بقلم: سمية مشهور

﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (سورة الفرقان: 74) الوقت هو عمرنا الذي هو أثمن شيء، وإن قصر عمرنا عن الأمم السابقة وسرعة انقضاء الزمن يجعلنا ندرك أهمية الوقت أكثر، فيجب أن نستغل كل لحظةٍ من لحظاتنا؛ لأن استغلال الوقت مطلب شرعي وسنحاسب عليه لحديث رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه".

 

"اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".

 

كذلك وقت أولادك لأنكِ مسئولة عنهم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".. فاستغلال وقت فراغ الأبناء في العطلة الصيفية لا يقل أهمية عنه في فترة الدراسة.

 

فالفراغ له مضار كثيرة على النفس خاصةً على الأبناءِ فقد يسبب التعود على عادات سيئة تؤدِّي إلى الانحراف، كما أنه يجعل الأبناء فريسةً سهلةً لسموم الأعداء الموجَّهة عن طريق إعلامهم وتتأثَّر بهم نفوسُهم وعقولهم.

 

فعلى الأسرة المسلمة ألا تتركَ أبناءَها في فراغٍ، بل يجب أن تشغلَ وقت فراغهم بما يغذِّي النفس والعقل والقلب والبدن، وذلك بوضعِ خطة.. أي برنامج للإجازة، والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

 

* أسس ومفاهيم قبل وضع برنامج الإجازة:

- أن يتفهم الأبناء أهمية الوقت وفن إدارته في حياة المسلم.

- الاستعانة بالله واستحضار النية والدعاء عند وضع الخطة.

- الرغبة والحرص على استغلال الإجازة بما هو مفيد لأقصى درجة فهي ثلث أو ربع حياتنا.

- اشتراك الأبناء في وضع البرنامج والأهداف يساعد على التزامهم في تحقيقه.

- وضع الأهداف والبرنامج قبل الشروع في الإجازة مما يجعلها منضبطة من أولها.

- أن يكون البرنامج وسطًا ليس بالشديد والمكدس ولا المتراخي جدًّا وأيضًا مرنًا حتى يستطيعوا الاستمرار عليه.

- ألا يكون الأبناء خارج البيت طوال الوقت أو طوال الأسبوع حتى تجتمع الأسرة.

-  أن يكون البرنامج متنوعًا يشمل العبادة والعمل والترويح واللعب ويخدم النفس والغير.

- الانتباه إلى لصوص الوقت (التليفزيون- الحاسب- التليفون).

- تحدد برامج معينة مفيدة وأوقات محددة لهذه الأمور.

- الحرص على الارتباط بصحبة صالحة والانتباه إلى الصحبة السيئة.

- عدم السهر قدر الإمكان حتى لا تُحرم من صلاة الفجر مع مراعاة تنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ، فالإجازة ليست فوضى أو قلبًا للأوضاع.

- أن تكون الإجازة منضبطةً وليست تحررًا من الضوابط فهي فترة نشاط متوازنة.

- الإسلام ليس ضدَّ الترويح عن النفس، بل يؤيده لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "روِّحوا عن أنفسكم" ولكنْ بضوابطَ.. بألا تكون في معصية، وأن يكون مرجعنا الشرع لا النفس، وألا يأخذ وقتًا طويلاً ولكن بقدر، فنحن أمةٌ جادةٌ فيها شيء من الترويح ولسنا أمةً هزليةً فيها شيء من الجد.

 

- حرص الوالدين على حسن متابعتهم لبرنامج الإجازة من أهم عوامل نجاح البرنامج ولو احتاج إلى تعديل في بعض الأمور يعدل.

