بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الملوك والرؤساء والأمراء العرب..

                                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

 

ففي هذه اللحظاتِ الحرجة والمنعطف التاريخي المهم الذي تتعرض فيه فلسطينُ ولبنانُ للغارات الوحشية وعمليات التصفية والإبادة وحصار الجوع والموت، فإننا نُوجه لكم هذا الخطابَ نيابةً عن شعوبنا العربية والإسلامية؛ قيامًا بواجبنا في التبليغِ والنصح، وإعذارًا إلى الله عزَّ وجل، ورغبةً منا في تحرُّكٍ فاعلٍ ومؤثرٍ يُنقذُ الأمةَ شعوبًا ومؤسساتٍ.. لا نبغي من وراء ذلك تسجيل مواقفَ أو تنافس على صدارةٍ أو زعامة، ونخشى أن تكون هذه الفرصة الأخيرة قبل أن تغرق المنطقة في فتنٍ لا يعلم إلا الله كيف نخرج منها.

 

وكما تعلمون أن المشكلةَ ليست في المقاومةِ ولا في أسرِ ثلاثةِ جنود، وإنما في المشروع الصهيوني العنصري الاستيطاني التوسعي الذي يطمح إلى إقامة مملكة إسرائيل من النيل إلى الفراتِ ومستخدمًا في ذلك القوى الباطشة المدعومة من الغرب للتدمير والتخريب والقتل وسفك الدماء واغتصاب الأراضي وخطف آلاف المدنيين وتعذيبهم وحصار الشعبين الفلسطيني واللبناني لتجويعهم وتركيعهم وكسر إرادتهم.

 

يا حكام العرب..

إنكم مسئولون بين يدي الله عز وجل ثم أمام شعوبكم عن حالِ الأمة، وما آلتْ إليه فإن كانت الأمة بخيرٍ كان ذلك في رصيدكم في الدنيا وميزان حسناتكم يوم القيامة.

 

لقد قررها القرآن الكريم واضحةً جلية: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ (فاطر: من الآية10) ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: من الآية 8) وإنَّ عودةَ أمتنا حكامًا ومحكومين إلى الله وكتابه وسنة نبيه واعتصامهم بحبل الله المتين واتخاذ ذلك منهجًا للحياةِ والحكم، والامتثال لأوامر الله عزَّ وجلَّ في الدفاعِ عن حقوقِ الشعوب المستضعفة هو السبيل لتجاوز أزمات الدنيا والنجاة بين يديه يوم القيامة.

 

إن الواجبَ يقتضي من الحكومات العربية أن تمد يد العون والنصرة للشعبين اللبناني والفلسطيني، وإذا كان هناك مَن يتذرع بالنفوذِ الإيراني للتخلي عن المقاومةِ اللبنانية فأين هو النفوذُ العربيُّ؟! وماذا فعل العرب وقد بلغوا اثنتين وعشرين دولة؟! ولماذا يقفون عاجزين عن حل المشكلة بل يتبنى كثيرٌ منهم السياسة الأمريكية إزاءها حتى بعد أن أعلن السيد عمرو موسى خيبة مساعيهم طيلة عشر سنوات بموت عملية السلام.

 

وإذا كانت الظروفُ غير مهيأةٍ لذلك لأنَّ معظمَ الجيوش العربية لم تكن معدة لخوض حربٍ لردع العدوان على بلدٍ عربي آخر أو نصرة شعب مظلوم فإن بإمكانها أن تفعل الآتي:

 

- أن تعلنوا أن المقاومةَ حقٌّ مشروعٌ فرضه الإسلامُ وكفلته القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وألا توجهوا اللومَ للمقاومةِ أو تثبطوا هِمَّتها، ففي ذلك تَحْطِيمٌ لإرادةِ المقاومة عند شعوبنا، وتخويفٌ لها بالآلة العسكرية الصهيونية، وهي أمور لا تخدم قضايانا المصيرية.

 

- أن تبادروا بإغاثةِ الشعبين اللبناني والفلسطيني بالمساعدات والمؤن الإنسانية اللازمة.

 

- أن تعيدوا النظرَ في المعاهداتِ المجحفة التي تمَّ توقيعها مع العدو واتخاذ الإجراءات لتجميدها ثم إلغائها.

 

- أن تقوموا بإنهاء كافة مظاهر التطبيع مع العدو الصهيوني، وتفعيل إجراءات المقاطعة للصهاينة والشركات التي تدعم العدو أو تتعاون معه.

 

- أن تُفسحوا المجالَ أمام الشعوب لمناصرةِ الشعبين الفلسطيني واللبناني بكل الوسائل وتقديم المساعدة المادية بما في ذلك التطوع دفاعًا عن الأمة.

 

وإذا لم تتمكن الحكومات من استخدام سلاح البترول بوقفِ تصديره كما حدث من قبل فلا أقل من توجيه فائض عائدات النفط المتحقق بسبب الأحداث الأخيرة لصالح الشعبين الفلسطيني واللبناني حتى لا يقال إن دول البترول الغنية تتاجر بجراح أشقائها.

 

وإن مما يعين على القيامِ بتلك الواجبات التي ذكرناها أن تعقد الحكومات معاهدات سلامٍ مع شعوبها فذلك أولى من معاهداتِ السلام مع الأعداء، وأن تتصالح مع شعوبها، إذ ليس للحكومات ظهيرٌ ولا نصيرٌ بعد الله -عز وجل- غير شعوبها؛ لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوربي  ولا غيرهما.

 

يا حكام العرب..

أعلنوها وأنتم على أبوابِ قمتكم المرتقبة أن القمةَ المقبلةَ هي لمناصرةِ فلسطين ولبنان بكل الأشكال، ولمعاقبة الصهاينة الغاصبين.

 

أعلنوها واضحةً أن الدول العربية تراجع مواقفها السياسية والاقتصادية وتبني علاقاتها الإقليمية والعالمية وتتخذ مواقفها من مختلف القوى الإقليمية والدولية طبقًا لمواقف تلك القوى من العدوان على فلسطين ولبنان، ليشعر الجميع أننا بالفعل جسدٌ واحدٌ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

 

أما شعوبنا العربية والإسلامية فإننا على ثقةٍ في أنها ستظل على موقفها الثابت الراسخ المؤيد للحق والرافض لمشروع الهيمنة الصهيوأمريكي؛ لأنها تعلم جيدًا أبعاد المشروع الصهيوني وخطره على المنطقة بأسرها، وأن المقاومةَ هي خط الدفاع الأول الذي لو انهار- إن قدَّر الله- لانساح العدو في المنطقة كما حدث إبان الغزو المغولي، كما أن الشعوب تحترق شوقًا لتحرير القدس السليب والصلاة في المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ولن تتخلى شعوبنا عن واجبها تجاه إخواننا في فلسطين ولبنان بالدعاءِ والتضرع إلى الله، والتبرع بالمال والنفس، ومعاداة ومقاطعة العدو وأعوانه.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم ويشرح صدوركم لاتخاذ القرارات التي تثلج صدور الشعوب وتُوفِّرَ لها العزةَ والكرامةَ وتحقق لها النصر والمنعة بإذن الله.

محمد مهدي عاكف
المرشد العام للإخوان المسلمين
القاهرة في 25 من جمادى الآخرة 1427هـ الموافق 20 من يوليو 2006م