بإحدى المدارس الثانوية الحكومية- فتقول تطالبنا إدارة المدرسة مع بداية الإجازة بعمل خطة للنشاط الصيفي يقوم بها المدرسون في التخصصات المختلفة، وتقوم المدرسة بعمل وجبة إفطار للطلاب مع إعطائهم مبلغًا رمزيًّا من المال.

 

وتؤكَّد رشا كرم أنه رغم كل ما تقدمه إدارة المدرسة للطلاب إلا إن الأقبال على النشاط الصيفي ضعيف، وهذا بالطبع يرجع إلى المدرسين أنفسهم الذين يشعرون أنهم مجبرون على الذهاب إلى المدرسة في الوقت الذي لا يجدون فيه حافزًا ماديًّا، مما يسبِّب لهم الإحباطَ وينتج عنه رفض تنفيذ البرنامج الصيفي، ومن جانب آخر يشعر الطالب الجاد في تنمية مواهبه وقدراته بالملل والإحباط بسبب تكرار ذهابه للمدرسة، وفي المقابل يجد غياب المدرس فهذا يجعله يرفض النشاط الصيفي ويجد ضالته في الشارع مع باقي الأطفال الآخرين.

 

اللامنهجيون

وفي تعليقه على ذلك يقول الدكتور حمدي حافظ- الخبير الاجتماعي ووكيل وزارة الشئون الاجتماعية الأسبق-: إن فكرة تبني وزارة التربية والتعليم للنشاط الصيفي بالمدارس هي فكرةٌ رائعةٌ، وهي موجودة بالفعل في العديد من المدارس الآن سواء الخاصة أو الحكومية، ولكن المشكلة تكمن في التنفيذ، فالمدارس مفتوحة ولكن مَن الذي يقوم ويشرف على هذه الأنشطة؟!!

 

ويرى أن فشل المدارس في استقطاب الأبناء يعود إلى عدة عوامل، أهمها أن القائمين على الإشراف هم المدرسون "اللامنهجيون"، وهم مدرسو الموسيقى والتربية الرياضية والزراعة والتدبير المنزلي والتربية الدينية والحاسب الآلي، وهذه الفئة مهضوم حقها في المرتبات التي تُدفع لهم، ومن ثم ليس لديهم أدنى شعور بالمسئولية تجاه الطلبة خاصةً في الإجازة الصيفية.

 

ومن هنا يدعو الدكتور حافظ إلى الاهتمام بهذه الفئة من خلال تشكيل إدارة خاصة بهم داخل الوزارة تعمل على تفريغهم من أي أعمال أخرى لا شأن لهم بها، وأيضًا تقدير هذه الفئة ماديًّا ومعنويًّا ومنحهم مكافاءات خاصة خلال فترة التدريب الصيفي للطلاب، وهذا كله سيعود بالخير على أبنائنا.. ليس في مجال النشاط الصيفي فقط ولكن طيلة العام الدراسي أيضًا.

 

القسم المخصوص

ويوضح الدكتور فكري عبد العزيز- استشاري الصحة النفسية- أن النفس البشرية تحتاج إلى الراحة والهدوء في مراحل العمر المختلفة، والأطفال بصفة خاصة يحتاجون إلى الترويح، وبالتالي لا بد من وجود أماكن يمارس الأطفال من خلالها وسائل الترفيه المختلفة كمراكز الشباب والأندية الأجتماعية، والمدارس التي تغلق أبوابها أشهر عديدة.

 

ويؤكد في هذا الصدد أن فتح المدارس في الصيف وجذب الطلاب بوسائلَ مختلفةٍ من شأنه مساعدة الأبناء على الارتباط بالمدرسة، ومن ثم استقطاب أعداد كبيرة من الأطفال والشباب من الشارع.

 

ويطالب د. فكري عبد العزيز الجهات المعنية بإلزام المدارس وخاصة الحكومية بفتح أبوابها خلال الإجازة الصيفية وإلزام المدرسين والأخصائين بالحضور، كما ينادي بعودة ما يسمى بـ"القسم المخصوص"، وهو قسم كان موجودًا وفكرته معممة في جميع مدارس الجمهورية صيفًا وشتاءً يمارس فيه الطلاب جميع الهوايات، وقد أخرج هذا القسم العديد من المبدعين على الساحة المصرية والعالمية.