 

* إليك أختي الحبيبة بعض الاقتراحات للاستفادة من الإجازة

1- القرآن: اجعليه أساسًا لكلِّ الأعمار ابتداءً من سن 3 سنوات.
فالإجازة فرصةٌ عظيمةٌ لحفظِ وتلاوة القرآن، وكلٌّ حسب سنِّه، وتكون المتابعة إمَّا مع دار أو شيخ أو مسجد أو نادٍ أو مدرسة أو كاسيت CD.. المهم مع مَن سيلتزم، مع تحديدِ المقدار المراد حفظه وتقسيمه على الأشهر أو الأسابيع أو الأيام حتى نهاية العطلة (جزءان، ثلاثة، أو أكثر.. فالقرآن له فوائده الكثيرة على النفس والخلق واللغة وأن يكون هناك مكافأة لكل جزءٍ أو عمل حفله ببرنامج إسلامي جميل له ولأصحابه).

 

2- العبادات: الصيف مناسب جدًّا لتعويد الأبناء الصغار على الوضوء (خمس سنوات) مثلاً ومتابعة الأكبر في إحسان وضوئهم كذلك الصلاة مع متابعتهم جيدًا لحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر"، أما الأبناء الكبار فحثهم على الصلاة في أول الوقت وفي المسجد القريب مع الأب والبنات جماعة مع الأم، ويمكن إضافة السنن وقيام ليلة كل أسبوع للكبار مثلاً مع الأم والأب وقراءة أذكار الصباح والمساء جماعة قدر الإمكان، حفظ أدعية اليوم والليلة، صيام يوم في الشهر مثلاً.

 

3- توفير مكتبة إسلامية في كل بيت: تناسب جميع الأعمار تتوافر فيها القصص الإسلامية للصغار والكبار، خاصةً التي تعالج صفاتٍ معينةً، تنقص الطفل كذلك شرائط الكاسيت أو الفيديو أو CD، وأيضًا الأناشيد الإسلامية بدلاً من التافهة أو الإعلانات، كذلك غزوات الرسول والصحابة.. لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحفِّظون أبناءهم مغازيَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما يحفِّظونهم السورةَ من القرآن.

 

تنمية حب القراءة للسن الأكبر خاصةً أنها بدأت تضغف في الجيل الحديث، خاصةً في موضوعات شيقة ومفيدة، كذلك في كتب الفقه والسيرة والحديث، ويمكن الاشتراك في المكتبات العامة، حيث تتنوع الكتب العلمية.

 

4- اللعب والرياضة: الطفل يحب اللعب، فأحسني اختيارَ اللعبة التي تناسب سنَّهم مثل الفك والتركيب التي تنمي مهارات وعقل الطفل كذلك تعلمه الصبر، كذلك الصلصال (1 كوب دقيق- 1 كوب ملح ناعم- 3/4 ماء- 1/2 زيت أو أقل- ملعقة شبة- لون طبيعي (كركديه مثلاً)، لعبة الاستغماية مثلاً والبحث عنه (مشاركتنا للأطفال في اللعب تسعدهم جدًّا).

 

فاللعب الحركي مهمٌّ جدًّا يقوِّي البدنَ ويبعده عن الكبت والتوتر، واللعب الجماعي يقوي علاقتَه مع الآخرين، لذلك يمكن أن نشركَهم في نادٍ رياضي أو نادي المدرسة لتفريغ طاقتهم وتقوية بدنهم وممارسة أي نوع من الرياضة المحببة لديهم كذلك البنات إن كان هناك مكان مخصص لهن، كما أنه يمكن ممارسة الرياضة لكل أفراد الأسرة في المنزل والمواظبة عليها قدر المستطاع.

 

5- العمل: يمكن إشراك الأبناء في بعضِ الأعمالِ بالمنزل حسب سنهم، فالصغار يمكن ترتيب أمورهم الخاصة من ملابس، أحذية، لعب في حجرتهم كذلك مساعدة الأم في أمور بسيطة مثل تقشير الثوم، تقطيف الملوخية، سقي الزرع والأكبر يساعد في تشغيل المكنسة الكهربائية، نشر الغسيل، جمعه، تنظيف الزجاج، إعداد بعض الأطعمة الخفيفة مثل الشطائر، سلق البيض، عمل الشاي، اللبن سواء في ذلك بنات أم بنين.

 

أما الأكبر سنًّا فيمكن للأولاد مساعدة أبيهم في بعض أعمال الإصلاح في المنزل مثل إصلاح صنبور الماء أو بعض الكهرباء أو قضاء بعض الحوائج خارج البيت من مشتروات مثلاً، كذلك البنت بالإضافة إلى اهتمامها أكثر بالأعمال المنزلية من ترتيب وتنظيف البيت وإعداد الطعام، فعلى الأم أن تصبر على تعليم ابنتها هذه المهارات، بل ممكن أن يتحملن مصروف شهر من شهور الصيف كي يتعودن كيفية الإنفاق وتحمل المسئولية فهن أمهات المستقبل.
كذلك تحبيبهن في تعلم بعض التطريز والخياطة وتكافئ كل من أنتجت شيئًا.

 

- يمكن إلحاق الأولاد الكبار بمهنةٍ مناسبةٍ مع أيد أمينة كي يكتسبوا خبرةً سواء كانت بأجرٍ أو بدون، فيتعلمون تحمل المسئولية والاعتماد على النفس "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ".

 

6- الإجازة فرصة عظيمة لتقوية صلة الرحم: سواء بالزيارات أو استقبالهم أو الاتصالات بالهدايا أو عمل حفلة ببرنامج إسلامي ودعوتهم إليها كذلك مع الجيران والأصدقاء (الصحبة الحسنة) والحذر من الصحبة السيئة "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم مَن يخالل".

 

7- هوايات نافعة للأبناء: كالرسم أو تلوين للصغار أو رعاية زرع أو سمك للزينة؛ حتى يتعلمَ حسنَ التعاملِ مع الكائنات، أو جمع طوابع أو أوراق الأشجار أو ريش طيور أو أزهار مجففة أو رسم على الزجاج (تطريز وخياطة للبنات) تعلم برامج مهمة في الكمبيوتر صيد سمك للأولاد أو عمل أشكال بمشابك الغسيل أو رسم بالحبوب، أعمال نجارة بسيطة للأولاد لعمل رف أو جزامة صغيرة أو رسم لوحة.

 

8- الخروج إلى نزهة أسبوعية أو شهرية أو سفر أو مصيف: على أن يكون في أماكنَ مناسبةٍ غيرِ مخالفة للشرع من غير تبذير في الوقت ولا في المال وبعيدة عن المعاصي وأن يكون لها برنامج وأهداف.

 

9- يمكن للأم عمل جدول أسبوعي لمتابعة هذه الأنشطة: بما يتناسب مع كل سنٍّ، وجعل مكافأة لمن هو أفضل.

 

* يمكن عمل برنامج ليوم محدد للأسرة كلها يبدأ من قبل الفجر ويتضمن (قيام ليل، صلاة فجر، أذكار، رياضة، حفظ قرآن، مساعدة للأم، غذاء، جلسة ترفيهية ومسابقات، صلة رحم).

 

* أثناء الإجازة يحدث أن تكون هناك زيارات بين الأقارب، الأصدقاء، الجيران، ويختلط الأبناء بالآخرين فيجب الانتباه لهذا الأمرن وفصل الأولاد عن البنات الكبار، وملاحظتهم جيدًا، ولا نتركهم يفعلون ما يشاءون دون مراقبة حتى لا يكون هناك سلبيات.

 

* قبل نهاية الإجازة بأسبوعين مثلاً يفضًّل أن يتذكرَ الأبناء ما سبق دراستُه بِجَعْلِ ساعة في اليوم لمراجعة الرياضيات، اللغات.. حتى يتهيَّأَ للمدرسة تدريجيًّا.

 

* في آخر الإجازة من المهم أن يكون هناك جلسة أسرية يُعرض فيها ما تمَّ إنجازُه، وما لم يتم إنجازُه في الإجازة من البرنامج وعرض الإيجابيات والسلبيات وتعليق كل فرد، على أن يكون المرة القادمة أفضل إن شاء الله.

وفقنا وإياكم إلى حسن استغلال الأوقات وأن تكون في ميزان حسناتنا.. آمين.